الاقتصاد العالمي
أخر الأخبار

بكين تشد الخناق التجاري: واردات الغاز والقمح الأمريكية تتهاوى إلى الصفر في مارس

كشفت بيانات رسمية حديثة عن تدهور كبير في حجم التجارة بين الولايات المتحدة والصين، حيث أظهرت إحصاءات الجمارك الصينية لشهر مارس 2025 توقفاً كاملاً لاستيراد الغاز الطبيعي المسال والقمح من الأراضي الأمريكية، في إشارة قوية على تصاعد الحرب التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم.

هذه الخطوة تأتي بمثابة صدمة لقطاعي الطاقة والزراعة الأمريكيين، فوفقاً للبيانات الصادرة مؤخراً، تراجعت واردات الصين من هاتين السلعتين الاستراتيجيتين إلى مستوى الصفر خلال الشهر الماضي.

وللمقارنة، كانت الولايات المتحدة تمثل نحو 17% من إجمالي واردات الصين من القمح في العام الماضي، وحوالي 5% من وارداتها من الغاز الطبيعي المسال.

يُعزى هذا الانخفاض الحاد وغير المسبوق إلى الإجراءات الانتقامية التي اتخذتها بكين رداً على الرسوم الجمركية الأمريكية. فقد فرضت الصين في فبراير الماضي رسوماً تراوحت بين 10% و15% على واردات الطاقة، تبعتها رسوم مماثلة على المنتجات الزراعية في مارس. ويتوقع خبراء أن يشهد حجم التبادل التجاري بين البلدين مزيداً من التراجع، خاصة بعدما شهدت الحرب التجارية فصلاً جديداً من التصعيد مطلع أبريل الجاري بفرض الطرفين رسوماً جمركية شاملة تجاوزت نسبتها 100% على قائمة واسعة من السلع.

تراجع حاد يضرب القطاع الزراعي

لم يقتصر التدهور على القمح، بل امتد ليطال سلعاً زراعية أمريكية أخرى بشدة خلال مارس. فقد انخفضت واردات الصين من القطن الأمريكي بنسبة هائلة بلغت 90% مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي، لتستقر عند ما يزيد قليلاً عن 14 ألف طن. كما شهدت واردات الذرة انهياراً لتصل إلى أقل من 800 طن، مسجلة أدنى مستوى لها منذ فبراير 2020، مما يعكس تحولاً جذرياً في مصادر إمدادات بكين.

في مفارقة لافتة، شكل فول الصويا الأمريكي استثناءً لهذا الاتجاه الهابط، حيث ارتفعت الشحنات إلى الصين بنسبة 12% خلال مارس، لتبلغ 2.44 مليون طن. ويأتي هذا الارتفاع ليواصل الزخم الإيجابي الذي شهده خلال أول شهرين من العام، مدعوماً باعتماد الصين، وهي أكبر مستورد عالمي لفول الصويا، على الإمدادات الأمريكية لملء الفجوة قبل بدء موسم الحصاد في دول أمريكا الجنوبية خلال فصل الربيع.

على صعيد آخر، سجلت واردات الصين من الغاز النفطي المسال (LPG) الأمريكي، وهو مادة خام رئيسية في صناعة البتروكيماويات، تراجعاً بنسبة 36% ليصل حجمها إلى 1.02 مليون طن، كما انخفضت شحنات فحم الكوك المستخدم في صناعة الصلب من الولايات المتحدة بنسبة 62%، لتصل إلى 208 آلاف طن فقط.

ورغم أن الولايات المتحدة لا تعد من أكبر 10 موردين للنفط الخام إلى الصين، إلا أن شحناتها ارتفعت بنسبة 25% لتبلغ 542 ألف طن في مارس، وهو ما يتفق مع الزيادة الإجمالية في واردات الصين من النفط خلال نفس الفترة.

القلق الجمركي يؤثر على واردات المعادن

حتى قطاع المعادن، الذي لم يُستهدف بشكل مباشر بالرسوم الانتقامية الصينية الجديدة في مارس، لم يسلم من تداعيات التوترات التجارية. فقد تأثرت واردات المعادن بالقلق المتزايد الناجم عن تعهد إدارة ترامب بالنظر في فرض رسوم على واردات النحاس.

هذا التهديد المحتمل أدى إلى ارتفاع علاوة الأسعار داخل السوق الأمريكية، مما جعل الواردات منها أقل جاذبية بالنسبة للمشترين الصينيين. ونتيجة لذلك، تقلصت واردات الصين من خردة النحاس الأمريكية إلى نحو نصف مستوياتها المعتادة، لتسجل قليلاً فوق 22 ألف طن، فيما تراجعت شحنات مركزات المعادن بنسبة 38% لتصل إلى نحو 19 ألف طن.

آفاق الصراع التجاري وتداعياته

يعكس هذا الانخفاض الدراماتيكي في الواردات الصينية من السلع الأمريكية، وخاصة التوقف الكامل للغاز والقمح، مدى عمق وشدة الصراع التجاري المستعر. لا تقتصر تداعيات هذه الخطوات على البلدين فحسب، بل تمتد لتلقي بظلالها على الأسواق العالمية، مؤثرة على سلاسل الإمداد وأسعار السلع الأساسية عالمياً، وتزيد من حالة عدم اليقين في الاقتصاد العالمي.

بالنسبة للمنتجين الأمريكيين، يمثل إغلاق السوق الصينية خسارة فادحة، لا سيما بالنسبة للمزارعين الذين أصبحوا رهينة للتوترات السياسية. في المقابل، ستسعى الصين لتنويع مصادر وارداتها، ربما بالتحول بشكل أكبر نحو دول مثل روسيا وقطر وأستراليا لتلبية احتياجاتها من الغاز الطبيعي المسال، أو إلى دول في منطقة البحر الأسود وأمريكا الجنوبية وكندا وأستراليا لتأمين إمداداتها من الحبوب. هذا التحول في أنماط التجارة العالمية قد يخلق فرصاً جديدة لموردين آخرين، لكنه يزيد أيضاً من تعقيد المشهد التجاري العالمي.

تأتي هذه التطورات في وقت تتزايد فيه التوترات الجيوسياسية بين واشنطن وبكين على عدة جبهات، مما يجعل التوصل إلى حل سريع للحرب التجارية أمراً بعيد المنال في الوقت الحالي.

يبدو أن الجانبين مستعدان لتحمل تكاليف هذا الصراع الاقتصادي الطويل الأمد، مما يشير إلى أن الشركات والمستهلكين في كلا البلدين، والعالم بأسره، قد يواجهون فترة طويلة من الاضطراب وعدم اليقين في العلاقات التجارية الثنائية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى