الاقتصاد العالمي
أخر الأخبار

بلومبيرغ: استحواذ واشنطن على أسهم “إنتل” يفاقم مشاكل الشركة بدلاً من حلها

الاقتصاد الدولي | بقش

في خطوة وُصفت بأنها غير تقليدية وخطيرة على بيئة السوق الحرة، سمحت إدارة الرئيس الأمريكي باستحواذ حكومي على نحو 10% من أسهم شركة “إنتل” العملاقة في مجال الرقائق. غير أن محللين اقتصاديين، وفق تقرير نشرته وكالة بلومبيرغ، واطلع عليه مرصد بقش، اعتبروا أن هذه الخطوة لن تنتج عنها حلول حقيقية لمشاكل الشركة المتفاقمة، بل قد تزيدها سوءاً.

“إنتل”، التي كانت يوماً أيقونة الابتكار في وادي السيليكون، تواجه اليوم سلسلة من التحديات المتراكمة. فقد تراجعت حصتها السوقية في صناعة أشباه الموصلات، ولم تعد تحظى بعملاء رئيسيين في مجال “السبك”، وهو النشاط الذي يقوم على تصنيع الرقائق لصالح أطراف أخرى.

كما خسرت الشركة موقعها في سباق الذكاء الاصطناعي، وأقدمت على إقالة رئيسها التنفيذي العام الماضي في إطار إعادة هيكلة شاملة، خفضت خلالها الأرباح وسرّحت آلاف الموظفين. وحسب بيانات مالية جمعها بقش، تكبدت “إنتل” خسائر بلغت نحو 19 مليار دولار في العام الماضي فقط.

مخاطر التسييس وتضارب المصالح

يرى محللو بلومبيرغ أن دخول الحكومة كشريك بحصة كبيرة في شركة خاصة يضعها أمام مخاطر متعددة، أبرزها تسييس القرارات الاقتصادية والإستراتيجية. هذا التدخل، وفق قراءة بقش، قد يعيق الابتكار، ويشوّه المنافسة، ويؤسس لحالة من تضارب المصالح داخل القطاع التكنولوجي.

بل إن مثل هذه السابقة قد تُستغل مستقبلاً للضغط على شركات التكنولوجيا الكبرى أو لدعم شركات متعثرة على حساب منافسين أكثر كفاءة، وهو ما يثير المخاوف من نتائج عكسية على المدى الطويل.

ليست هذه الخطوة الأولى من نوعها، إذ سبق أن اتخذت الإدارة الأمريكية إجراءات مشابهة. فقد حصلت على “حصة ذهبية” في شركة الحديد العملاقة United States Steel، كما استحوذ البنتاغون على حصة بقيمة 400 مليون دولار في شركة للتعدين النادر، إضافة إلى مقترحات استثمارية طالت شركات تكنولوجية مثل “تيك توك”. هذه السياسة، في نظر مراقبين، أقرب إلى نموذج “الرعاية الحكومية” الذي يهدف إلى حماية شركات متعثرة بدلاً من تبني إصلاحات اقتصادية مستدامة.

حلول مؤجلة مع الحاجة إلى إصلاحات هيكلية

بحسب بلومبيرغ، فإن مثل هذه التدخلات الحكومية قد تؤدي إلى تأجيل القرارات الصعبة داخل “إنتل”، وتحويلها إلى شركة تعمل وفق حسابات سياسية أكثر من استراتيجيات سوقية. وحتى إن أسهمت في رفع سعر السهم مؤقتاً، فإنها لا تعالج الأزمة الجوهرية المتمثلة في ضعف القدرة التنافسية واتساع الفجوة التقنية مع المنافسين، خصوصاً في الأسواق الآسيوية.

