تأييد أوروبي ورفض أمريكي.. الخطة المصرية لإعادة إعمار غزة كحل أخير على طاولة الحرب

في أحدث المستجدات أعلنت كل من فرنسا و ألمانيا و إيطاليا و بريطانيا تأييدها الكامل للخطة المصرية الطموحة لإعادة إعمار قطاع غزة، التي تبلغ تكلفتها الإجمالية 53 مليار دولار، وذلك بعد 15 شهراً من حرب الإبادة الإسرائيلية التي ألحقت دماراً شاملاً بالبنية التحتية والإنسانية في القطاع.
الموافقة الأوروبية جاءت خلال بيان مشترك لوزراء خارجية الدول الأربع، وصفوا فيه الخطة بأنها “مسار واقعي” لتحسين الظروف المعيشية “الكارثية” لنحو 2.3 مليون فلسطيني يعيشون في غزة.
تفاصيل الخطة المصرية: ثلاث مراحل زمنية وضمانات ضد التهجير
أكد السفير تميم خلاف، المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية، أن الخطة التي أعدتها القاهرة بالتعاون مع جهات دولية، تستند إلى بيانات من البنك الدولي والأمم المتحدة، وتستهدف ثلاث مراحل متتالية تبدأ من عام 2025 وتستمر حتى عام 2030 وفق متابعات بقش.
وتبدأ مرحلة التعافي المبكر على مدى ستة أشهر بتكلفة 3 مليارات دولار، وتشمل إزالة 50 مليون طن من الركام الناتج عن الدمار، وتحويله إلى مواد قابلة لإعادة التدوير، إضافة إلى تحييد جميع الذخائر غير المتفجرة المتبقية من الحرب، والتي تشكل خطراً على السكان. هذه المرحلة تتضمن أيضاً توفير وحدات سكنية مؤقتة، تشمل آلاف المنازل المتنقلة المصنوعة من الحاويات والخيام، لإيواء 1.2 مليون نازح فلسطيني، إلى جانب ترميم 60 ألف منزل متضرر جزئياً.
تليها المرحلة الأولى (2025–2027) بتكلفة 20 مليار دولار، وتركز على بناء 200 ألف وحدة سكنية دائمة لاستيعاب 2.7 مليون فلسطيني، واستصلاح 20 ألف فدان زراعي متضرر، وإعادة تأهيل شبكات الكهرباء والمياه التي دُمرت بالكامل، مع إعادة رصف الطرق الرئيسية مثل محور صلاح الدين “فيلادلفيا”، الذي تحول إلى أنقاض.
أما المرحلة الثانية (2027–2030)، فتبلغ تكلفتها 30 مليار دولار، وتشمل إنشاء 200 ألف وحدة سكنية إضافية، وتطوير منطقة صناعية على مساحة 600 فدان، وبناء ميناء صيد بحري وميناء تجاري ومطار دولي، إلى جانب تشييد محطات للطاقة الشمسية ومراكز إدارية حكومية ومستشفيات ومدارس.
خلاف أكد أن الخطة تُركز على ضمان “بقاء الشعب الفلسطيني على أرضه دون أي شكل من التهجير”، مع رفض أي محاولة لإعادة توطين السكان خارج حدود القطاع.
الكارثة الإنسانية: أرقام صادمة تكشفها وثيقة مسربة
كشفت وثيقة مسربة، أعدتها الجهات المصرية بالتعاون مع منظمات دولية، عن حصيلة مروعة للدمار البشري والمادي الذي خلفته الحرب الإسرائيلية. وحسب البيانات، سقط خلال 15 شهراً من القتال 47 ألف شهيد، بينهم 13 ألف طفل و7,200 امرأة، بالإضافة إلى إصابة 111 ألف آخرين بجروح متفاوتة الخطورة، ونزح 1.9 مليون شخص داخل القطاع، يعاني 91% منهم من انعدام الأمن الغذائي، مع توقعات بتفاقم الأوضاع مع اقتراب أبريل 2025.
