بعد تسليم المناطق الشرقية للمجلس الانتقالي.. الصراع يتصاعد والنفط الورقة الأبرز

متابعات محلية | بقش
موجة جديدة من التوترات العميقة تشهدها محافظة حضرموت، وتتمركز في وادي حضرموت وحقول المسيلة النفطية، حيث تصاعدت الاشتباكات، وتبادلت الأطراف الاتهامات، وبرزت في المشهد بيانات قبلية وسياسية متعارضة، تزامناً مع تحركات سعودية مكثفة ومساعٍ لاحتواء الأزمة.
وعَلِم مرصد “بقش” أن عشرات المنازل والمحلات التجارية تعرضت لحملات مداهمات وتفتيش ونهب منظم في مدينة سيئون، بعد أن سيطر عليها المجلس الانتقالي. وذكرت مصادر إعلامية أن هذه الانتهاكات مستمرة ومتزايدة، وتستهدف مواطنين من المحافظات الشمالية، منذ سيطرة قوات الانتقالي.
حلف قبائل حضرموت أصدر بياناً حول الهجوم على قواته، حمّل فيه قوى خارجية أبرزها “الإمارات” المسؤولية الكاملة عن كل ما حدث، وندد بـ”الهجوم الغادر والمباغت” على قواته في مواقعها داخل حقول ومنشآت المسيلة النفطية.
وكان الحلف قد توصل إلى اتفاق هدنة مع قيادة السلطة المحلية ممثلة بالمحافظ المعيّن حديثاً “سالم الخنبشي”، وتضمّن الاتفاق تهدئة شاملة ومنع أي تصعيد، وانسحاب قوات حماية حضرموت (التابعة للحلف) من داخل مواقع النفط، والتزام الطرفين بسير العمل في الشركات بسلاسة، مع ضمان عدم إدخال المنطقة في مربع الصراع.
ذكر الحلف في بيانه الذي اطلع عليه بقش، أنه باشر فعلياً الانسحاب التدريجي التزاماً بالاتفاق، لكن في صباح الخميس، 04 ديسمبر، نفذت “مليشيات وافدة من خارج حضرموت” هجوماً متعدد المحاور على قواته داخل حقول المسيلة أثناء سريان الهدنة، ونتج عن الهجوم سقوط ستة قتلى من رجال الحلف، وعدد كبير من الجرحى، واشتباكات في أكثر من محور داخل الحقول.
ووجّه الحلف اتهاماً صريحاً لـ”دولة الإمارات العربية المتحدة”، باعتبارها –وفق البيان– “الداعمة بالمال والسلاح لتلك المجاميع”، محملاً إياها المسؤولية الكاملة عمّا حدث من “قتل ونهب وعيب”.
وطالب الحلف الرباعية الدولية (السعودية، الإمارات، بريطانيا، أمريكا)، بالاضطلاع بمسؤولياتهم تجاه ما يجري في حضرموت،
اجتماع مع الوفد السعودي
يوم أمس الجمعة، 05 ديسمبر، عقد محافظ حضرموت، الخنبشي، اجتماعاً موسعاً مع الوفد السعودي بقيادة اللواء محمد القحطاني، وفي الاجتماع قال الوفد السعودي إن مهمته تتركز في تهدئة الوضع ومنع أي صدامات عسكرية ودعم السلطة المحلية.
وعبّر الوفد السعودي عن رفضه لأي عمليات عسكرية في حضرموت، دون الإشارة إلى سقوط مناطق واسعة تحت سيطرة المجلس الانتقالي.
وطالب بعودة جميع القوات القادمة من خارج حضرموت إلى معسكراتها، وتسليم المواقع إلى قوات درع الوطن.
لكن ملتقى قبائل وادي وصحراء حضرموت أصدر بياناً حصل بقش على نسخة منه، اعترض فيه على “تهميش” التمثيل الحضرمي في اجتماع المكلا، وقال إن “الطيف الحضرمي” لم يكن ممثلاً في الاجتماع، وإن غالبية الحاضرين من السلطة المحلية وشخصيات محسوبة على جهات معينة.
ومع غياب المشايخ ذوي الثقل القبلي والمجتمعي المؤثر، يشار إلى الانقسام الحاصل حول من يملك حق التمثيل الحضرمي.
وذكر البيان أن الجماهير التي احتشدت في سيئون في 30 نوفمبر فوضت القوات الجنوبية لدخول الوادي وتحريره من “المنطقة العسكرية الأولى”. ويعتبر البيان أن وجود القوات الجنوبية ضرورة لمرحلة انتقالية لتأمين الوادي.
وأشار إلى حل الدولتين وحدود ما قبل 1990، واصفاً “حل الدولتين” بأنه “خيار الأغلبية في حضرموت”، مطالباً باستمرار بقاء القوات الجنوبية إلى حين تأمين الوادي وتطبيع الأوضاع وتسليم الأمن لاحقاً للنخبة الحضرمية.
تحرك متأخر للعليمي
أمس الجمعة غادر رئيس المجلس الرئاسي رشاد العليمي عدن متجهاً إلى السعودية لإجراء مشاورات بشأن التطورات في المحافظات الشرقية وعلى رأسها حضرموت، وفي هذا التحرك المتأخر رفض العليمي أي خطوات قد “تنازع الحكومة صلاحياتها الحصرية” والمساس بوحدة القرار السيادي، وأي إجراءات تضر بالأمن والاستقرار أو بالتعافي الاقتصادي.
وأشاد العليمي بالجهود السعودية التي قادت إلى اتفاق التهدئة الأخير، ودعا للالتزام به، وتشكيل لجنة تحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان والأضرار التي طالت المدنيين والممتلكات، خصوصاً في مديريات الوادي والصحراء.
بيان حلف القبائل كشف حجم الاحتقان داخل مناطق النفط، اجتماع المكلا أظهر رغبة سعودية في استعادة السيطرة ومنع الانفجار، بينما برز بيان قبائل الوادي والصحراء كمؤشر على انقسام حاد حول هوية حضرموت السياسية وطَرَح بشكل صريح قضية “الانفصال”، وجاءت تحركات العليمي المتأخرة لتؤكد أن ما يجري يتجاوز قدرة الحكومة على احتوائه.
صراع النفوذ بين السعودية والإمارات
السعودية ترى في حضرموت عمقاً استراتيجياً لأمنها، بينما تسعى الإمارات لتمكين المجلس الانتقالي الجنوبي وتوسيع انتشار قواته.
فقد خلصت تحليلات إلى أن المشهد الحضرمي يعبّر عن صراع محاور إقليمية على خاصرة اليمن النفطية، إذ إن الحاصل هو معركة نفوذ بين القوى المدعومة من الإمارات “الانتقالي” والقوى المدعومة من السعودية “حلف القبائل”، لفرض أمر واقع على الأرض يخدم أجندات إقليمية. وأشارت التحليلات إلى تفاهم ضمني محتمل بين الرياض وأبوظبي، حيث تسعى الأخيرة للهيمنة على السواحل والموانئ، بينما تسعى الرياض للحفاظ على نفوذها في الهضبة الداخلية والمعابر.
وأصبحت قوات “درع الوطن” –المدعومة سعودياً– بديلاً مفترضاً عن أي تشكيل يُشتبه بارتباطه بالإمارات.
وكان المجلس الانتقالي أعلن عن سيطرته الكاملة على مدينة سيئون، في وادي حضرموت، وشملت السيطرة مطار سيئون الدولي، القصر الجمهوري (دون مقاومة)، مقر قيادة المنطقة العسكرية الأولى، مجمع الدوائر الحكومية، ومعسكرات عسكرية رئيسية.
بعدها أرسلت السعودية وفداً أمنياً رفيعاً برئاسة القحطاني بغرض احتواء التصعيد، واستقبل الوفدَ في مطار “الريان” المحافظُ الجديد سالم الخنبشي الذي عُيّن بدلاً من “مبخوت بن ماضي” خلال اندلاع الصراع في أواخر نوفمبر. وجاء تعيين الخنبشي (الذي كان محافظاً لحضرموت في السابق) كمحاولة لتقريب الأطراف وتهدئة الموقف.
وتمدّد الانتقالي نحو محافظة المهرة الحدودية مع سلطنة عمان، بعد أن تم تسليمها من قِبل القيادات العسكرية دون أي قتال. الانتقالي قال -فجر يوم الخميس- إن قواته سيطرت على القصر الجمهوري بمدينة الغيضة، وكذلك ميناء نشطون، وجميع المواقع العسكرية والنقاط الأمنية.
وواصلت قوات الانتقالي تمددها حتى سيطرت على أبرز المناطق والمدن الحيوية والحقول النفطية بمحافظة حضرموت، وأبرز المدن التي سيطر عليها الانتقالي وفق متابعات بقش هي المكلا وسيئون والشحر وشبام، علاوة على مطاري الريان وسيئون، وميناء الضبة النفطي، ومنشآت شركة بترومسيلة.
وعبّر توسع الانتقالي -من السيطرة على حضرموت حتى المهرة من خلال ما وُصف بـ”اتفاقات تسليم”- عن تنسيق إقليمي وداخلي، إذ انتقلت السيطرة على المنطقة الشرقية من اليمن، الغنية بالثروات والمطلة على ممرات ملاحية هامة، إلى المجلس الانتقالي في فترة وجيزة.
ويشار إلى أن المهرة تتمتع بموقع جغرافي هام على بحر العرب وتمتلك منفذي “صرفيت” و”شِحن” الحدوديين مع عُمان. كما أن تقدُّم الانتقالي في شبوة بمناطق مثل القطن، وبسط النفوذ على مواقع عسكرية، يُكمل سيطرته على المحافظة الغنية بالنفط.
هذا وتُتناول هذه المستجدات بأنها تمثل نهاية مفهوم الشرعية الموحدة في هذه المناطق. وفتحت سيطرة الانتقالي على المحافظات الشرقية الباب أمام مرحلة جديدة من الصراع وإعادة تشكيل المشهد الجيوسياسي، وتترتب عليها عدة نتائج.
ففي حضرموت والمهرة أُقصي حزب الإصلاح، وتحوّل الصراع إلى تنافس بين المجلس الانتقالي والقوى المحلية. كما أن سيطرة الانتقالي على حقول بترومسيلة تمنحه ورقة ضغط اقتصادية للتحكم في موارد الدولة المركزية، واستخدامها في محاولاته لمشروع الانفصال، كما هو ظاهر في البيانات المحسوبة على قوى الانتقالي.


