بعد صفقة استحواذ أمريكية على موانئ بنما.. الصين تُصعّد لهجتها ومخاوف من تدخل جيوسياسي

تصاعدت حدة الانتقادات الصينية تجاه صفقة بيع شركة “سي كيه هوتشيسون هولدينغز” (CK Hutchison Holdings) حصتها في موانئ بنما لتحالف بقيادة شركة “بلاك روك” الأمريكية، وذلك بعد نشر مقال صحفي ثانٍ عبر منصات حكومية صينية يهاجم الصفقة ويدعو إلى مراجعة الولاءات الوطنية للشركات.
جاء ذلك في سياق تصاعد التوترات الجيوسياسية بين بكين و واشنطن، والتي تُلقي بظلالها على التعاملات التجارية الدولية.
مكتب شؤون هونغ كونغ و ماكاو التابع للحكومة الصينية، نشر يوم أمس السبت مقال رأي في صحيفة “تا كونغ باو” الموالية لبكين حسب اطلاع بقش، وصف الصفقة بأنها “تهدد المصالح الصينية” وتساءل عن دوافع نقل ملكية موانئ استراتيجية قرب قناة بنما إلى “قوى أمريكية ذات نوايا سيئة”.
جاء في المقال: “رواد الأعمال العظماء ليسوا مضاربين، بل وطنيون فخورون”، في إشارة إلى مؤسس الشركة الملياردير لي كا شينغ. وسبق أن تسبب مقال سابق للصحيفة نفسها الأسبوع الماضي في انهيار أسهم “سي كيه هوتشيسون” بنسبة 6.4%، وهو أكبر تراجع منذ 2020، مما يعكس حساسية السوق لتصريحات السلطات الصينية.
عن تفاصيل الصفقة
وافقت “سي كيه هوتشيسون”، التي تتخذ من هونغ كونغ مقراً، على بيع 43 ميناءً في 23 دولة مقابل 19 مليار دولار، مع الاحتفاظ بأصولها في الصين وهونغ كونغ. ورغم أن الصفقة لا تتطلب موافقة بكين قانونياً، إلا أن الهجوم الإعلامي أثار تساؤلات حول احتمالية تدخل صيني غير مباشر.
من جهة أخرى، اعتبر الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” الصفقة انتصاراً لجهوده في الحد من النفوذ الصيني بالممرات المائية الحيوية، بعدما ادعى سابقاً أن بكين “استولت” على القناة، دون تقديم أدلة.
وعزز المقال الجديد انتقاداته بمقارنة بين “سي كيه هوتشيسون” وشركة “هواوي”، ممتدحاً “البطولية” التي أظهرها مؤسسها رين تشنغ فاي في مواجهة العقوبات الأمريكية. وطالب المقال الشركات بالوقوف مع الصين في مواجهة “تنمر واشنطن”، محذراً من أن من يختارون الجانب الآخر “سيتحملون لوم التاريخ”.
بنما في قلب الصراع.. ردود الفعل الدولية والقلق من التبعات الجيوسياسية
أثارت الانتقادات الصينية قلقاً في الأوساط الدبلوماسية الغربية، التي ترى في الخطاب الصيني محاولة لفرض سيطرة غير مباشرة على استثمارات الشركات الصينية العالمية.
من ناحية أخرى، دافع مسؤولون أمريكيون عن صفقة “بلاك روك”، مؤكدين أنها تعكس حرية السوق، بينما حذر محللون من تحول الموانئ إلى نقاط توتر في حالة تصاعد المنافسة على طرق التجارة الدولية.
وتُعد بنما أحد أبرز المستفيدين اقتصادياً من عمليات تطوير الموانئ، لكن الصفقة تضعها في موقف حرج بين القوتين العظميين. ويُذكر أن بكين استثمرت مليارات الدولارات في بنما منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بينهما عام 2017، مما يزيد من مخاوفها من تراجع نفوذها لصالح واشنطن في منطقة تُعتبر حيوية لتجارة الصين العالمية.
وتُسلط الصفقة الضوء على التحديات التي تواجهها الشركات العالمية وسط الانقسام الجيوسياسي، حيث تُجبر على موازنة مصالحها التجارية مع الضغوط السياسية.
ومع تزايد توجه الحكومات لاستخدام الاستثمارات كأدوات جيوسياسية، قد تضطر هذه الشركات إلى اعتماد استراتيجيات أكثر تعقيداً، مثل تفكيك أصولها أو تعزيز الشراكات المحلية، لتجنب الاصطدام بصراعات القوى العظمى.