الاقتصاد العربي
أخر الأخبار

تخفيف العقوبات الأمريكية على سوريا: مناورة سياسية تمهّد لتطبيع مشروط

الاقتصاد العربي | بقش

أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية، اليوم الاثنين، عن رفع الإطار القانوني للعقوبات المفروضة على سوريا منذ عام 2004، وذلك بعد توقيع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمراً تنفيذياً في 30 يونيو الماضي دخل حيز التنفيذ مطلع يوليو.

القرار المنشور اليوم الإثنين في موقع وزارة الخزانة الأمريكية، ألغى حالة الطوارئ الوطنية وخمسة أوامر تنفيذية شكّلت أساس برنامج العقوبات وفق اطلاع مرصد بقش، لكنه لم يُلغ تصنيف سوريا كـ”دولة راعية للإرهاب” المفروض منذ 1979، والذي ما يزال يفرض قيوداً على المساعدات الأمريكية ويمنع تصدير الأسلحة.

هذا التناقض يعكس أن التسهيلات الاقتصادية ما تزال محكومة بشروط سياسية صارمة، وأن واشنطن تمارس لعبة مزدوجة بين رفع الحظر الجزئي والإبقاء على عناصر الضغط الاستراتيجي.

تسلسل زمني: ما هي العقوبات؟

العقوبات الأمريكية على دمشق بدأت عام 1979، حين أُدرجت على أول قائمة استحدثتها الولايات المتحدة لما وصفته بـ”الدول الراعية للإرهاب”، وترتب على هذا التصنيف فرض قيود على المساعدات الأمريكية لسوريا، وحظر بيع أسلحة لها، وإخضاع معاملات البنوك الأمريكية مع الحكومة السورية والكيانات المملوكة لها لضوابط مشددة، إضافة إلى فرض عقوبات على عدة مسؤولين وكيانات حكومية سورية.

وفي 2005، مرر الكونغرس الأمريكي “قانون محاسبة سوريا”، بعد اتهامها بالسماح باستخدام أراضيها من قبل من وُصفوا بالإرهابيين لتقويض استقرار العراق ولاحقاً لبنان، وشمل هذا القانون فرض قيود على تصدير السلع الأمريكية إلى سوريا، باستثناء الغذاء والدواء، ومنع شركات الطيران السورية من السفر إلى أمريكا، إلا أن استيراد السلع من سوريا، بما فيها المواد النفطية، والمعاملات المصرفية معها، بقيت خارج نطاق العقوبات التي أقرها القانون.

التحول الفعلي في العقوبات جاء عام 2011، حيث تم فرض عقوبات أكثر شمولاً وتشدداً استهدفت قطاعات حيوية، مثل النفط والغاز والطيران، والقطاع المصرفي بما فيه المصرف المركزي، إضافة إلى فرض القيود على تصدير سلع أساسية وتكنولوجية إلى سوريا.

وفي العام 2019 أقر الكونغرس الأمريكي قانون “حماية المدنيين السوريين” الذي عُرف بقانون قيصر، ومثّل ذلك تحولاً في العقوبات وطريقة تعاطي واشنطن مع هذا الملف وفق قراءة بقش، إذ توسع إطار العقوبات لتشمل عقوبات ثانوية تستهدف حتى المتعاملين مع الحكومة السورية السابقة.

لقاءات سياسية موازية: دمشق بين واشنطن وتل أبيب

في سياق متصل، كشفت مصادر رسمية أن الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع التقى اليوم وفداً أمريكياً رفيع المستوى في العاصمة دمشق، في إطار ما وُصف بأنه “محادثات استراتيجية” تتعلق بمرحلة ما بعد رفع العقوبات.

وقبل أيام قليلة، التقى وزير الخارجية السوري الجديد وفداً إسرائيلياً في باريس وفق متابعات بقش، بوساطة أمريكية، لبحث ملفات أبرزها تثبيت خطوط وقف إطلاق النار في الجولان، وتحديد مستقبل الأراضي التي احتلتها إسرائيل مؤخراً ووصلت إلى تخوم دمشق.

هذه اللقاءات، بحسب مراقبين، ليست منفصلة عن قرار تخفيف العقوبات، بل تمثل جزءاً من “صفقة أوسع” تسعى واشنطن لفرضها، تقوم على ربط التعافي الاقتصادي السوري ببوابة التطبيع مع إسرائيل.

مناورة اقتصادية تخفي صفقة سياسية

ورغم تقديم واشنطن قرار رفع العقوبات كخطوة نحو “دعم التعافي السوري”، إلا أن الوقائع الميدانية والسياسية تكشف أن الأمر أشبه بمقايضة: فتح قنوات اقتصادية مقابل قبول الشروط الأمريكية والإسرائيلية.

وفي ظل تمدد إسرائيل عسكرياً في مناطق الجنوب السوري وصولاً إلى أطراف دمشق، يصبح القرار الأمريكي أداة لترسيخ واقع جديد على الأرض، يضمن استمرار السيطرة الإسرائيلية، ويحوّل الاقتصاد السوري إلى ورقة مساومة في الترتيبات الإقليمية.

خبراء الاقتصاد يرون أن أي انفراجة اقتصادية لسوريا ستظل مقيدة بشبكة شروط سياسية، وأن أي دعم استثماري أو إعادة إعمار قد يُفتح تدريجياً فقط في حال قبلت دمشق السير في مسار التطبيع الذي ترعاه واشنطن. وهو ما يجعل قرار رفع العقوبات الجزئية ليس بادرة حسن نية، بل مناورة استراتيجية ترسم حدود استقلال القرار السوري في المرحلة المقبلة.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي المستخدم،

نرجو تعطيل حاجب الإعلانات لموقع بقش لدعم استمرار تقديم المحتوى المجاني وتطويره. شكرًا لتفهمك!

فريق بقش