يشدد محللون اقتصاديون على أن إنقاذ صناعة الرقائق الأمريكية لا يمر عبر شراء حصص حكومية في الشركات، بل من خلال إصلاحات أعمق وأكثر شمولاً. فالمطلوب هو تسهيل هجرة الكفاءات المتخصصة في صناعة الرقائق، وتبسيط قوانين التصاريح لتقليل النزاعات القانونية المكلفة، وخفض الرسوم الجمركية على مكونات أشباه الموصلات، فضلاً عن تعزيز تمويل البحث والتطوير في مجال التكنولوجيا المتقدمة. كما أن تحفيز الاستثمار عبر إصلاحات ضريبية مدروسة يمكن أن يوفر بيئة أكثر تنافسية للشركات على المدى الطويل.

يرى مراقبون أن السوق الحرة تظل وحدها القادرة على تحديد مصير “إنتل”، وأن محاولات واشنطن للالتفاف على قواعد المنافسة قد تكون مضرة أكثر مما هي مفيدة. وإذا كانت الإدارة تعتبر أن الأمن القومي مهدد بانهيار الشركة، فعليها أن تقدم رؤية استراتيجية متكاملة تبرر هذا التدخل وتحدد أهدافه المستقبلية، بدلاً من الاعتماد على سياسات متفرقة تبدو أقرب إلى ردود أفعال آنية.

كيف تدخّلت الحكومة الأمريكية سابقاً؟

خلال أزمة 2008–2009، دخلت “جنرال موتورز” تحت حماية الفصل 11 وتحوّلت إلى “نيو جي إم”، مع استثمار حكومي بلغ نحو 49.5 مليار دولار وحيازة حكومية تقارب 60% من الكيان الجديد.

وأنهت الخزانة الأمريكية ملكيتها ببيع آخر حصتها في ديسمبر 2013، مسجلة خسارة صافية تُقدّر بنحو 10.5 مليارات دولار على الاستثمار، رغم أن الخروج مهّد لعودة الشركة إلى مسار أكثر استدامة.

وفي ذروة الأزمة بين 2008 و2012، التزمت الخزانة والاحتياطي الفدرالي بحزمة إنقاذ بلغت نحو 182.3 مليار دولار، مقابل حيازة حكومية وصلت إلى 79.9% من أسهم شركة AIG التكنولوجية وفق مراجعة بقش. وبنهاية التفكيك والبيع، أعلنت الحكومة استرداد كامل الأموال مع ربح يُقدّر بنحو 22.7 مليار دولار، رغم الجدل حول مزايا ضريبية ساعدت على تحقيق الحصيلة النهائية.

وبالعودة إلى اليوم، وعقب الأنباء المتصلة بالترتيب الحكومي وحيازة قرابة 10% من الأسهم، تراجع سهم “إنتل” بنحو 0.6% في جلسة الإعلان، في إشارة إلى حذر المستثمرين حيال جدوى التدخل وتبعاته على الحوكمة والربحية.

وبصرف النظر عن “إنتل”، أعلنت وزارة التجارة منحاً قدرها نحو 32.5 مليار دولار وقروضاً تصل إلى 5.85 مليارات حتى الآن عبر قانون الرقائق، موزّعة على عشرات المشروعات في سلاسل الإمداد، كما تشير بيانات القطاع إلى إعلانات استثمار خاصة تتجاوز نصف تريليون دولار منذ إقرار القانون، ما يعني أن السياسة الصناعية تدفع موجة بناء مصانع وتوظيف ورأس مال جديد على امتداد الولايات.

مع أن واشنطن تؤكد اعتبارات الأمن القومي وسلاسل الإمداد، فإن ملكية حكومية مباشرة بنحو 9.9% في شركة مدرجة تُبقي علامات استفهام حول اتساق الاستراتيجية وطول أمدها، واحتمال انتقال النموذج إلى شركات أخرى.

هذا الجدل، يتراوح بين من يراه دعماً صلباً يعزز الثقة، ومن يحذّر من انزلاق نحو رأسمالية موجّهة وقدر أكبر من التسييس في قرارات السوق.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي المستخدم،

نرجو تعطيل حاجب الإعلانات لموقع بقش لدعم استمرار تقديم المحتوى المجاني وتطويره. شكرًا لتفهمك!

فريق بقش