تحولات استراتيجية في قطاعي البتروكيماويات والاتصالات الخليجيين وسط تقلبات عالمية

تواجه الصناعات الحيوية في منطقة الخليج منعطفاً هاماً، حيث تتأرجح بين اغتنام الفرص الآنية والاستعداد لتحديات المستقبل، لا سيما في قطاعي البتروكيماويات والاتصالات اللذين يشهدان تحركات استراتيجية لافتة.
ففي صناعة البتروكيماويات، تلوح في الأفق فرصة قصيرة الأجل لبعض المنتجين الخليجيين، حيث تشير التقديرات إلى إمكانية استفادتهم من خلال سد فجوة محتملة في السوق العالمية، قد تنشأ عن تراجع الصادرات الأمريكية لبعض المنتجات الرئيسية مثل البولي إيثيلين وفق اطلاع بقش. هذا السيناريو قد يمنح الشركات الخليجية ميزة تنافسية مؤقتة لزيادة حصتها السوقية في أسواق التصدير.
إلا أن هذه النظرة المتفائلة على المدى القصير يقابلها تحذير صادر عن وكالة “ستاندرد آند بورز” للتصنيف الائتماني. الوكالة نبهت حسب متابعة بقش إلى أن التباطؤ المتوقع في وتيرة النمو الاقتصادي العالمي قد يلقي بظلاله على القطاع على المديين المتوسط والطويل. فضعف النمو يعني تراجعاً مرجحاً في الطلب العالمي على المواد الكيماوية والسلع الصناعية بشكل عام، مما قد يحد من آفاق النمو المستدام لمنتجي البتروكيماويات في المنطقة بعد انقضاء الفرصة الآنية.
على صعيد آخر، يشهد قطاع الاتصالات الخليجي ديناميكية مختلفة، مدفوعة بالوصول إلى مستويات تشبع عالية في أسواقه المحلية. هذا الواقع دفع الشركات الكبرى في القطاع إلى البحث عن آفاق نمو جديدة خارج حدود المنطقة، بهدف تنويع مصادر الدخل وتعزيز الحضور العالمي.
وتعتبر التحركات الأخيرة لشركات عملاقة مثل “مجموعة &e” الإماراتية و”شركة الاتصالات السعودية” (STC)، خاصة في الأسواق الأوروبية، دليلاً واضحاً على هذا التوجه الاستراتيجي نحو التوسع الدولي.
تحديات وفرص في أفق البتروكيماويات
بالتوازي مع التوسع الجغرافي، تتبنى شركات الاتصالات الخليجية استراتيجية تنويع طموحة على مستوى الأنشطة. فهي تضخ استثمارات ضخمة في مجالات تكنولوجية متقدمة تتجاوز خدمات الاتصالات التقليدية، تشمل الأمن السيبراني، والحوسبة السحابية، وإنترنت الأشياء، وتطبيقات الذكاء الاصطناعي.
وتعكس هذه الاستثمارات رغبة في التحول إلى شركات تكنولوجيا متكاملة. وكنتيجة مباشرة لهذا التوجه، تتوقع “ستاندرد آند بورز” أن تحافظ هذه الشركات على مستويات إنفاق رأسمالي مرتفعة، تتراوح بين 14% و 16% من إجمالي إيراداتها، لتمويل عمليات التوسع وتطوير الخدمات المبتكرة.
الفرصة المتاحة أمام منتجي البتروكيماويات الخليجيين لسد الفراغ المحتمل للصادرات الأمريكية ليست خالية من التحديات. فالسوق العالمية للبتروكيماويات تتسم بتقلبات الأسعار والمنافسة الشديدة من مناطق أخرى مثل #آسيا. كما أن الضغوط المتزايدة نحو الاستدامة والتحول إلى الاقتصاد الدائري تتطلب استثمارات إضافية في التقنيات النظيفة وتطوير منتجات صديقة للبيئة، وهو ما يجب على الشركات الخليجية أخذه في الحسبان للحفاظ على قدرتها التنافسية على المدى الطويل.
محركات التحول في قطاع الاتصالات
لا يقتصر دافع شركات الاتصالات الخليجية نحو التوسع والاستثمار في التقنيات الجديدة على تشبع السوق المحلية فحسب، بل يتماشى أيضاً مع الأجندات الوطنية للتحول الرقمي في دول الخليج.
فخدمات مثل الحوسبة السحابية والأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي أصبحت بنية تحتية أساسية للاقتصادات الحديثة. ومن خلال تطوير هذه القدرات، لا تضمن شركات الاتصالات نموها المستقبلي فقط، بل تساهم أيضاً بشكل مباشر في تحقيق أهداف التنويع الاقتصادي وتطوير مجتمع المعرفة في بلدانها.
ويشير توقع “ستاندرد آند بورز” ببقاء الإنفاق الرأسمالي لشركات الاتصالات مرتفعاً، إلى التزام هذه الشركات بخططها التحولية الطموحة. هذا الإنفاق لن يوجه فقط نحو توسيع الشبكات التقليدية وتحديثها (مثل نشر شبكات الجيل الخامس 5G)، بل سيخصص جزء كبير منه لبناء مراكز بيانات متطورة، والاستحواذ على شركات تكنولوجية متخصصة، وتطوير منصات خدمات رقمية مبتكرة.
وعلى الرغم من أن هذا الإنفاق يمثل عبئاً مالياً على المدى القصير، إلا أنه يُنظر إليه كاستثمار ضروري لبناء نماذج أعمال مرنة ومستدامة قادرة على مواجهة تحديات المستقبل وتحقيق قيمة مضافة أعلى.