تحركات البنك المركزي في عدن بين آلية الاستيراد وأزمة السيولة: سوق صرف هش وقلق متصاعد

الاقتصاد اليمني | بقش
بعد أقل من 3 أيام على نشر تفاصيل آلية وضوابط استيراد السلع عبر البنوك، التي أقرّتها اللجنة الوطنية لتنظيم وتمويل الواردات، دخلت سوق الصرف في عدن ومناطق سيطرة حكومة عدن مرحلة جديدة من الاضطراب، إثر قرارات متسارعة للبنك المركزي شملت تحديد سقف الحوالات الشخصية وإيقاف العشرات من شركات الصرافة وفروعها.
هذه الخطوات، التي يصفها مراقبون بأنها تصعيد نقدي غير مسبوق، تكشف عن مسار متكامل للبنك يهدف إلى إحكام السيطرة على تدفق النقد الأجنبي، لكنه في الوقت نفسه يضع السوق أمام اختبار سيولة قاسٍ.
وحسب متابعات “بقش”، فإن قرارات البنك الأخيرة تأتي كحلقة مكمّلة للآلية الجديدة التي حصرت استيراد 25 سلعة أساسية عبر القنوات المصرفية الرسمية بدءاً من 10 أغسطس الجاري،
فبعد أن شدّدت الآلية على ضرورة مرور التمويل الخارجي والتحويلات عبر البنوك، جاء التعميم الجديد ليضع سقفاً للحوالات الشخصية وعمليات بيع العملة الأجنبية للأفراد لا يتجاوز 2000 دولار عبر شركات الصرافة، بينما أحال العمليات حتى 5000 دولار حصراً إلى البنوك، مع منع تجزئة المعاملات للتحايل على السقف المحدد.
سوق متقلب وتغذية للسوق الموازي
المصادر الإعلامية تشير إلى أن هذه القيود، إلى جانب إيقاف نشاط عدد كبير من شركات الصرافة، أسهمت في شح المعروض من الدولار، ودفعت الطلب نحو السوق السوداء، ليرتفع سعره إلى حدود 1800 ريال بعد أن كان مستقراً عند مستويات أقل، في حين سجل الريال السعودي ما بين 400 و450 ريالاً.
ووفق دراسة “بقش”، فإن هذه القفزات السعرية، التي تحدث أحياناً خلال ساعات، تعكس هشاشة السوق أمام الصدمات التنظيمية وغياب أدوات التوازن النقدي الفاعلة.
تزامن القرارات مع قرب تطبيق آلية الاستيراد يضع التجار، خصوصاً صغار المستوردين، أمام تحديات معقدة. فبينما تلزمهم الآلية بالتمويل عبر البنوك، فإن أزمة السيولة الحالية قد تعرقل فتح الاعتمادات أو تغطي الاحتياجات التمويلية، ما يهدد بتأخر وصول السلع أو ارتفاع أسعارها، وهو ما قد ينعكس سريعاً على المستهلك النهائي.
قراءة تحليلية: بين الضبط والاختناق
من متابعة “بقش” يتضح أن البنك المركزي في عدن يسعى من خلال هذه السلسلة من الإجراءات إلى فرض انضباط أكبر على حركة النقد الأجنبي ومواجهة السوق السوداء، لكن المخاطر تكمن في أن الضغط المفرط على قنوات التحويل الرسمية دون توفير بدائل مرنة قد يؤدي إلى نتيجة عكسية، تتمثل في اتساع الفجوة بين العرض والطلب وازدهار السوق الموازي.
كما أن اقتصار المعاملات الكبيرة على البنوك، في ظل محدودية انتشارها وكفاءتها التشغيلية، يخلق عنق زجاجة يعيق انسيابية حركة الأموال، خاصة مع التفاوت الكبير في البنية المصرفية بين عدن وبقية المحافظات.
ربط ملف الاستيراد بقرارات الصرف الأخيرة يعزز الانقسام النقدي القائم بين حكومة عدن وحكومة صنعاء، ويهدد أي مساعٍ مستقبلية لتوحيد السياسة النقدية، كما أن استمرار التقلبات قد يقوّض ثقة التجار والمستثمرين، ويؤجل فرص التعافي الاقتصادي، ما لم تُتخذ خطوات متوازنة تراعي استقرار السوق ومعيشة المواطنين.
في المحصلة، فإن ما تشهده عدن من أزمة سيولة وتقلبات في أسعار الصرف هو الوجه الآخر لآلية الاستيراد عبر البنوك التي أطلقها البنك المركزي. النجاح في ضبط السوق سيتوقف على قدرة البنك على تحقيق التوازن بين الرقابة والمرونة، وتوفير احتياطي نقدي كافٍ لامتصاص الصدمات، أما الفشل، فقد يعني الدخول في حلقة أوسع من الانكماش النقدي وارتفاع الأسعار، وهو ما سيجعل أي تحسن مؤقت في سعر الصرف مجرد مكسب عابر.