الاقتصاد العالمي
أخر الأخبار

تأشيرة العمل الأمريكية بين الرسوم الجديدة والهجرة العكسية: من المستفيد ومن المتضرر؟

الاقتصاد العالمي | بقش

لا يزال الجدل محتدماً داخل الولايات المتحدة وخارجها عقب قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المفاجئ بفرض رسوم قدرها 100 ألف دولار على تأشيرات العمل المعروفة باسم “إتش-1 بي”، وهي التأشيرة التي سمحت على مدى أكثر من ثلاثة عقود للشركات الأمريكية بجذب عمال أجانب ذوي مهارات عالية لشغل وظائف متخصصة مؤقتاً، عندما لا تتوفر الكفاءات المطلوبة في السوق المحلي.

هذا القرار، الذي طُرح لأول مرة في عام 1990 كأداة لتقوية تنافسية الشركات الأمريكية في مجالات التكنولوجيا والبحث والتطوير، أصبح اليوم محوراً لخلافات واسعة تشمل سوق العمل، والاقتصاد، والتعليم، والهجرة، والعلاقات الخارجية.

ورغم تأكيد الإدارة الأمريكية أن الرسوم الجديدة لن تُطبّق بأثر رجعي على حاملي التأشيرات الحالية أو الراغبين في تجديدها، فإن أجواء القلق والترقب تسيطر على الشركات المعتمدة على العمالة الأجنبية، وعلى آلاف العاملين داخل الولايات المتحدة وخارجها.

ويخشى كثيرون من أن يؤدي القرار إلى خلل في سوق العمل الأمريكية وتقليص قدرة الشركات على جذب الكفاءات العالمية.

يتباين الرأي العام والدوائر الاقتصادية والسياسية حول القرار، فبينما يرى البعض أنه يصب في مصلحة سوق العمل الأمريكية من خلال تشجيع الشركات على توظيف العمال المحليين والاستثمار في تدريبهم، يراه آخرون خطوة قد تُضعف القدرة التنافسية للولايات المتحدة عالمياً، وتدفع الشركات إلى نقل الوظائف إلى الخارج هرباً من التكاليف المرتفعة.

الهنود في الصدارة وحصة العرب محدودة

تشير البيانات الرسمية الصادرة عن وزارة الأمن الداخلي ودائرة الهجرة والجنسية الأمريكية إلى أن عدد حاملي تأشيرات العمل من نوع “إتش-1 بي” في الولايات المتحدة يبلغ حوالي 500 ألف شخص.

وخلال السنة المالية 2024 (من أكتوبر 2023 إلى سبتمبر 2024)، تصدرت الهند قائمة الدول من حيث عدد الحاصلين على هذه التأشيرة، إذ بلغ عددهم 283,755 شخصاً، أي ما يعادل 71% من إجمالي التأشيرات.

في المرتبة الثانية جاءت الصين بـ 46,722 شخصاً بنسبة 11.7%، تلتها الفلبين بـ 5,258 شخصاً، ثم كندا بـ 4,227 شخصاً. هذه الأرقام تعكس التركّز الشديد في جنسيات المستفيدين، خاصة في قطاع التكنولوجيا الذي يهيمن عليه مهندسون وخبراء هنود وصينيون.

أما الدول العربية، فبلغ إجمالي عدد مواطنيها الحاصلين على تأشيرات العمل الأمريكية 3,793 شخصاً خلال الفترة نفسها. وتتصدر مصر القائمة بـ 817 شخصاً، تليها السعودية بـ 811 شخصاً، ثم لبنان بـ 586، والإمارات بـ 460، والأردن بـ 448، والكويت بـ 196، والمغرب بـ 176، وسوريا بـ 148، والعراق بـ 120، وتونس بـ 85، وليبيا بـ 79، والبحرين بـ 69، والسودان بـ 65، والجزائر وقطر بـ 57 لكل منهما، واليمن بـ 26، وفلسطين بـ 21، والصومال بـ 12، وموريتانيا بـ 5، وأخيراً جيبوتي بـ 3 فقط.

التكنولوجيا تستحوذ على الحصة الأكبر

تُظهر بيانات التأشيرات أن المهن المرتبطة بالحاسوب استحوذت على النصيب الأكبر من وظائف حاملي تأشيرة العمل خلال السنة المالية 2024. فقد تم إصدار 399,395 تأشيرة عمل إجمالاً، منها 255,250 تأشيرة في مجال علوم الحاسوب، أي ما يعادل 64% من الإجمالي.

في المرتبة الثانية جاءت التخصصات الهندسية بـ 40,669 تأشيرة بنسبة 10%، تليها التخصصات التعليمية بـ 23,778 تأشيرة بنسبة 6%. ثم جاءت التخصصات الإدارية بـ 21,669 تأشيرة بنسبة 5%، والطب والصحة بـ 16,937 تأشيرة بنسبة 4%، والرياضيات والعلوم الفيزيائية بـ 11,246 تأشيرة بنسبة 3%، وعلوم الحياة بـ 7,393 تأشيرة بنسبة 2.5%، والإدارة والوظائف التدبيرية بـ 6,622 تأشيرة بنسبة 2%، والمهن الفنية والإدارية بـ 4,899 تأشيرة بنسبة 1%، والعلوم الاجتماعية بـ 3,385 تأشيرة.

