بين غلاء المعيشة وجنون العقارات وتأخر الرواتب.. لماذا ترتفع الأسعار في عدن رغم انخفاض الصرف؟

الاقتصاد اليمني | بقش
مشهد اقتصادي متناقض يتضح في عدن، بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية بشكل متواصل من جهة، وبقاء سوق العقارات من بين الأغلى في العالم من جهة أخرى، وهو ما يعكس أزمة معيشية خانقة تتفاقم يوماً بعد آخر.
فعلى الرغم من التحسن النسبي الذي طرأ مؤخراً على سعر صرف العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، إلا أن هذا لم ينعكس فعلياً على الأسواق، حيث ظل الغلاء مسيطراً على المواد الغذائية والسلع الأساسية، فيما واصل سوق العقارات صعوده غير المبرر، وهو ما يعكس خللاً عميقاً في الدورة الاقتصادية بمناطق حكومة عدن، ويطرح تساؤلات حول غياب دور الجهات الحكومية في ضبط السوق وحماية المواطنين.
خلال الأيام القليلة الماضية، شكا مواطنون في عدن من عودة أسعار المواد الغذائية الأساسية إلى الارتفاع مجدداً، حيث قفزت أسعار الخبز والأرز والسكر منذ مطلع هذا الأسبوع، وقال مواطنون لـ”بقش” إن هذه الزيادات انعكست بشكل مباشر على حياتهم اليومية، وأجبرت الكثير من الأسر على تقليص كميات الطعام أو استبدالها بأصناف أقل تكلفة.
وحسب بعض التجار، فإن هذه الموجة من الغلاء تعود إلى ارتفاع تكاليف النقل وأسعار المحروقات وفق اطلاع بقش، إضافة إلى التذبذب في قيمة العملة المحلية. وعبّر ناشطون عن استيائهم من غياب الرقابة الحكومية، مطالبين السلطات بالتدخل السريع للحد من تفاقم الأزمة، التي تهدد بمزيد من التدهور في الوضع الإنساني والمعيشي.
أزمة تضخم عقارات
ومن جانب آخر لا يقل غرابة، أشار وسطاء عقاريون إلى أن أسعار المتر المربع في بعض أحياء عدن، مثل المعلا وصيرة وخور مكسر، وصلت إلى مستويات تفوق مدناً عربية كبرى، رغم ضعف البنية التحتية والخدمات الأساسية في عدن.
ويُرجع الخبراء هذا الارتفاع المبالغ فيه إلى ندرة الأراضي الصالحة للبناء، وارتفاع تكاليف الاستيراد والنقل ومواد البناء، إضافة إلى رهانات بعض المستثمرين على تحسن الأوضاع الأمنية والسياسية مستقبلاً، ما رفع الطلب بشكل مصطنع.
المواطنون أكدوا أن هذا التضخم في أسعار العقارات انعكس مباشرة على الإيجارات، التي باتت تستنزف معظم دخل الأسر، لتضاف أزمة السكن إلى قائمة الأعباء المعيشية التي ترهق ذوي الدخل المحدود.
وقد يدفع استمرار غياب الرقابة الحكومية على سوق العقارات، إلى ارتفاع الأسعار أكثر، وهو ما يزيد الفجوة بين القدرة الشرائية للمواطنين وحجم الاستثمارات العقارية في عدن.
وأمام هذا الواقع، يجد سكان عدن أنفسهم بين مطرقة الغلاء الغذائي وسندان أزمة العقارات، في الوقت الذي تغيب فيه الحلول العملية والرقابية الواضحة، وبينما تتحسن مؤشرات سعر الصرف نظرياً، يظل الأثر الحقيقي غائباً عن حياة الناس، لتتعمق الفجوة بين القدرة الشرائية للمواطنين وبين الواقع الاقتصادي المتقلب للمدينة.
تأخر صرف الرواتب: أزمة الأزمات
وفي عدن ومناطق الحكومة تبرز مشكلة تأخر صرف الرواتب باعتبارها أزمة الأزمات، فأمام ارتفاع الأسعار التي لم تتأثر بالشكل المطلوب مع تحسن الصرف، لا يزال المواطنون والموظفون يعانون من انخفاض القدرة الشرائية وسط تأخر صرف الرواتب لأشهر.
فالمعلمون والموظفون في المؤسسات الحكومية بمناطق حكومة عدن، يعانون من تأخر صرف الرواتب للشهر الثالث على التوالي، حيث تشير معلومات مرصد بقش إلى أن الموظفين والمعلمين لم يتسلموا حتى الآن رواتب يوليو وأغسطس وسبتمبر 2025، بينما تتأخر وزارة المالية في عدن في إصدار التعزيزات المالية إلى بنك عدن المركزي.
وتدور التحليلات حالياً حول أن تأخر صرف الرواتب ناجم إما عن العجز المالي أو عن العجز النقدي. ووفقاً للمحلل الاقتصادي وفيق صالح، يأتي العجز المالي نتيجة تراجع الإيرادات الحكومية وتزايد الفجوة بين إجمالي تحصيل الإيراد الحكومي وبين النفقات، وتظهر تداعيات العجز المالي بعدم قدرة الحكومة على الإيفاء بالتزاماتها من مصادر حقيقية، مثل الإنفاق على الخدمات الأساسية وصرف رواتب الموظفين.
ويرتبط العجز المالي بالميزانية العامة للدولة وتلجأ الحكومة لتغطيته من الاقتراض الداخلي أو الخارجي أو إصدار سندات أذون الخزانة قصيرة الأجل أو طويلة الأجل.
وفي المقابل، ينشأ العجز النقدي من انخفاض رصيد الحكومة في البنك المركزي، وعوامل أخرى تتعلق بقصور السياسة النقدية للبنك المركزي، وعدم قدرته على ضخ السيولة الكافية، مما يسبب أزمة في السيولة لدى البنوك التجارية والمؤسسات المالية.
ويشير صالح إلى أن تأخر صرف المرتبات وتدني الإنفاق على الخدمات الأساسية، يرتبط بدرجة عالية بعجز مالية الدولة، وعدم حدوث التوازن المالي للموازنة العامة، الذي يعد من صميم مهام الحكومة، ما يؤدي غالباً إلى تفاقم العجز النقدي، فمع عدم قدرة الحكومة على تأمين الإيرادات الكافية، تزداد الضغوط على البنك المركزي لتمويل العجز، وقد يلجأ إلى مصادر تضخمية والسحب على المكشوف كما حدث خلال السنوات الفائتة، ما ينجم عنه زيادة معدلات التضخم وتدهور القوة الشرائية للعملة المحلية.
ويقول إن بنك عدن المركزي يريد حالياً دفع رواتب الموظفين من مصادر حقيقية دون اللجوء إلى أدوات تضخمية تفاقم من تدهور القيمة الشرائية للعملة وتضاعف من منسوب التضخم، وهذا ما يفسر تأخر صرف رواتب الموظفين لقرابة ثلاثة أشهر، حد قوله.
في الوقت نفسه يطالب المواطنون حكومة عدن بحلول لمشاكل العجز المالي والاختلالات في المالية العامة، وتلافي تعقيد الأوضاع بشكل أكبر، وتفعيل الرقابة على الأسواق ومتابعة الأسعار أولاً بأول والحد من ممارسات الاستغلال التي تزيد من أعباء المواطنين.