الاقتصاد العالمي
أخر الأخبار

ترامب يؤكد: كوريا الجنوبية ستضخ 350 مليار دولار رغم تحذيراتها من أزمة مالية

الاقتصاد العالمي | بقش

في تصريحات حازمة من المكتب البيضاوي، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن كوريا الجنوبية ستقدم استثمارات بمليارات الدولارات “مقدماً”، رغم تحذيرات سول من أن تنفيذ المطالب الأمريكية من دون ضمانات قد يدفعها إلى أزمة مالية خانقة.

وجاءت تصريحات ترامب في سياق استعراضه لحصيلة العوائد التي قال إنها نتجت عن السياسات الجمركية الجديدة، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة حصلت من اليابان على 550 مليار دولار، ومن كوريا الجنوبية على 350 مليار دولار.

في المقابل، التزمت الحكومة الكورية الجنوبية الصمت، إذ صرّح مسؤول حكومي بأنه “لا تعليق على تصريحات ترامب”، لكنه أكد في الوقت نفسه أن موقف بلاده يقوم على التفاوض وفق مبدأ حماية المصالح الوطنية وضمان الجدوى التجارية لأي اتفاق مع واشنطن.

“المنهجية الجديدة” للولايات المتحدة

تصريحات ترامب جاءت بعد أيام من إعلانه أن بلاده “تدفع إيجاراً” مقابل قواعدها العسكرية في كوريا الجنوبية وفق متابعات مرصد بقش، في إشارة إلى رغبته في إعادة صياغة العلاقات الاقتصادية والعسكرية بين البلدين ضمن ما وصفه مراقبون بـ“المنهجية الأمريكية الجديدة”.

وفي يوليو الماضي، كانت سول قد أعلنت نيتها استثمار 350 مليار دولار في مشاريع أمريكية، لكنها رفضت منح واشنطن سيطرة مباشرة على الأموال، مؤكدة أن المفاوضات التجارية وصلت إلى طريق مسدود.

وفي المقابل، ضغطت الإدارة الأمريكية على كوريا الجنوبية لتتبنى النهج نفسه الذي سلكته اليابان مؤخراً، حين وقعت طوكيو اتفاقاً تجارياً خفّضت بموجبه الرسوم الجمركية على السيارات والمنتجات اليابانية مقابل ضخ 550 مليار دولار في مشاريع أمريكية.

لكن الرئيس الكوري الجنوبي لي جاي ميونج حذر الأسبوع الماضي من أن بلاده “لا تستطيع تحمّل كلفة إعادة هيكلة استثماراتها على الطريقة اليابانية”، مشيراً إلى أنه من دون ضمانات مالية مثل اتفاقات مبادلة العملة، فإن الاقتصاد الكوري الجنوبي قد يواجه أزمة حادة.

تفاصيل الاتفاق التجاري

الاتفاق التجاري بين واشنطن وسول تم التوصل إليه في أواخر أغسطس بعد مفاوضات مطولة بشأن الرسوم الجمركية. وبحسب ما أعلنه ترامب، فإن الاتفاق يتضمن فرض رسوم بنسبة 15% على الواردات القادمة من كوريا الجنوبية إلى الولايات المتحدة، إضافة إلى التزامات استثمارية ضخمة.

وكتب ترامب على منصته “تروث سوشال” أن كوريا الجنوبية ستستثمر 350 مليار دولار في الاقتصاد الأمريكي، وستشتري منتجات طاقة أمريكية بقيمة 100 مليار دولار، إلى جانب فتح أسواقها بالكامل أمام الصادرات الأمريكية من السيارات، الشاحنات، المنتجات الزراعية، وغيرها.

ووفق تصريحات الرئيس الكوري الجنوبي، فإن من أصل مبلغ الـ350 مليار دولار، سيتم تخصيص 150 مليار دولار للتعاون في قطاع بناء السفن، بهدف دعم دخول الشركات الكورية الجنوبية إلى السوق الأمريكية.

أما المبلغ المتبقي فسيُوجَّه إلى قطاعات أشباه الموصلات، التكنولوجيا الحيوية، الطاقة، وغيرها من المجالات الاستراتيجية التي تسعى واشنطن لتعزيزها ضمن خططها الصناعية الجديدة.

يأتي هذا الاتفاق بعد فترة من التوتر التجاري، إذ كانت السلع الكورية الجنوبية قد واجهت في أبريل الماضي رسوماً “انتقامية” بنسبة 25%، قبل أن يقرر ترمب تعليقها مؤقتاً على عشرات الدول حتى الأول من أغسطس.

ويؤكد مراقبون أن هذه الصفقة تمثل تحولاً مهماً في طبيعة العلاقة الاقتصادية بين واشنطن وسول، حيث تتحرك الإدارة الأمريكية لتثبيت نموذج جديد يقوم على دفع الحلفاء مبالغ ضخمة مقابل امتيازات تجارية وأمنية.

ورغم اللهجة المتفائلة التي استخدمها ترامب، لا تزال الحكومة الكورية الجنوبية تبدي حذراً واضحاً. فقد أكدت مراراً أن أي التزامات مالية يجب أن تكون مرتبطة بضمانات واضحة لتفادي تعرض الاقتصاد لهزات مفاجئة.

ويشير خبراء إلى أن كوريا الجنوبية تواجه حالياً تحديات داخلية مثل تباطؤ النمو وارتفاع تكاليف الطاقة وضعف العملة، ما يجعلها أقل قدرة على تحمّل التزامات مالية ضخمة من دون شبكة حماية اقتصادية قوية.

وفي المقابل، ترى واشنطن أن ضخ هذه الاستثمارات يعزز الاقتصاد الأمريكي ويدعم خطط إعادة توطين الصناعات الحيوية، فيما يمثل أيضاً جزءاً من استراتيجية الضغط على الحلفاء الآسيويين للمشاركة في تمويل القواعد العسكرية والوجود الأمريكي في المنطقة.

قمة مرتقبة ورسائل سياسية

ترامب كان قد اقترح عقد قمة مع نظيره الكوري الجنوبي بعد الانتهاء من مفاوضات الرسوم الجمركية، بهدف تعزيز ما وصفه بـ“الشراكة الاستراتيجية الجديدة”. ويرى محللون أن إصرار ترامب على الإعلان عن أرقام الاستثمارات قبل اكتمال تفاصيل التنفيذ يعكس رغبته في تسجيل إنجاز اقتصادي وسياسي داخلي، خصوصاً مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية الأمريكية.

في المقابل، تسعى سول إلى تحقيق توازن دقيق بين الاستجابة للضغوط الأمريكية وحماية اقتصادها من صدمات محتملة. ووفق اطلاع بقش، يشير مراقبون إلى أن المفاوضات المقبلة ستتمحور حول كيفية إدارة الأموال وضمان أن تظل الاستثمارات الكورية خاضعة لمعايير تحمي المصالح الوطنية الكورية، لا أن تتحول إلى أداة سياسية أمريكية.

في نهاية المطاف، يعكس هذا الملف نموذجاً متزايد الحضور في السياسة الاقتصادية الأمريكية، يقوم على استخدام النفوذ التجاري والعسكري لدفع الحلفاء نحو تمويل خطط واشنطن الاقتصادية. أما كوريا الجنوبية، فستكون أمام اختبار صعب لتحقيق توازن بين تحالفها الأمني مع الولايات المتحدة والحفاظ على استقرارها المالي والاقتصادي الداخلي.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي المستخدم،

نرجو تعطيل حاجب الإعلانات لموقع بقش لدعم استمرار تقديم المحتوى المجاني وتطويره. شكرًا لتفهمك!

فريق بقش