أخبار الشحن
أخر الأخبار

بقيمة 50$ على الطن الواحد.. السفن الصينية تواجه حظراً فعلياً في الموانئ الأمريكية في أكبر تصعيد منذ عودة ترامب

أخبار الشحن |بقش

أعلنت الولايات المتحدة أنها ستبدأ خلال أسابيع قليلة تطبيق نظام رسوم موانئ جديد يستهدف السفن التي بُنيت أو تُملك أو تُشغَّل من قبل الصين، في خطوة تصعيدية ضمن مسار المواجهة الاقتصادية بين البلدين.

ووفقاً للتعليمات التشغيلية الصادرة عن هيئة الجمارك وحماية الحدود الأمريكية، فإن أي سفينة تصل إلى الموانئ الأمريكية دون تقديم إثبات دفع مسبق للرسوم الجديدة ستُمنع من عمليات التحميل والتفريغ، ما يجعل الإجراء بمثابة «حظر عملي» على السفن غير الممتثلة.

ويهدف القرار إلى فرض رسوم جديدة بموجب المادة 301 من قانون التجارة الأمريكي، والتي تستخدمها واشنطن تقليدياً للرد على ما تعتبره ممارسات تجارية غير عادلة من الدول الأخرى.

ووفق اطلاع مرصد بقش، تلزم القواعد الجديدة مشغلي السفن بدفع الرسوم قبل دخولهم أول ميناء أمريكي، مع ضرورة استكمال الإجراءات قبل ثلاثة أيام عمل على الأقل من الوصول، لتجنب أي تأخير أو رفض. وتشير التعليمات إلى أن المسؤولية تقع بالكامل على المشغلين، وليس على السلطات الجمركية، في تحديد ما إذا كانت السفن خاضعة للرسوم.

ويمثل هذا النظام الجديد أحد أكثر الإجراءات صرامة التي اتخذتها واشنطن في مجال النقل البحري خلال العقد الأخير. فبينما كانت الإجراءات السابقة تركز على فرض تعريفات على السلع المستوردة أو حظر بعض الاستثمارات، تنتقل الولايات المتحدة الآن إلى استهداف البنية التحتية للنقل والشحن نفسها، في إشارة إلى أن المنافسة مع الصين لم تعد اقتصادية فقط، بل باتت تمس سلاسل الإمداد العالمية بشكل مباشر.

محاولة بائسة لمواجهة النفوذ الصيني في بناء السفن

يستند هذا القرار إلى تحقيق أجراه مكتب الممثل التجاري الأمريكي بموجب المادة 301 حول ممارسات الصين في قطاع بناء السفن والنقل البحري. وأظهر التحقيق، الذي أُطلق في أبريل وعُدّل في يونيو، أن بكين تتبع سياسة صناعية ممنهجة مدعومة من الدولة تهدف إلى الهيمنة على الصناعات البحرية واللوجستية العالمية. وأكد التقرير أن هذه الممارسات خلقت اختلالاً في المنافسة، حيث استفادت الشركات الصينية من دعم ضخم مكّنها من تقديم أسعار غير قابلة للمنافسة.

تشير نتائج التحقيق إلى أن الدعم الحكومي الصيني ساهم في توسع كبير في أسطول السفن المبنية في الصين، ما جعلها تستحوذ على حصة ضخمة من سوق بناء السفن العالمية. وبالنسبة لواشنطن، فإن هذه الهيمنة لا تمثل مجرد منافسة اقتصادية، بل تهديداً للأمن القومي، إذ تعتمد سلاسل الإمداد الأمريكية بشكل متزايد على سفن أجنبية مملوكة أو مصنعة في دول تعتبرها خصوماً استراتيجيين. هذا الاعتماد المفرط جعل الحكومة الأمريكية تتحرك لفرض رسوم إضافية لضمان بقاء السيطرة داخل أراضيها.

كما يأتي القرار في سياق أوسع من المواجهة الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين، والتي لم تعد تقتصر على أشباه الموصلات أو التجارة السلعية، بل امتدت إلى البنية التحتية الحيوية للنقل العالمي.

وتشير واشنطن بوضوح إلى أن سياستها تهدف إلى تقليص الاعتماد على القدرات الصينية في سلاسل التوريد البحرية، وتعزيز الصناعات المحلية أو البديلة في دول حليفة.

تفاصيل الرسوم المفروضة

تفرض القواعد الجديدة رسوماً قدرها 50 دولاراً أمريكياً للطن الصافي على السفن المملوكة أو المشغلة من قبل الصين، وفق اطلاع بقش، وهو رقم مرتفع بالنظر إلى حجم السفن التجارية الكبيرة التي تتجاوز حمولتها عشرات الآلاف من الأطنان.

أما السفن المصنوعة في الصين، فستخضع لرسوم بقيمة 18 دولاراً أمريكياً للطن الصافي أو 120 دولاراً أمريكياً لكل حاوية مُفرّغة، أيهما أعلى، وهو ما يجعل التكلفة النهائية متفاوتة بحسب نوع السفينة وطبيعة حمولتها.

كما تشمل الرسوم ناقلات المركبات وسفن الدحرجة (Ro-Ro) التي ستُفرض عليها رسوم بقيمة 14 دولاراً للطن الصافي، في حين تم استثناء ناقلات الغاز الطبيعي المسال من هذه الرسوم، في إشارة إلى رغبة واشنطن في تجنب التأثير على وارداتها من الطاقة في ظل سوق متقلبة.

ويجب سداد هذه المدفوعات عبر منصة Pay.gov التابعة لوزارة الخزانة الأمريكية، المربوطة بنظام دخول وتخليص السفن (VECS)، لضمان إثبات الدفع قبل السماح بدخول الموانئ.

