
الاقتصاد العالمي | بقش
مع ختام عام 2025، يمر النظام التجاري العالمي بأحد أكثر الأعوام تحوّلاً خلال قرن، ويبدو أن 2026 سيكون امتداداً لهذه الاضطرابات، مع وجود مخاطر إضافية تهدد استقرار ونمو التجارة العالمية، ويأتي ذلك وسط تصاعد السياسات الحمائية وإعادة تشكيل سلاسل الإمداد، وهشاشة الاتفاقيات التجارية الكبرى.
تحليل اطلعت عليه “بقش” من وكالة بلومبيرغ يشير إلى أن السياسة بدأت تتفوق على قواعد السوق، ما قد يزيد من اضطرابات العام المقبل، ورغم استمرار التجارة السلعية العالمية بشكل نسبي خلال 2025، تكشف البيانات الخفية عن اختلالات كبيرة.
فوفق بيانات النقل البحري التي استشهد بها خبير الشحن جون ماكاون، ارتفعت كميات الحاويات عالمياً بنسبة 2.1% في أكتوبر مقارنة بالعام السابق، ما يعكس مرونة سطحية في التجارة الدولية. لكن هذه الصورة تخفي تباينات كبيرة، فالولايات المتحدة سجلت انكماشاً بنسبة 8% في الواردات، في حين شهدت أفريقيا والشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية والهند نمواً قوياً.
وأشار ماكاون إلى أن “سلاسل الإمداد العالمية بدأت فعلياً بالتكيف وإعادة تشكيل أنماط التجارة”، محذراً من أن تصاعد الرسوم خلال 2025 قد يجعل 2026 “عام تداعيات الرسوم”، حيث تنتقل آثارها من الأرقام إلى البنية الفعلية للتجارة.
محطات مهمة في 2026
تشمل أبرز المحطات مراجعة اتفاقية “أمريكا الشمالية للتجارة الحرة” بين الولايات المتحدة وكندا والمكسيك، التي دخلت حيز التنفيذ عام 2020.
ووفق بلومبيرغ، قال الممثل التجاري الأمريكي جيمسون غرير إن المراجعة “تأخذ الدول الثلاث إلى أراضٍ جديدة”، بعد تلقي أكثر من 1500 مداخلة خلال فترة التعليقات العامة، وأضاف أن غالبية المشاركين طالبوا بتحسين الاتفاق، مع تحذير من أن أي تعديل قد يؤثر سلباً على طرف آخر، في ظل معاناة بعض الصناعات الكندية والمكسيكية من الرسوم الأمريكية.
وتتصاعد التوترات مع كندا بعد أن أنهت واشنطن محادثات تجارية معها في أكتوبر رداً على حملات إعلامية كندية مناهضة للرسوم.
وحول سلاسل الإمداد، يتوقع خبراء الشحن العودة التدريجية للسفن إلى البحر الأحمر وقناة السويس بعد تراجع هجمات الحوثيين، مما قد يؤدي إلى “إغراق السوق بطاقة شحن إضافية” و”ازدحام هائل في الموانئ الأوروبية”.
وقد يطلق أي تسارع في الاقتصاد الأمريكي موجة إعادة تخزين للمخزونات تتجاوز قدرة قطاع الشحن على الاستيعاب، ما يعيد سيناريوهات الاختناق اللوجستي كما حدث أثناء جائحة كورونا.
صفقات هشة
بلومبيرغ حذرت أيضاً من أن كثيراً من الصفقات التجارية التي أُعلنت خلال 2025 ليست اتفاقيات ملزمة بالمعنى التقليدي، بل تفاهمات سياسية بلا آليات إنفاذ واضحة، فالهدنة التجارية مع الصين محددة بعام واحد، مما يترك أكبر علاقة تجارية في العالم غير متوازنة، مع ضغوط صينية على دول مثل ماليزيا وكمبوديا بسبب اتفاقات مع واشنطن، وتعثر مفاوضات مع الاتحاد الأوروبي والهند، وسط تهديدات أمريكية بالرد على “تنظيم مفرط” للتكنولوجيا الأمريكية.
ويزداد الغموض مع ترقب قرار المحكمة العليا الأمريكية بشأن قانونية الرسوم المتبادلة التي فرضها ترامب، وفي حال خسرت الإدارة القضية، قد يُطرح موضوع إعادة مليارات الدولارات من الرسوم للمستوردين، رغم أن المسؤولين يشككون في إمكانية التنفيذ عملياً.
وحسب كيفن هاسيت، مدير المجلس الاقتصادي الوطني، فإن تنفيذ عمليات رد واسعة “غير مرجح إدارياً”، بينما تُقدر أسواق المراهنات احتمال خسارة ترامب بالقضية بنحو 75%، ما يعني أن الإدارة قد تلجأ لأدوات أخرى لفرض الرسوم.
وأمام هذه التطورات، يبدو أن عام 2026 ليس عاماً للتهدئة، بل امتداد لإعادة رسم التجارة العالمية، في بيئة تتآكل فيها القواعد التقليدية، وتتقدم فيها السياسة على منطق السوق، مع استمرار الضغوط على سلاسل الإمداد وظهور صفقات تجارية بلا ضمانات.


