بين الشعارات والقرارات الصعبة.. رئيس وزراء حكومة عدن يستعرض تحديات الإصلاح الاقتصادي

الاقتصاد اليمني | بقش
في حوار مع صحيفة الشرق الأوسط، قال رئيس وزراء حكومة عدن المتواجد حالياً في الرياض، إن الحكومة تواجه تحديات اقتصادية وسياسية، وإن العملة لا تتحسن بالشعارات بل بالقرارات الصعبة والانضباط المالي. وفي الحوار الذي اطلع عليه “بقش”، جاء أن تحسن سعر الصرف لم يكن مصادفة بل نتيجة لتكامل السياسات المالية والنقدية بين الحكومة وبنك عدن المركزي.
وشملت الخطوات التي أدت إلى كبح المضاربة وضبط السوق، تشكيل لجنة تنظيم وتمويل الاستيراد، وحظر التعامل بالعملات الأجنبية داخلياً، وترشيد الإنفاق العام وتعزيز الإيرادات، وإعداد الموازنة العامة لعام 2026 للمرة الأولى منذ سنوات.
قال سالم بن بريك إن هذه الإجراءات قادت إلى تراجع الطلب على العملة الأجنبية، مع إقراره بغياب الإيرادات الأساسية. واعتبر أن التحدي الأبرز أمام الحكومة هو استعادة ثقة المواطن بالحكومة، حيث يريد المواطن أن يرى نتائج ملموسة: خدمات تتحسن، وعملة تستقر.
ويوضح الحوار أن الحكومة تسعى للخرج من مربع إدارة الأزمة إلى مربع صناعة الحلول، والتركيز على إصلاحات هيكلية جذرية، وتخفيف الاعتماد على النفط، واستقطاب دعم خارجي يعزز مناعة الاقتصاد.
الدعم السعودي ومسار السلام
أولى بن بريك مساحة للإشارة إلى أثر الحزمة التمويلية السعودية الأخيرة (368 مليون دولار)، معتبراً إياها رسالة طمأنة وثقة لليمنيين وللمجتمع الدولي، ورأى أن الدعم السعودي يتجاوز البُعد الاقتصادي ليشكّل امتداداً لمسار استراتيجي يربط أمن اليمن بالأمن القومي للمملكة والمنطقة، كما دعا بقية الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم الدعم، وحذّر من أن بقاء الدعم محدوداً سيجعل الإصلاحات هشّة وقابلة للانتكاس.
كما ألمح إلى أن الدعم السعودي لم يكن ليُقدَّم لولا انخفاض سعر الصرف الأخير، وقال إن هذا الإسناد جاء متسقاً مع تحسّن المؤشرات خلال الأسابيع الأخيرة ومنها انخفاض التضخم، وتراجع الطلب على العملات الأجنبية، وتحسّن سعر الصرف، مشيراً إلى أن الحزمة السعودية تساعد الحكومة على الإيفاء بجزء من الالتزامات.
وذكر أن التنسيق مع المملكة ممتاز، مع خطط حكومية للوصول به إلى مستويات أعمق، بما يعزز الشراكات السياسية والاقتصادية والتنموية. كما أضاف: “وضعنا في اليمن لم يعد مجرد أزمة محلية، بل أصبح جزءاً من معادلة الأمن الدولي، من البحر الأحمر إلى خطوط الملاحة العالمية”.
وتفيد مصادر حكومية بأن بن بريك يرفض العودة إلى عدن قبل الحصول على ضمانات من الرباعية الدولية (السعودية، الإمارات، الولايات المتحدة، بريطانيا) بأن جميع الأطراف ستلتزم بالتوريد الكامل للإيرادات دون استثناءات، ويرى أن أي تراجع عن هذا الالتزام سيعني فشل حكومته بالكامل، في حين لا توجد إيرادات كافية لتمويل اعتمادات الاستيراد أو مواجهة التزامات الحكومة تجاه الدائنين والمانحين، مع الفشل في إلزام أكثر من 147 جهة حكومية ومؤسسية بتوريد إيراداتها إلى بنك عدن المركزي.
ووفق متابعات بقش، أدى الدعم السعودي إلى تهدئة الصراع المشتعل داخل المجلس الرئاسي، على إثر القرارات الصادرة عن رئيس المجلس الانتقالي عيدروس الزبيدي، التي تسببت بأزمة كبيرة وإرباك لجهود المؤسسات العامة التي تنفذ برنامج الإصلاحات الاقتصادية.
واعتُبر الدعم السعودي مجرد مسكن للأزمات الاقتصادية والسياسية، لتمكين الحكومة من سداد رواتب الموظفين المتراكمة لأكثر من ثلاثة أشهر، بينما يرى اقتصاديون أن الأزمة تحتاج إلى مضي الحكومة في مواجهة الفساد الحكومي الممنهج وإعداد الموازنة العامة للدولة والعمل بموجبها ابتداء من العام القادم، ووضع حد لصراع النفوذ على الثروة والمناصب والتعيينات.
وحول مسار السلام، قال بن بريك إن السلام خيار استراتيجي للحكومة، لكنه ربطه بوجود شريك جاد، متهماً الحوثيين بعرقلة أي تسوية سياسية. وبنفس الوقت رحّب بقرار التصنيف الأمريكي للحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية، الذي يُنظر إليه على أنه عامل من عوامل عرقلة المسار السياسي والتفاوضي.
وطالب بن بريك المبعوث الأممي إلى اليمن، هانس غروندبرغ، بمزيد من الصراحة والوضوح في تسمية معرقلي العملية السياسية دون مواربة.
وفي رؤية بن بريك، يرتبط نجاح حكومته بتوفير الغطاء السياسي من المجلس الرئاسي، والحصول على صلاحيات كاملة ودعم يحد من التدخلات والعراقيل.
وتبدو تصريحات رئيس الوزراء بمثابة محاولة لإعادة تعريف دور الحكومة في مرحلة دقيقة، حيث تلتقي التحديات الاقتصادية المعيشية مع تعقيدات المشهد السياسي والأمني، ونجاح هذا المسار مرهون بقدرة الحكومة على تحويل الدعم الخارجي إلى نتائج ملموسة داخلياً.
مضاربات بدعم المجلس الانتقالي
يرى خبراء اقتصاد أن السياسات الأخيرة أدت إلى ضبط الاستيراد وفاتورته، حيث كان يتم تمويل الواردات وإجراء التحويلات وفتح الاعتمادات من دون المرور عن طريق لجنة منظمة، لكن أزمة السيولة ما زالت تفرض نفسها. وتشير أرقام رسمية اطلع عليها بقش لدى بنك عدن المركزي إلى أن أن النقد المتداول بلغ 3 تريليونات و400 مليار ريال حتى نهاية مارس 2025، وهذه الكتلة الكبيرة من السيولة ليست في الجهاز المصرفي بل محتجزة لدى كبرى شبكات الصرافة والمضاربين.
ويقول الاقتصادي فارس النجار، إن الطلب على العملة الأجنبية يجب أن يكون دائماً قابلاً للتتبع وليس مفتعلاً تخوضه قوى المضاربة، هذا يعني أن لا اعتمادات ولا تحويلات إلا تحت رقابة البنك المركزي، ولا استيراد إلا بإشراف لجنة الاستيراد، مع حصرية المصارفة بشكل رسمي عبر اللجنة، وإلزام التجار الإيداع بالريال، وأي التفاف سواء عبر الصرافين أو حسابات وسيطة أو فواتير مزوّرة يجب أن يُعامل بوصفه جريمة اقتصادية ويتم بموجبها سحب تراخيصهم وتحويلهم إلى النيابة.
وتواجه جهود بنك عدن المركزي بإجراءات مضادة من قبل قوى وشبكات المضاربة، وتستند هذه الشبكات إلى قوى نافذة محسوبة على المجلس الانتقالي.
ووفقاً للخبير الاقتصادي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد بجامعة تعز، فإن ما أقدم عليه المجلس الانتقالي بتعيين قيادات إدارية في مواقع مختلفة من خارج مؤسسات الدولة، يُعد تجاوزاً لصلاحياته والأنظمة والقوانين سارية المفعول، وسيترتب عليه العديد من الآثار السلبية، كالدخول في صراعات جديدة على السلطة والثروة في إطار مكونات الشرعية، إضافة إلى محاولة عرقلة برنامج الإصلاحات، واستمرار التدهور الاقتصادي.
تصريحات رئيس وزراء حكومة عدن تكشف عن إدراك بأن الاستقرار النقدي والمالي في اليمن لا يمكن أن يتحقق عبر حلول مؤقتة أو دعم خارجي ظرفي وفق قراءة بقش، بل من خلال إصلاحات هيكلية جذرية تعيد للدولة دورها في إدارة الموارد وتعزيز الشفافية والانضباط المالي.
وفي حين منحت الحزمة السعودية الأخيرة دفعة ثقة للأسواق ورسخت استقراراً نسبياً، فإن استدامة هذا المسار تظل رهينة بقدرة الحكومة على تنويع مصادر الإيرادات، وتفعيل القطاعات الإنتاجية غير النفطية، وتحويل الدعم الخارجي إلى مشاريع تنموية ملموسة.