الاقتصاد العالمي
أخر الأخبار

تحليل: تصاعد التوترات التجارية بين الصين وأمريكا يرفع احتمالات نشوب حرب تهدد الاقتصاد العالمي

أعلنت الصين عن نيتها اتخاذ “إجراءات مضادة” رداً على قرار الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” بفرض رسوم جمركية إضافية بنسبة 10% على الواردات الصينية اعتباراً من 4 مارس الجاري، في تصعيد يُنذر بتجدد الحرب التجارية بين القوتين العظميين، وسط تحذيرات من تداعيات كارثية على الأسواق العالمية وسلاسل الإمداد.

ترامب، ومنذ صعوده إلى كرسي الرئاسة، انتهج سياسة “الجميع سيدفع”، حيث أعلن عن حزمة عقوبات تشمل أيضاً رسوماً بنسبة 25% على الواردات الكندية والمكسيكية، معلقاً تطبيقها لمدة شهر، بحجة مكافحة تدفق مخدر الفنتانيل عبر الحدود.

ووصفت الصين القرارات الأمريكية بأنها “ابتزاز” و”محاولة لإلقاء اللوم على الآخرين”، مؤكدة في بيان لوزارة التجارة أن إجراءات واشنطن “ستُثقل كاهل الشركات والمستهلكين الأمريكيين”، وتُهدد استقرار الاقتصاد العالمي.

من جهتها، نفت بكين الاتهامات الأمريكية بشأن دورها في أزمة الفنتانيل، مُشيرة إلى تعاونها الدولي في مكافحة المخدرات.

وفي رد متصل، أعلنت عن عزمها عقد اجتماعات طارئة الأسبوع المقبل لدراسة حزم تحفيزية بقيمة تصل إلى 97 مليار دولار، لدعم القطاعات التكنولوجية والاستهلاكية.

الصين وأمريكا: علاقات تجارية معقدة وتاريخ من الصراع والاعتماد المتبادل

تشكل العلاقات التجارية بين البلدين واحدة من أكثر الشراكات الاقتصادية تعقيداً في التاريخ. ومنذ فرض ترامب رسوماً جمركية بقيمة 360 مليار دولار على الواردات الصينية خلال فترة رئاسته الأولى (2017-2021)، دخل الاقتصادان في مواجهة متقطعة، مع اعتماد بكين على التصدير إلى السوق الأمريكية (التي تستقبل 17% من صادراتها)، واعتماد واشنطن على المنتجات الصينية من الإلكترونيات إلى السلع الاستهلاكية.

تربط البلدين شبكة معقدة من سلاسل التوريد العالمية، خاصة في قطاعات التكنولوجيا وصناعة السيارات والأدوية. فمثلاً، تعتمد شركات مثل أبل وتسلا على المكونات الصينية بنسبة تصل إلى 30%، بينما تستورد الصين 60% من احتياجاتها من الرقائق الإلكترونية من شركات أمريكية مثل إنتل وكوالكوم. هذا الاعتماد المتبادل يجعل أي حرب تجارية مكلفة للطرفين.

وبينما تسعى الصين لتعزيز مكانتها كقائدة في تقنيات الذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة عبر خطط مثل “صنع في الصين 2025″، تعمل واشنطن على تقليل اعتمادها عبر سياسات “فك الارتباط”، مثل قانون رقائق العلوم (2022) الذي خصص 52 مليار دولار لدعم الصناعات المحلية.

مع ذلك، تظل الشركات الأمريكية تستثمر 200 مليار دولار سنوياً في الصين، وفقاً لمجلس الأعمال الأمريكي هناك.

أسواق مالية متضررة واستعدادات لمواجهة طويلة

انخفض المؤشر الصيني CSI 300 بنسبة 1.9%، بينما تراجع مؤشر هونغ كونغ Hang Seng إلى 3.9%، وهو أكبر انخفاض منذ أكتوبر 2023.

وخفّضت مؤسسة جولدمان ساكس توقعاتها للنمو الاقتصادي الصيني لعام 2024 إلى 4.8%، محذرة من تأثيرات الرسوم. بينما شهد اليوان الصيني تراجعاً إلى 7.29 مقابل الدولار، مما يزيد الضغوط على البنك المركزي الصيني.

تصعيد متعدد الجبهات: من الفنتانيل إلى السفن والمكسيك

قامت الإدارة الأمريكية بتوسيع هجومها عبر إجراءات إضافية شملت قيوداً استثمارية جديدة فرضتها واشنطن على تدفقات الاستثمار الصيني في قطاعات التكنولوجيا الحيوية والذكاء الاصطناعي.

كما يتم حالياً فرض ضغوط على المكسيك، التي تتفاوض الإدارة الأمريكية مع حكومتها لفرض رسوم على السلع الصينية المُعاد تصديرها إلى الولايات المتحدة.

أكبر وأخطر خطوات التصعيد الأمريكية كانت استهداف صناعة السفن، حيث تدرس واشنطن فرض رسوم على السفن الصينية الناقلة للبضائع الأمريكية، في خطوة قد تعطل 30% من التجارة البحرية بين البلدين، وهو الأمر الذي حذرت منه شركة الشحن الفرنسية CMA CGM، التي قالت إن هذه الرسوم ستؤثر على جميع شركات الشحن، وذلك لأن الصين تبني أكثر من نصف جميع سفن الحاويات في العالم، ولذا ترى الشركة الفرنسية أن ذلك من شأنه أن “يؤثر بشكل كبير على كافة شركات صناعة الشحن”.

ورغم الخطاب العدائي، يرى مراقبون أن كلا البلدين يرغبان في تجنب حرب تجارية كاملة، فالصين تُجري مفاوضات سرية مع فريق ترامب لاستثناء سلع استراتيجية مثل الأدوية والرقائق الإلكترونية من الرسوم.

كما يُتوقع أن تعلن بكين قريباً عن تخفيضات جمركية على السيارات الفاخرة الأمريكية كـ”إشارة حسن نية”.

ووفقاً لتقرير صندوق النقد الدولي، قد يكلف التصعيد الكامل كلا الاقتصادين خسارة 1.5 تريليون دولار بحلول 2025.

وبينما تحاول الصين حماية نموذجها الاقتصادي القائم على التصدير، تسعى واشنطن لإعادة هيكلة العولمة لصالح صناعاتها. وبين هذا وذاك، يقف العالم على حافة منحدر قد يُعيده إلى عصر الحمائية، حيث لا منتصرين، فقط خاسرون.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى