الاقتصاد اليمني
أخر الأخبار

ترامب يجمّد “يانصيب الجرين كارد”.. ماذا يعني ذلك لآلاف اليمنيين الحالمين بالهجرة؟

الاقتصاد اليمني | بقش

قررت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تعليق برنامج “اليانصيب” للبطاقات الخضراء (الجرين كارد)، في خطوة تحمل أبعاداً سياسية وأمنية عميقة، تعكس تحوّلاً متجدداً في طريقة تعامل واشنطن مع ملف الهجرة القانونية. فالبرنامج، الذي ظل لعقود أحد رموز “الهجرة المتنوعة” إلى الولايات المتحدة، وجد نفسه فجأة في قلب معادلة أمنية شديدة الحساسية.

القرار جاء عقب حادث إطلاق نار صادم هزّ الوسط الأكاديمي الأمريكي، بعد اتهام شخص حصل على الإقامة الدائمة عبر البرنامج بارتكاب جريمة قتل، قبل أن يُعثر عليه متوفياً في ظروف تشير إلى الانتحار. هذه الواقعة منحت الإدارة أرضية سياسية جاهزة للربط بين مسار قانوني للهجرة ومخاطر أمنية محتملة.

لكن أهمية القرار لا تكمن في الحادثة بحد ذاتها، بل في الرسالة التي يحملها. فإيقاف برنامج قانوني قائم منذ التسعينيات، بسبب فعل فردي، يفتح الباب أمام إعادة تعريف العلاقة بين الهجرة والعنف، ويطرح تساؤلات جوهرية حول مدى قابلية السياسات العامة للتغيّر تحت ضغط الأحداث الصادمة.

في هذا السياق، بدا أن الإدارة لا تستهدف فقط معالجة حادثة بعينها، بل توجيه إشارة أوسع إلى أن جميع مسارات الهجرة، بما فيها الشرعية، باتت خاضعة لإعادة التقييم وفق معيار أمني صارم.

برنامج تأشيرة التنوع: فلسفة الهجرة التي أصبحت موضع شك

برنامج تأشيرة التنوع، المعروف شعبياً بـ“اليانصيب”، صُمم في الأصل لتصحيح اختلالات جغرافية في خريطة الهجرة إلى الولايات المتحدة، عبر إتاحة الفرصة لمتقدمين من دول ذات تمثيل منخفض في الهجرة. وقد منح هذا المسار سنوياً عشرات الآلاف فرصة الإقامة الدائمة، ضمن إجراءات قانونية خاضعة للتدقيق.

غير أن هذا النموذج، القائم على القرعة، ظل موضع انتقاد لدى تيارات سياسية محافظة ترى فيه ثغرة محتملة في منظومة الأمن القومي، رغم خضوع الفائزين لفحوص أمنية وصحية وقانونية قبل دخولهم البلاد وفق اطلاع “بقش”. ومع صعود خطاب “الهجرة أولاً” خلال عهد ترامب، عاد البرنامج إلى واجهة الاستهداف السياسي.

تعليق البرنامج يعبّر عن تصدّع أعمق في الفلسفة التي قام عليها، حيث لم تعد “التنوع الجغرافي” قيمة كافية لتبرير استمراره في نظر الإدارة، إذا كان يُنظر إليه كمسار يصعب التحكم الكامل بمخرجاته الأمنية.

الأهم أن البرنامج ليس مجرد إجراء تنفيذي، بل جزء من تشريع أقرّه الكونغرس، ما يجعل تعليقه خطوة تثير إشكاليات قانونية حول حدود صلاحيات السلطة التنفيذية، واحتمالات تحوله من تعليق مؤقت إلى محاولة إلغاء فعلي أو إعادة تصميم جذري.

ربط الإدارة الأمريكية قرار تعليق البرنامج بحادث إطلاق النار يعكس توجهاً واضحاً نحو “أمننة” الهجرة، أي إعادة صياغة السياسات الهجرية باعتبارها امتداداً مباشراً للأمن الداخلي. هذا المنطق يقوم على افتراض أن تقليص قنوات الهجرة يقلّص تلقائياً المخاطر، حتى لو كانت تلك القنوات قانونية.

