
خلال الأيام القليلة الماضية تصاعدت أزمة “الوقود الملوث” في مناطق حكومة صنعاء، مما تسبب في تآكل المحركات وزيادة استهلاك الوقود بشكل بالغ، وارتفاع انبعاث العوادم، وحدوث أعطال كبيرة في سيارات المواطنين، وهو ما طرح الكثير من التساؤلات حول أسباب وجود كميات ملوثة من الوقود دون فحص ورقابة رسمية.
وأجرى مرصد “بقش” مقابلات مع عدد من المواطنين، الذين أكدوا تكبُّدهم خسائر بمئات الآلاف من الريالات لإصلاح سياراتهم التي واجهت أعطالاً جسيمة، فضلاً عن اضطرار الكثير إلى تعبئة المزيد من الوقود الذي ينفد بسرعة غريبة.
“تسمُّم” السيارات
المواطن محمد العماري، في حديثه لـ”بقش” وصف سيارته بأنها تعرّضت لما يشبه “التسمُّم”. وقال: “سيارتي تسمّمت ببترول مغشوش قمت بتعبئته من إحدى المحطات التابعة لشركة النفط اليمنية”.
وأضاف: “لا نعلم كيف سُمح بتوزيع وبيع مثل هذا البترول الذي يعطل السيارات، ويضطرنا لصرف الكثير من الأموال في شهر رمضان ونحن بحاجة إلى المال مع قرب العيد ومصاريفه إضافة إلى مصاريف الشهر الكريم”، مشيراً إلى أنه دفع ما لا يقل عن 200 ألف ريال كخسائر نتيجة تعطُّل سيارته.
ورأى العماري أن ذلك “استهتار بالمواطنين، فالبترول فاقد للجودة والسيارات معرضة للأعطال، وهناك من هو قادر على إصلاحها، وهناك من لا يستطيع إصلاح سيارته وأوقفها بسبب هذه المشكلة”.
وتحدث المواطن “عبدالله كهلان”، وهو سائق في خط صنعاء – الحديدة، عن أنه استهلك أكثر من دبة ونصف من البنزين من صنعاء إلى الحديدة، بسبب فساد الوقود الذي لم يكن يعلم به، وأكد أنه عادةً لا يستهلك سوى دبة (20 لتراً) مؤكداً أنه اضطر لفحص السيارة هو الآخر وإجراء الإصلاحات لها.
وأكد المهندس الكهربائي “أحمد الشميري” في صنعاء لـ”بقش” أنه استقبل خلال رمضان قرابة 30 سيارة لإصلاحها، وأن هناك مشكلات كبيرة حدثت للسيارات بسبب الوقود الفاسد بما في ذلك مشكلة تعطل “البمب” (مضخة الوقود). مشيراً إلى أنه لم يتمكن من مجاراة الطلب الكبير والمتسارع على إصلاح السيارات نتيجة لتكاثر السيارات المعطلة.
وفي محافظة إب أفادت مصادر “بقش” بأن هناك العديد من سيارات الهيلوكس معطلة عن العمل بشكل كامل في عدد من المناطق منها مديريتي العدين والسدة، فيما هناك البعض الآخر منها لا تزال تعمل لكن بدأت علامات الخلل تظهر عليها بشكل كبير، مما يمهد لتعطلها أيضاً.
حماية المستهلك: شحنة مغشوشة هي السبب
جمعية حماية المستهلك ذكرت، السبت، أنها خاطبت وزير النفط والمعادن بحكومة صنعاء بشكل رسمي، مشيرةً إلى “شحنة بترول مشتبه في غشّها” تسببت وفقاً للعديد من الشكاوى في أعطال كبيرة لوسائل النقل، مطالبةً بتحقيق فوري بخصوص ذلك.
ودعت الجمعية إلى “تعويض المتضررين ومعالجة الأضرار التي لحقت بهم بشكل عادل”، و”تشكيل لجنة فنية محايدة لفحص عينات من البترول المستخدم لدى المتضررين وعينات من الشحنة المشبوهة”، و”التحقيق في إجراءات دخول الشحنة إلى السوق المحلية، والتأكد من سلامة التراخيص والفحوصات المخبرية التي خضعت لها قبل توزيعها”.
كما طالبت بمراجعة أداء محطات التوزيع وتعزيز آليات الرقابة على جودة المشتقات النفطية، واتخاذ الإجراءات القانونية بحق الأطراف المسؤولة في حال ثبت وجود غش أو تقصير في ضمان الجودة.
شركة النفط ترد
يتساءل المواطنون حول كيفية وجود كميات من الوقود المغشوش، متهمين من وصفوهم بـ”عديمي الضمير” من النافذين بإحداث هذه الأزمة، في حين تساءل آخرون عن دور الجهات المعنية مثل شركة النفط اليمنية والهيئة اليمنية للمواصفات والمقاييس وضبط الجودة.
هيئة المواصفات لم تصدر أي بيان أو تصريح حتى لحظة كتابة هذا التقرير، رغم مطالبات المواطنين بالتوضيح للناس حول توفر وقود غير مطابق للمواصفات. كما يطالبون بإيضاح ما إذا كان البنزين الملوث موجوداً في محطات معينة أم في كافة المحطات، نظراً لحجم انتشار البنزين الملوث بشكل كبير على مستوى المحافظات.
من جهتها أصدرت شركة النفط اليمنية توضيحاً صحفياً حصل “بقش” على نسخة منه، قالت فيه إنها تلقت عدداً من بلاغات المواطنين في الأمانة وبعض المحافظات عن حدوث “بعض الأعطال الفنية في سياراتهم ودراجاتهم النارية نتيجة تعبئة كميات من مادة البنزين من بعض المحطات البترولية”.
أفادت شركة النفط، ظهر السبت 22 مارس، بأنها سارعت بتكليف لجان فنية ميدانية للنزول إلى عدد من المحطات لفحص المواد الموجودة فيها، والعمل على دراسة نوعية تلك السيارات التي حدثت فيها بعض الأعطال الفنية لمعرفة الأسباب الحقيقية التي أدت إلى ذلك.
وقالت إنها اتخذت إجراءات احترازية لتعزيز أعمال الرقابة لضمان مواجهة أي احتمالات لهذه المشكلة إلى حين الانتهاء من أعمال اللجان المختصة “لتشخيص الخلل إن وُجد” وعمل الحلول اللازمة لذلك.
ووفقاً للبيان ستقوم الشركة بموافاة المواطنين بالنتائج والمستجدات عندما تجهز، وذكرت أن سلامة المشتقات النفطية وجودتها هي أولوية قصوى، وأنها حريصة على توفير مواد مطابقة للمواصفات اليمنية لتلبية احتياجات كافة المواطنين.
هذا ولم تتطرق الشركة إلى أية إرشادات يمكن تقديمها للمواطنين لتفادي الوقوع في مشكلة تعبئة الوقود الملوث، كما لم يتم توضيح كيف تم إدخال وتوزيع مثل هذا البنزين في السوق، أو الإشارة إلى دخول “شحنة” من الوقود المغشوش كما قالت جمعية حماية المستهلك، أو التطرق إلى المسؤولين عن ذلك.
وفي حين حمّل مواطنون شركة النفط والمحطات أيضاً مسؤولية ما حدث، رأى آخرون أن المحطات لا تتحمل المسؤولية لكونها لا تبيع إلا مواد شركة النفط ولا تُدخل أي وقود من شركة أخرى غير الشركة. وخلال ذلك، لم يتم التأكيد أو النفي الرسمي حول دخول شحنة وقود تالفة جديدة.