وهذه التفاصيل تعني أن السفن التي لا تلتزم بالدفع ستواجه رفضاً مباشراً من الموانئ الأمريكية لأي عمليات شحن أو تفريغ. وهو ما قد يؤدي إلى تأخيرات مكلفة أو إعادة توجيه السفن إلى موانئ أخرى، بما يفرض ضغوطاً إضافية على خطوط الملاحة العالمية. كما أن شركات الشحن قد تضطر إلى إعادة هيكلة طرقها لتفادي تكاليف إضافية غير متوقعة، خصوصاً تلك التي تعتمد على أسطول صيني الصنع.

ضغوط على سلاسل التوريد العالمية وتصعيد في الحرب الاقتصادية

من المرجح أن يترك القرار أثراً مباشراً على شبكات التجارة البحرية العالمية. فالصين تمثل مركزاً رئيسياً في صناعة بناء وتشغيل السفن، وأي قيود على أسطولها ستؤثر على حجم الشحنات وتوزيعها.

وتشير تقديرات أولية تتبَّعها بقش إلى أن عدداً كبيراً من السفن العاملة في الخطوط العابرة للمحيطات قد يخضع لهذه الرسوم، ما سيدفع بعض الشركات إلى إعادة النظر في وجهاتها أو طرقها التجارية.

كما يُتوقع أن تستفيد بعض الموانئ في المكسيك وكندا أو الموانئ الصغيرة في الكاريبي كمحطات بديلة لإعادة الشحن قبل دخول السوق الأمريكية، في محاولة لتقليل أثر الرسوم. لكن هذا سيضيف تكاليف لوجستية جديدة وسيزيد من مدة الرحلات، ما سينعكس في نهاية المطاف على الأسعار للمستهلكين الأمريكيين. وقد يؤدي ذلك أيضاً إلى زيادة الضغط على موانئ أمريكية داخلية لم تكن مصممة للتعامل مع هذه الأحجام.

سياسياً، يعزز القرار من حدة المواجهة التجارية بين واشنطن وبكين، ويضيف بعداً جديداً للمنافسة: البحر والنقل العالمي. وبينما ترى الولايات المتحدة أن هذه الإجراءات ضرورية لحماية مصالحها الاستراتيجية، تنظر الصين إليها كإجراء عقابي جديد يستهدف قدرتها على لعب دور محوري في التجارة البحرية. وقد ترد بكين بخطوات مضادة، سواء عبر فرض قيود على شركات أمريكية تعمل في آسيا أو عبر دعم إضافي لأسطولها لتعويض الرسوم.

من المتوقع أن تؤدي الرسوم الجديدة التي تفرضها الولايات المتحدة على السفن الصينية إلى إعادة هيكلة ملموسة في خريطة الشحن العالمية. فبحسب تحليل اطلع عليه بقش لرويترز، فإن الرسوم قد ترتفع سنوياً من 50 دولاراً للطن الصافي إلى 140 دولاراً بحلول 2028، ما يجعل جزءاً كبيراً من الأساطيل الصينية مكبّلاً بتكاليف إضافية ضخمة.

هذا الأمر قد يدفع مشغّلي السفن إلى تحويل مساراتها بعيداً عن الموانئ الأمريكية أو استخدام سفن أقل كلفة وأقل عرضة للرسوم، مما قد يضغط على شبكة التجارة بين آسيا وأمريكا الشمالية ويزيد كلفة الشحن للمصدرين والمستهلكين الأمريكيين.

كما أن القرار سينسجم مع جهود واشنطن لإحياء بناء السفن المحلية، وهو هدف تدعمه نقابات أمريكية تطالب بتمرير تشريع يدعم الصناعة البحرية الأمريكية في ظل ارتفاع الرسوم على السفن الصينية.

لكن هذا الهدف سيواجه تحديات كبيرة، فالصين تستحوذ الآن على أكثر من نصف الطلبيات العالمية لسفن الشحن حسب بيانات حديثة من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، مما يعني أن واشنطن ستحتاج إلى استثمارات ضخمة ووقت طويل لتقليص الفارق التكنولوجي وإنتاج السفن التجارية على نطاق عالمي.

الرد الصيني والمخاطر القانونية والدبلوماسية

لا يقف التحدي عند التأثير الاقتصادي فقط، بل يتّجه القرار الأمريكي إلى صدام قانوني مع قواعد التجارة الدولية. فقد رفضت جمعية مالكي السفن الصينية (CSA) هذه الخطط، معتبرة حسب متابعة بقش أنها تنتهك قواعد منظمة التجارة العالمية واتفاقية الملاحة بين الولايات المتحدة والصين لعام 2003، وتتهم القاضية الأمريكية بتجاوز الاختصاص القانوني.

هذا الاعتراض قد يؤدي إلى نزاع قانوني دولي يضع واشنطن تحت ضغط للرد أو التراجع جزئياً أو تعديل القواعد.

من الناحية الدبلوماسية، فإن الخطوة الأمريكية قد تثير ردود فعل انتقامية من الصين في ساحات متعددة، سواء عبر فرض قيود على الشركات الأمريكية العاملة في السوق الصينية أو عبر دعم متزايد لأساطيلها للتغلب على الرسوم.

هذه المواجهة الجديدة في قطاع الشحن تمثل تصعيداً حقيقياً في المنافسة البحرية، حيث باتت الدول تستخدم الأدوات الاقتصادية والقانونية لفرض الهيمنة على سلاسل اللوجستيات الدولية.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي المستخدم،

نرجو تعطيل حاجب الإعلانات لموقع بقش لدعم استمرار تقديم المحتوى المجاني وتطويره. شكرًا لتفهمك!

فريق بقش