منوعات
أخر الأخبار

بعد عملية سطو هوليوودية.. كيف وأين ستُباع كنوز متحف اللوفر المسروقة؟

منوعات | بقش

في قلب باريس، حيث يختلط المجد الإمبراطوري برائحة الماضي، وقع متحف اللوفر ضحية واحدة من أكثر السرقات جرأة في تاريخه الحديث. سبع دقائق فقط كانت كافية لعصابة مجهولة كي تخرج من بين جدران أكثر المتاحف حراسةً في العالم حاملةً كنوزاً ملكية من الذهب والماس والياقوت، كانت تزيّن صدور الأباطرة والملكات، قبل أن تُصبح فجأة غنيمة عابرة في يد مجهولين.

لكنّ السؤال الحقيقي لا يتعلق بكيفية السرقة فقط، بل بما بعد السرقة: ماذا يمكن أن يفعل اللصوص بجواهر يعرفها العالم حجراً حجراً، وتحيط بها صور وبيانات رقمية في كل قاعدة بيانات فنية على الكوكب؟

الجواب باهظ، ومؤلم: هذه القطع التي كانت تمثل إرثاً إنسانياً تحوّلت، على الأرجح، إلى خردة ثمينة بلا تاريخ.

متحف آخر: السرقة مستمرة

وليس متحف اللوفر وحده الذي تعرض للسرقة، إذ سُرق متحف آخر هو متحف “دار دينيس ديدرو”، في بلدة لانجر في مقاطعة هوت مارن الفرنسية للسرقة وفق اطلاع مرصد “بقش” لتقارير اليوم الأربعاء، وتأتي سرقته بعد وقت قصير من سرقة متحف اللوفر.

وسُرقت من هذا المتحف الثاني مجموعة من العملات الذهبية والفضية المسكوكة بين القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.

أما عن مسروقات متحف اللوفر الشهير، فوفقاً للمدعية العامة في باريس، لور بيكو، تبلغ القيمة الرسمية للمسروقات نحو 88 مليون يورو حسب قراءة بقش، تشمل ثماني قطع من التيجان والبروشات الملكية، بينها بروش ألماسي شهير للإمبراطورة أوجيني.

لكن بعد الجريمة، لم تعد تلك القيمة قائمة فعلياً. فالشهرة الواسعة التي حظيت بها الجواهر عبر وسائل الإعلام جعلت بيعها علناً مستحيلاً تماماً، إذ ستُرصد فور ظهورها في أي دار مزادات أو متجر مجوهرات.

ولذلك، كما يؤكد خبراء الفن، فإن الخيار الوحيد أمام العصابة هو التفكيك والصهر.

الأحجار تُعاد قطعها وتلميعها لتبدو “جديدة”، بينما يُصهر الذهب لإخفاء هويته الأصلية، فيتحول الإرث الملكي إلى مواد خام بلا روح.

أما السوق السوداء فتعامل هذه الكنوز كمجرد وزنٍ بالأوقية أو القيراط، وتبيعها بما لا يتجاوز عُشر قيمتها الأصلية.

أنتويرب.. المقبرة الذهبية للمسروقات

يرجّح المحققون أن وجهة المسروقات ستكون مدينة أنتويرب البلجيكية، المعروفة بأنها مركز عالمي لتجارة الألماس – الشرعي وغير الشرعي. الخبير المخضرم روب فان بيوردن، الذي عمل في المهنة لأكثر من 45 عاماً، يقول: “كل الألماس المسروق تقريباً يجد طريقه إلى أنتويرب، لكن هذه المرة المخاطرة كبيرة جداً”.

ففي حال لم تكن السرقة بتكليف مسبق من مشترٍ ثري أو جهة مجهولة، فإن العصابة ستواجه مأزقاً عملياً: كيف تبيع حجراً مرصوداً بالأرقام التسلسلية والخصائص البصرية؟.

وغالباً ما تنتهي مثل هذه الغنائم إلى مصيرٍ مؤسف، الصهر الكامل، تماماً كما حدث في مصر العام الماضي حين أُعلن أن سواراً ذهبياً عمره 3 آلاف عام صُهر بعد تهريبه من المتحف المصري.