في هذا الإطار، لم يُقدَّم القرار بوصفه عقوبة جماعية، بل كإجراء وقائي يهدف إلى منع تكرار الأذى. غير أن هذا التبرير يواجه انتقادات ضمنية في النقاش العام، إذ يخلط بين حالات فردية ونظام كامل، ويضع ملايين المهاجرين المحتملين تحت شبهة جماعية.

اللافت أن هذه ليست المرة الأولى التي تتخذ فيها الإدارة خطوات تقييدية بعد حوادث عنف، فحسب مراجعة بقش سبق وتم تشديد القيود على الهجرة من دول نامية، وفرض مقترحات لرفع رسوم تأشيرات العمل، وتوسيع مراكز الاحتجاز، في سياق يعكس توجهاً متكاملاً لا قرارات متفرقة.

بهذا المعنى، فإن تعليق “الجرين كارد” عبر اليانصيب يبدو حلقة جديدة في سلسلة طويلة تهدف إلى إعادة هندسة منظومة الهجرة الأمريكية، عبر تقليص المسارات، ورفع كلفتها، وربطها عضوياً بالأمن الداخلي.

التداعيات القانونية والتنفيذية: تعليق أم إعادة تعريف؟

أحد أكثر جوانب القرار تعقيداً يتمثل في آلية تنفيذه. فبرنامج تأشيرة التنوع تديره جهات متعددة، ويتداخل فيه دور وزارة الأمن الداخلي مع وزارة الخارجية، ما يثير تساؤلات حول مدى شمولية التعليق وحدوده الزمنية والإجرائية.

هل يعني القرار وقف استقبال طلبات جديدة فقط؟ أم تجميد نتائج القرعة؟ أم تعليق إصدار التأشيرات للفائزين؟ هذه الأسئلة بقيت دون إجابات واضحة، ما يفتح الباب أمام حالة من الضبابية القانونية والإدارية قد تستمر لأشهر.

كما أن تعليق برنامج أقرّه الكونغرس قد يفضي إلى نزاعات قانونية وفق قراءة بقش، خاصة إذا طُعن في القرار باعتباره تجاوزاً لصلاحيات السلطة التنفيذية. وفي حال تحوّل التعليق إلى سياسة دائمة، فقد يتطلب ذلك مساراً تشريعياً أطول وأكثر تعقيداً.

هذا الغموض لا ينعكس فقط على المؤسسات، بل على مئات الآلاف من المتقدمين حول العالم، الذين باتوا أمام مسار غير واضح، في وقت تتزايد فيه صعوبة الوصول إلى الولايات المتحدة عبر قنوات أخرى.

الهجرة الأمريكية في مرحلة إعادة تشكّل

قرار تعليق برنامج “اليانصيب” لا يمكن فصله عن السياق الأوسع لسياسات الهجرة في عهد ترامب، حيث تتقاطع الاعتبارات الأمنية مع الحسابات السياسية والانتخابية. فالهجرة، بوصفها ملفاً شديد الحساسية، باتت أداة مركزية في إعادة تشكيل الخطاب الداخلي.

تقليص مسارات الهجرة القانونية يفرض ضغوطاً إضافية على قنوات أخرى، مثل لمّ الشمل أو تأشيرات العمل والدراسة، ما قد يؤدي إلى تكدس الطلبات وارتفاع الكلفة والمدة الزمنية للمعالجة.

في الوقت نفسه، يبعث القرار برسالة خارجية مفادها أن الولايات المتحدة تعيد تعريف معايير الدخول، ليس فقط بناءً على الأهلية، بل على تصورات أوسع للأمن والاندماج والمخاطر المحتملة.

وهكذا، يتحول برنامج تأشيرة التنوع من أداة لفتح الأبواب إلى رمز لمرحلة انكماش هجرية، تعكس تحولات أعمق في رؤية واشنطن لدورها وحدودها في عالم متغير.

