
متابعات محلية | بقش
تشهد مدينة عدن أزمة متفاقمة في مادة الدقيق، بعد أن توقفت عدة أفران عن العمل خلال اليومين الماضيين بسبب عدم تمكنها من الحصول على كميات كافية لتغطية احتياجاتها اليومية، وفقاً لما نشرته صحيفة “عدن الغد”، نقلاً عن ملاك وأصحاب عدد من الأفران.
وبحسب الصحيفة فالمشكلة لا تتعلق بارتفاع الأسعار حالياً، بل بندرة توفر المادة الأساسية في السوق، بينما المخزون المتبقي لدى التجار يتراجع بشكل مقلق، ما ينذر بأزمة أوسع إذا لم يتم التدخل سريعاً.
مصادر اقتصادية أوضحت، بحسب اطلاع بقش، أن الشركات الكبرى المستوردة تواجه صعوبات متزايدة في إدخال شحنات جديدة من القمح والدقيق، نتيجة عدم توفر السيولة الأجنبية الكافية لتمويل عمليات الاستيراد، الأمر الذي أدى إلى تقليص الكميات الواصلة إلى الموانئ في عدن.
ويخشى المواطنون أن ينعكس هذا النقص مباشرة على حياتهم اليومية، باعتبار الخبز المادة الأساسية في غذائهم، خصوصاً للأسر محدودة الدخل. وطالب الأهالي السلطات المحلية والحكومة والبنك المركزي بالتحرك العاجل لمعالجة مشكلة الاستيراد وضمان تدفق المواد الأساسية إلى الأسواق قبل أن تتحول الأزمة إلى كارثة إنسانية تمس الجميع.
هشاشة منظومة الاستيراد
تكشف أزمة الدقيق الأخيرة عن هشاشة البنية الاقتصادية التي يعتمد عليها السوق في عدن، إذ يظهر بوضوح أن أي تعثر في توفير العملة الأجنبية ينعكس فوراً على توفر السلع الأساسية. هذا الاعتماد شبه الكامل على الاستيراد دون وجود مخزون استراتيجي أو بدائل محلية يضاعف من مخاطر الأزمات، ويجعل حياة الملايين رهينة لتقلبات السيولة وأسعار الصرف.
تأتي هذه التطورات بمثابة اختبار مبكر للجنة الوطنية لتنظيم وتمويل الاستيراد، التي أُنشئت بهدف ضبط السوق وتأمين تدفق المواد الأساسية. غير أن الأزمة أظهرت أن اللجنة تواجه تحديات هيكلية منذ اللحظة الأولى، إذ لم تتمكن حتى الآن من تأمين التدفقات النقدية الكافية لتغطية احتياجات المستوردين، ما يثير تساؤلات حول مدى جاهزيتها وقدرتها على إدارة ملفات بهذا الحجم.
بينما تروج السلطات للجنة الجديدة باعتبارها أداة لضبط السوق وحماية المستهلك، فإن الواقع الحالي يعكس فجوة كبيرة بين الأهداف المعلنة والنتائج على الأرض. فغياب آليات واضحة لتوفير السيولة ومراقبة المخزون يجعل التدخلات أقرب إلى حلول ترقيعية مؤقتة، وليست معالجة جذرية تضمن استقراراً طويل الأمد في إمدادات القمح والدقيق.
الأزمة لا تهدد فقط بتوقف الأفران وارتفاع أسعار الخبز، بل تمثل أيضاً تحدياً مباشراً لثقة المواطنين والمستثمرين في جدوى اللجنة وسياساتها. فإذا فشلت اللجنة في تجاوز هذا الاختبار الأول، قد تتآكل الثقة بها سريعاً، ما يعقد أي محاولات لاحقة لضبط الأسواق، ويترك الباب مفتوحاً أمام المضاربة والاحتكار لتفاقم الوضع الاقتصادي والمعيشي في عدن.