أخطاء فادحة… وفضيحة أمنية لفرنسا

رغم دقة التنفيذ، كشف التحقيق عن ثغرات أمنية صادمة. رافعة أثاث وقفت لساعات أمام بوابة المتحف من دون تدقيق، كاميرات لم تُفعّل في اللحظة الحرجة، وأفراد أمن لم يلحظوا عملية اقتحام تمت في وضح النهار تقريباً.

وسائل الإعلام الفرنسية وصفت ما جرى بأنه “صفعة لهيبة الدولة” حسب تتبُّع بقش للتقارير الفرنسية، فيما طالب نواب البرلمان بفتح تحقيق برلماني حول إجراءات الأمن في المؤسسات الثقافية الكبرى.

حتى الرئيس إيمانويل ماكرون اضطر إلى التدخل، معلناً عبر منصة “إكس” أن “فرنسا ستستعيد المجوهرات المسروقة، وسيمثل الجناة أمام العدالة”.

لكن خلف هذا الخطاب الرسمي، يتردد سؤال محرج: كيف يعجز اللوفر، الذي يضم أكثر من 35 ألف قطعة ويستقبل ملايين الزوار سنوياً، عن تأمين بضع خزائن صغيرة من الذهب والماس؟.

من لوحات إلى معادن… تحوّل أهداف اللصوص

يقول المحقق المتخصص في جرائم الفن آرثر براند إن سرقات المتاحف تغيّرت خلال السنوات الأخيرة. “اللصوص لم يعودوا يبحثون عن اللوحات الفنية، فبيع لوحة معروفة أمر شبه مستحيل.

الهدف الآن هو الذهب والأحجار الكريمة التي يمكن إذابتها وتهريبها بسهولة”. وهكذا، تحوّلت المتاحف من خزائن للفن إلى مناجم مؤقتة للثروة السائلة، فاللصوص الجدد لا يهتمون بالتاريخ أو الجمال أو الرمزية، بل بقيمة الغرام والقيراط وسهولة النقل.

إنها جريمة تعكس منطق السوق نفسه: كل ما يمكن تسييله يُسرق، حتى لو كان قلب التاريخ نفسه.

تاريخ سرقات المتاحف يبيّن أن بعض القطع تُستخدم لاحقاً كورقة ضغط سياسية أو قضائية.
بحسب جوليان رادكليف، مؤسس “سجل الأعمال الفنية المفقودة”، يحتفظ بعض اللصوص بالمجوهرات كـ”تأمين تفاوضي” لتخفيف أحكام جنائية على شركائهم المسجونين، ففي عالم الجريمة المنظمة، يمكن لقطعة فنية أن تساوي صفقة عمر أو عودة من السجن.

من هنا، يخشى خبراء أن تُصبح مجوهرات اللوفر أداةً في لعبةٍ أكبر من مجرد تجارة، ربما ورقة مساومة خلف الكواليس، في قضايا مالية أو حتى سياسية. وإذا حدث ذلك، فستتحول السرقة من جريمة جنائية إلى ملف أمني دولي معقّد.

سرقة “كنوز اللوفر” ليست حادثاً عابراً، بل إعلان فشل مزدوج: فشل أمني في حماية التراث، وفشل ثقافي في حفظ معنى القيمة أمام جشع المال.

فحين تُسرق قطعة فنية، لا يُسرق الذهب وحده، بل يُسلب التاريخ من معناه؛ لأن قيمة تلك المجوهرات لم تكن في وزنها بل في الحكاية التي تحملها.

وحتى في حال عودة القطع يوماً إلى مكانها خلف الزجاج، فإنها لن تعود كما كانت، إذ إن العار الذي أصاب اللوفر لن يُمحى بسهولة، كما أن الذاكرة الجمعية ستتذكر طويلاً أن العالم الذي لا يقدّر فنه سيبيعه يوماً كخردة براقة على رصيف مظلم.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي المستخدم،

نرجو تعطيل حاجب الإعلانات لموقع بقش لدعم استمرار تقديم المحتوى المجاني وتطويره. شكرًا لتفهمك!

فريق بقش