اليمنيون وبرنامج تأشيرة التنوع: مسار ضيق يتأثر بقرار واسع

بالنسبة لليمنيين، لا يُعد برنامج تأشيرة التنوع المسار الرئيسي للهجرة إلى الولايات المتحدة، لكنه كان خلال السنوات الماضية أحد المنافذ القليلة المتاحة خارج قنوات اللجوء ولمّ الشمل. فاليمن لا تُصنَّف ضمن الدول ذات التمثيل المرتفع في الهجرة إلى أمريكا، ما جعل مواطنيها مؤهلين نظرياً للمشاركة في قرعة البرنامج، وإن بنسبة فوز محدودة قياساً بحجم الطلب العالمي.

تعليق البرنامج لا يعني إغلاق باب كان مفتوحاً على مصراعيه أمام اليمنيين، لكنه يُغلق نافذة قانونية كانت تتيح الهجرة دون الحاجة إلى كفيل عائلي أو صاحب عمل، وهي شروط غالباً ما يصعب على اليمنيين تلبيتها بسبب ظروف الحرب والانقسام الاقتصادي وضعف الشبكات الرسمية في الخارج. بهذا المعنى، فإن الأثر ليس رقمياً بقدر ما هو بنيوي، إذ يُقلّص تنوع الخيارات القليلة أصلاً.

في المقابل، يظل المسار الأوسع لليمنيين نحو الولايات المتحدة مرتبطاً بملفات اللجوء والحماية الإنسانية، سواء عبر طلبات اللجوء المباشر أو برامج الحماية المؤقتة، إضافة إلى لمّ الشمل العائلي. غير أن هذه المسارات نفسها باتت أكثر تعقيداً وتشديداً في ظل السياسات الحالية، ما يجعل تعليق برنامج التنوع جزءاً من بيئة تضييق أشمل، لا قراراً معزولاً.

الأهم أن الخطاب الذي رافق تعليق البرنامج، والقائم على ربط الهجرة القانونية بمخاطر أمنية، قد ينعكس بشكل غير مباشر على نظرة المؤسسات الأمريكية إلى طلبات قادمة من دول تعيش نزاعات مسلحة مثل اليمن. فحتى دون استهداف اليمنيين صراحة، فإن تصاعد منطق “الأمننة” قد يؤدي إلى تدقيق أطول، وإجراءات أكثر صرامة، وتأخير في البت بالطلبات، ما يفاقم حالة عدم اليقين لدى طالبي الهجرة.

بهذا المعنى، فإن تأثير القرار على اليمنيين لا يظهر في أرقام فورية، بل في تضييق تدريجي لمساحة المناورة القانونية، وتحويل الهجرة إلى مسار أكثر كلفة وتعقيداً، في وقت لا تزال فيه الأوضاع الداخلية تدفع كثيرين للبحث عن مخارج آمنة خارج البلاد.

تعليق برنامج “الجرين كارد” عبر اليانصيب ليس مجرد استجابة لحادث أمني، بل تعبير عن تحوّل بنيوي في طريقة إدارة الهجرة في الولايات المتحدة. القرار يعكس انتقالاً من منطق الفرص المتساوية إلى منطق الشك الوقائي، ومن فلسفة التنوع إلى أولوية الأمن.

وبينما تسوّق الإدارة الخطوة باعتبارها إجراء حماية، فإن تداعياتها تمتد إلى إعادة رسم خريطة الهجرة القانونية، وفتح باب واسع لنقاش قانوني وسياسي حول حدود السلطة التنفيذية ومستقبل برامج الهجرة التاريخية.

في المحصلة، يبدو أن الهجرة الأمريكية تدخل مرحلة جديدة، عنوانها التضييق المنهجي لا الإلغاء الصريح، حيث تُعاد صياغة السياسات خطوة بخطوة، تحت ضغط الأحداث والخطاب الأمني، لا عبر نقاش تشريعي شامل.

زر الذهاب إلى الأعلى