وأشارت التقديرات إلى إصابة 1.8 مليون شخص بأمراض معدية نتيجة تلوث المياه وانهيار النظام الصحي، بينما يحتاج مليون طفل إلى دعم نفسي عاجل، منهم 17 ألف طفل فقدوا ذويهم خلال الحرب. ولم يسلم الاقتصاد من الكارثة، حيث انهار بنسبة 83% عام 2024، وارتفعت معدلات البطالة إلى 80%، فيما قفز التضخم إلى 309% بسبب شح السلع الأساسية وفرض الحصار الإسرائيلي.
ووفق اطلاع بقش على بيانات الوثيقة، تُقدَّر الخسائر المادية المباشرة الناجمة عن الحرب بـ29.9 مليار دولار، منها 16.3 مليار دولار في قطاع الإسكان بعد تدمير 330 ألف مبنى سكني وتضرر 60% من المنازل بشكل كلي أو جزئي. كما بلغت الأضرار في القطاع الصحي 7.6 مليارات دولار، بعد تدمير نصف المستشفيات والعيادات الطبية، مما أدى إلى انهيار الخدمات الصحية.
وفي قطاع التعليم، دُمرت 88% من المدارس، مما ترك 745 ألف طفل خارج الفصول الدراسية، بينما قُدرت الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية، بما في ذلك الطرق والجسور، بـ1,190 كيلومتراً من الطرق المدمرة، وفقاً لتحليل صور الأقمار الصناعية.
التحديات: الحصار الإسرائيلي واشتراطات أمنية
تواجه الخطة المصرية عقبات جسيمة تعيق تنفيذها، أبرزها استمرار الحصار الإسرائيلي المشدد على قطاع غزة، وإغلاق المعابر أمام دخول مواد البناء والمعدات الثقيلة.
كما تشترط الخطة تحقيق وقف دائم لإطلاق النار، وضمانات أمنية تمنع استئناف القتال، وهو ما يبدو صعباً في ظل التوترات المتجددة بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل.
وأكدت الوثيقة على ضرورة قيادة فلسطينية للعملية، دون تدخل خارجي، مع الحفاظ على حق اللاجئين في العودة إلى أراضيهم المحتلة عام 1948، ورفض أي محاولة لفرض حلول سياسية عبر إعادة التوطين.
وتعتمد الخطة على جمع 53 مليار دولار عبر صندوق ائتماني دولي يُشرف على توزيع التمويل من الدول المانحة ومؤسسات التمويل الدولية مثل البنك الدولي، إضافة إلى استثمارات القطاع الخاص. وتعتزم مصر عقد مؤتمر دولي رفيع المستوى في القاهرة خلال الأشهر المقبلة، بالتعاون مع السلطة الفلسطينية و الأمم المتحدة لدعم الخطة وحشد التعهدات المالية.
“غير واقعية”.. أمريكا ترفض الخطة
بينما أعلنت الدول الأوروبية الأربع دعمها للخطة، وصفها الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” بأنها “غير واقعية”، في سياق خلافاته السابقة مع الموقف المصري والعربي.
وجاءت تصريحات ترامب متزامنة مع إعلان واشنطن عزمها فرض رسوم جمركية جديدة على واردات من عدة دول، بينها الهند، في خطوة قد تؤثر على التمويل الدولي.
وتُعد الخطة المصرية اختباراً لمصداقية المجتمع الدولي في مواجهة واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية منذ الحرب العالمية الثانية، إذ يعيش 64% من الناجين بإعاقات دائمة، ويحتاج معظم الأطفال إلى تدخل نفسي عاجل.
ورغم الطموح الكبير، يبقى السؤال: هل ستتحول الوعود الدولية إلى أموال ملموسة قبل تفاقم الكارثة؟ حيث لا يتعلق الأمر فقط بإعادة بناء المباني، بل بإحياء مجتمع مزقته حرب إبادة غاشمة.