الاقتصاد العربي
أخر الأخبار

تحوّل هيكلي يعيد تشكيل اقتصاد السعودية.. 90% من الاستثمارات الأجنبية تتجه إلى القطاعات غير النفطية

الاقتصاد العربي | بقش

في مشهد يعكس التحول العميق الذي تشهده المملكة العربية السعودية، أكد وزير الاستثمار خالد الفالح أن نحو 90% من الاستثمارات الأجنبية المباشرة في البلاد باتت غير نفطية، في دلالة على تسارع الانتقال من اقتصاد يعتمد على العوائد النفطية إلى اقتصاد متنوع المصادر.

وجاءت تصريحات الفالح التي تابعها بقش خلال مشاركته في جلسة “مجلس صُناع التغيير لأصحاب النفوذ في القطاعين العام والخاص” ضمن فعاليات مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار في نسخته التاسعة بالرياض، حيث أشار إلى أن القطاعات الجديدة أصبحت المحرك الأساسي لجذب رؤوس الأموال، فيما لا تتجاوز المشاريع النفطية سوى 10% من إجمالي الاستثمارات الأجنبية.

ويأتي هذا التحول ضمن مسار أوسع من تنفيذ مستهدفات “رؤية 2030”، التي جعلت من تنويع القاعدة الاقتصادية وتقليص الاعتماد على النفط ركيزة محورية في السياسات المالية والاستثمارية للمملكة. فبينما يتراجع الاستثمار الأجنبي عالمياً بنسبة 10%، تضاعفت التدفقات إلى السعودية أربع مرات، متجاوزة الأهداف الموضوعة في الرؤية.

ويشير تحليل الأرقام إلى أن هذا التحول ليس ظرفياً، بل يعكس إعادة هيكلة مستمرة في خريطة الاستثمارات الدولية داخل المملكة.

فالقطاعات الجديدة — مثل التصنيع المتقدم، والسياحة، وريادة الأعمال، ورؤوس الأموال الجريئة — أصبحت المقصد الرئيسي للمستثمرين، وهو ما عبّر عنه الفالح بالقول إن “المملكة باتت تجذب العقول والمشاريع أكثر من الحقول والآبار”.

بلغت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى السعودية 24.9 مليار ريال في الربع الثاني من عام 2025 حسب قراءة بقش، رغم تراجعها بنسبة 12% عن الفترة ذاتها من العام الماضي، إلا أن صافي التدفقات ارتفع بنسبة 15%، ما يعكس صلابة القاعدة الاستثمارية الجديدة.

كما بلغت الاستثمارات في الشركات الناشئة أكثر من مليار دولار، جاء 60% منها من مستثمرين في الشرق الأوسط، مما يشير إلى تحول السعودية إلى مركز إقليمي للتمويل الجريء والمبادرات الابتكارية.

وتُظهر بيانات وزارة الاستثمار أن الاستثمار المحلي تضاعف أيضاً، ليشكل نحو 30% من إجمالي الاستثمارات في الناتج المحلي غير النفطي، وهو ما يعزز التوجه نحو بناء اقتصاد داخلي أكثر ديناميكية.

اقتصاد متنوع وموازنة مستقرة

في خطابه، أوضح الفالح أن التحول الاقتصادي الجاري انعكس بشكل مباشر على هيكل المالية العامة، حيث لم يعد الإنفاق الحكومي يعتمد كلياً على الإيرادات النفطية.

فاليوم، تموّل 40% من الميزانية السعودية من العوائد غير النفطية، بفضل نمو قطاعات جديدة مثل الخدمات اللوجستية، والسياحة، والاقتصاد الرقمي.

ويرى مراقبون أن هذه النسبة تمثل تحوّلاً هيكلياً في أحد أكثر الاقتصادات اعتماداً على النفط لعقود طويلة.

كما ساهمت هذه التحولات في انخفاض معدلات البطالة وارتفاع مشاركة النساء في سوق العمل، إلى جانب زيادة فرص التوظيف في القطاع الخاص، وهو ما يترجم فعلياً أهداف الإصلاح الاجتماعي والاقتصادي التي تتبناها الرؤية.

وبحسب الفالح، فإن الاقتصاد غير النفطي في المملكة ينمو بمعدل يتراوح بين 4% و5% سنوياً، “بغضّ النظر عن التطورات الخارجية”، ما يعني أن النمو بات مدفوعاً بمحركات داخلية قادرة على الصمود أمام الأزمات العالمية.

أكد وزير الاستثمار أن المملكة تسير بخطى سريعة نحو تحسين بيئة الأعمال وتطوير التشريعات الاستثمارية بما يتوافق مع متطلبات المنافسة العالمية.

وأشار إلى أن الموقع الجغرافي للمملكة — الذي يربط ثلاث قارات — إلى جانب مواردها البشرية الشابة واحتياطاتها المالية الضخمة، يمنحها ميزة تنافسية يصعب مجاراتها في المنطقة.

وبحسب اطلاع بقش على بلومبيرغ، تستند الرياض في سياستها الاستثمارية إلى مزيج من القوة المالية والمؤسسية، ممثلة في صناديقها الكبرى مثل صندوق الاستثمارات العامة، والصناديق التنموية المتخصصة، إضافة إلى نظام مصرفي متين يتيح التمويل والائتمان للمشروعات الناشئة والكبرى على حد سواء.

ويرى الفالح أن هذه المنظومة “تمكّن المملكة من مواجهة أي صدمات اقتصادية كما فعلت في السابق”، مشدداً على أن مرحلة ما بعد النفط لا تعني نهاية العوائد، بل بداية مصادر جديدة للثروة.

ملامح التحول القادم

يؤكد مسار الأرقام أن المملكة تدخل مرحلة من التحول الاقتصادي المستدام، حيث يتراجع وزن النفط تدريجياً في معادلة الاستثمار لصالح قطاعات الإنتاج المتقدم والخدمات والتقنيات الحديثة.

وبينما تواصل الحكومات حول العالم تقليص إنفاقها في ظل تباطؤ الاقتصاد العالمي، تمضي السعودية في اتجاه عكسي، مستفيدة من استقرارها المالي وقدرتها على اجتذاب رأس المال طويل الأجل.

ومن المرجح أن يشهد العامان القادمان تسارعاً في استثمارات قطاعات السياحة والطاقة المتجددة، إلى جانب تصاعد مشاريع المدن الذكية، التي تراهن عليها المملكة بوصفها الواجهة الجديدة للاقتصاد الوطني.

وبهذا، يتحول الاستثمار الأجنبي المباشر في السعودية من أداة لتعزيز الإنتاج النفطي إلى رافعة شاملة لبناء اقتصاد متنوع وأكثر مرونة في مواجهة تقلبات الأسواق العالمية.

زر الذهاب إلى الأعلى