أما العلوم القانونية فقد حصلت على 1,819 تأشيرة، والفنون على 1,743 تأشيرة، وتخصص المتاحف والمكتبات والأرشيف على 397 تأشيرة. وتوزعت باقي التأشيرات على مجالات الكتابة والترفيه والرياضة والدين والمبيعات والتسويق.

وتُعد شركات التكنولوجيا الأمريكية الكبرى المستفيد الأكبر من برنامج تأشيرات العمل. فقد جاءت شركة أمازون في المرتبة الأولى بتوظيف 10,044 شخصاً من حاملي تأشيرة العمل، تلتها شركة تاتا للاستشارات بـ 5,505 أشخاص، ثم مايكروسوفت بـ 5,189، وميتا (الشركة الأم لفيسبوك) بـ 5,123، وآبل بـ 4,202، وغوغل بـ 4,181.

هذه الشركات تعتمد بشكل كبير على استقطاب مهندسين ومبرمجين وعلماء بيانات من الخارج لتلبية احتياجاتها التكنولوجية المتسارعة. أي تغيير في شروط التأشيرات، مثل فرض رسوم إضافية، يمكن أن ينعكس مباشرة على هيكل التكاليف لديها وعلى قدرتها التنافسية في مواجهة شركات آسيوية وأوروبية ناشئة.

تأثيرات اقتصادية وهجرة عكسية محتملة

تشير البيانات إلى أن أعلى متوسطات الرواتب بين حاملي تأشيرات العمل كانت في التخصصات القانونية، إذ يبلغ متوسط الدخل السنوي للمستفيدين الجدد 207 ألف دولار أمريكي، ولذوي الخبرة السابقة 230 ألف دولار.

في المرتبة الثانية تأتي الإدارة والوظائف التدبيرية بمتوسط دخل سنوي يبلغ 125 ألف دولار للمستفيدين الجدد، و162 ألف دولار لمن لديهم خبرة سابقة.

أما العاملون في مجالات تكنولوجيا المعلومات، وهم الفئة الأكبر عدداً، فيبلغ متوسط دخلهم السنوي 101 ألف دولار للمستفيدين الجدد، و135 ألف دولار لأصحاب الخبرة. للمقارنة، يبلغ متوسط دخل الأسر الأمريكية 83,730 دولاراً في عام 2024 وفق بيانات مكتب الإحصاء الأمريكي المنشورة في سبتمبر 2025.

يُنظر إلى قرار ترامب بفرض رسوم على تأشيرات العمل باعتباره جزءاً من حزمة سياسات اقتصادية وتشريعية تستهدف تقليص الاعتماد على الكفاءات الأجنبية. غير أن اقتصاديين حذروا من أن هذه السياسات قد تُسرّع من ظاهرة الهجرة العكسية للكفاءات، أي انتقال العقول الماهرة من الولايات المتحدة إلى دول أخرى.

فقد بدأت دول مثل كندا وألمانيا والصين في استقطاب هذه الفئات عبر برامج هجرة ميسّرة وبيئات تنظيمية أقل تعقيداً. ونقلت وكالة رويترز عن خريج هندسة حاسوب هندي في ولاية تكساس قوله: “سأنتقل إلى كندا أو أوروبا.. أي مكان يرحب بنا حقاً”.

وحذّر موقع “سي إن بي سي” الأمريكي من أن الولايات المتحدة قد تواجه هروباً كبيراً للمهندسين والأطباء والمبتكرين والباحثين، مما قد يُضعف قدرتها التنافسية في مجالات التكنولوجيا والبحث العلمي والصناعات المتقدمة، التي تُعد عصب الاقتصاد الأمريكي الحديث.

القرار الرئاسي الأخير يعكس تحولاً في النظرة الأمريكية للهجرة الاقتصادية. فبعد أكثر من 30 عاماً من اعتبار تأشيرة العمل من أبرز أدوات جذب العقول، باتت هذه السياسة اليوم أمام اختبار حقيقي. بين من يرى فيها وسيلة لحماية سوق العمل المحلي، ومن يحذّر من أنها قد تفقد الولايات المتحدة ميزتها كوجهة أولى للكفاءات العالمية.

في ظل هذه المعادلة المعقدة، تبقى نتائج القرار مرهونة بمدى قدرة الشركات الأمريكية على التكيف، وبمدى استعداد الدول الأخرى لملء الفراغ المحتمل في سوق الكفاءات الدولية.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي المستخدم،

نرجو تعطيل حاجب الإعلانات لموقع بقش لدعم استمرار تقديم المحتوى المجاني وتطويره. شكرًا لتفهمك!

فريق بقش