الاقتصاد العالمي
أخر الأخبار

تحت وطأة العقوبات الأمريكية الطاحنة.. كيف انهار البوليفار الفنزويلي؟

الاقتصاد العالمي | بقش

تشهد عملة البوليفار الفنزويلي انهياراً صارخاً بفعل العقوبات الأمريكية، في بلدٍ يمتلك أكبر احتياطي عالمي من النفط، لكن مواطنيه يعانون من سياسات واشنطن.

وفق بيانات صندوق النقد الدولي في أكتوبر الماضي، بلغ معدل التضخم السنوي في فنزويلا نحو 270%، وهو الأعلى عالمياً، ويتوقع الصندوق أن يرتفع هذا المعدل إلى 680% في 2026. أما البطالة فبلغت 35.6% حسب قراءة بقش للبيانات، في حين لم يتجاوز نمو الناتج المحلي الإجمالي 0.5% سنوياً، مع متوسط دخل فردي لا يتجاوز 3,000 دولار سنوياً، في دولة يصل عدد سكانها إلى 26.6 مليون نسمة، ويبلغ إجمالي ديونها الحكومية نحو 164 مليار دولار.

تدهور قيمة البوليفار أمام الدولار الأمريكي كان مذهلاً، حيث انخفض من 43 بوليفار لكل دولار قبل عام إلى 228 بوليفار للدولار حالياً، كما تقول صحيفة فاينانشال تايمز، ما جعل 86% من الفنزويليين يعيشون تحت خط الفقر.

ويتقاضى العاملون بالحد الأدنى للأجور أقل من دولار شهرياً، بينما لا تتجاوز مكافآت المتقاعدين نحو 50 دولاراً شهرياً. وحتى شراء المواد الغذائية الأساسية أصبح شبه مستحيل، حيث يبلغ سعر 30 بيضة نحو 6.40 دولاراً، وسعر كيلوغرام الجبن نحو 10 دولارات.

سنوات الازدهار: 1999 – 2013

شهدت فنزويلا في عهد شافيز (1999–2013) ازدهاراً اقتصادياً ملحوظاً، حيث كانت الدولة من أغنى دول أمريكا الجنوبية، وجذبت المهاجرين من الدول المجاورة.

وبلغت صادرات النفط نحو 3 ملايين برميل يومياً، وحسب مراجعة بقش كان سعر صرف البوليفار مستقراً عند نحو 2.15 بوليفار لكل دولار، قبل أن يبدأ في التراجع تدريجياً ليصل إلى 6.3 بوليفار بنهاية حكم شافيز عام 2013.

وتوجّه شافيز خلال هذه الفترة إلى دعم قاعدته الشعبية عبر سياسات اقتصادية واجتماعية سخية، أبرزها دعم أسعار البنزين والكهرباء، لكن هذه السياسات كانت على حساب الاستدامة المالية.

وتجاوزت قيمة الدعم للمحروقات والكهرباء والغذاء نحو 10% من الناتج المحلي الإجمالي في بعض السنوات، وهو ما مثّل أكثر من نصف العجز المالي.

ومع انخفاض أسعار النفط من 100 دولار للبرميل إلى 40 دولاراً في صيف 2014، وجدت فنزويلا نفسها غير مستعدة لمواجهة التداعيات الاقتصادية، وتولى نيكولاس مادورو الرئاسة في 2013، لكنه استمر في سياسات الدعم المكثف لإرضاء القاعدة الشعبية، ما أدى إلى تراجع مخصصات النقد الأجنبي للواردات ونقص السلع في الأسواق، مع اتساع العجز المالي للدولة.

وبانكماش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 17% في 2016 و16% في 2017، لجأت الحكومة الفنزويلية إلى طباعة النقود بشكل كبير، ما أدى إلى تضخم جامح وتراجع قيمة البوليفار إلى نحو 10 بوليفارات لكل دولار في مطلع 2017، وارتفاع الأسعار بنسبة 50% شهرياً بحلول نوفمبر. وفي 2018، أُزيلت خمسة أصفار من البوليفار القديم، وصدرت عملة جديدة، لكنها استمرت في الانخفاض لتصل إلى 43 بوليفار للدولار حسب تناولات سابقة لمرصد بقش.

منذ 2019.. مرحلة العقوبات الأمريكية

الضربة الكبرى للاقتصاد الفنزويلي جاءت مع العقوبات الأمريكية على شركة النفط الوطنية في 2019، والتي منعت بيع النفط رسمياً في الأسواق العالمية.

واضطرت فنزويلا إلى بيع النفط في السوق السوداء بأسعار أقل بكثير لتوفير الموارد الضرورية، ما أدى إلى انخفاض الإنتاج إلى نحو 900 ألف برميل يومياً قبل الحصار الأخير على ناقلات النفط.

وتواصل إدارة ترامب ضغوطها على مادورو، بما في ذلك مصادرة شحنات النفط وتهديد النظام السياسي، ما أسهم في استمرار انهيار البوليفار وتفاقم الأزمة المعيشية.

اليوم، وصل سعر الدولار إلى 288 بوليفار، وفي حال توقف تصدير النفط نتيجة العقوبات، سيكون الانهيار الاقتصادي كارثياً، وفق اطلاع بقش على تقديرات خبراء فايننشال تايمز، وسيؤثر على جميع المؤشرات الاقتصادية.

وما هو واضح في الوقت الراهن، أن فنزويلا تقف على حافة كارثة اقتصادية واجتماعية رغم ثروتها النفطية الهائلة، ويُظهر المسار التاريخي للعملة البوليفار والاقتصاد الفنزويلي أن العقوبات الأمريكية على النفط والشركات الفنزويلية هي العامل الرئيس في الضغط الاقتصادي الشديد الذي أدى إلى التضخم الجامح، وانهيار العملة، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة.

وبفعل العقوبات، تحولت الأزمة التي استغرقت عقوداً لتتبلور، إلى طحن يومي للمواطن الفنزويلي، الذي بات يكافح للحصول على أبسط مقومات الحياة، في دولة من المفترض أن تكون من أغنى دول العالم.

زر الذهاب إلى الأعلى