ترامب يطالب بإقالة رئيس الفيدرالي “بأسرع وقت” والأخير يدافع عن الاستقلالية في مواجهة “صدمة التعريفات”

تجددت المواجهة المباشرة والمحتدمة بين الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” ورئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي) “جيروم باول”، حيث صعد ترامب من هجومه اللاذع اليوم الخميس، معتبراً أن إنهاء خدمة باول “لا يمكن أن يأتي بالسرعة الكافية”، وطالب البنك المركزي بخفض فوري لأسعار الفائدة.
تأتي هذه التصريحات النارية لتزيد الضغط على استقلالية الفيدرالي، في وقت حذر فيه “باول” من أن سياسات ترامب الجمركية نفسها قد تعرقل تحقيق أهداف البنك المركزي الثنائية المتمثلة في استقرار الأسعار والتوظيف الأقصى للاقتصاد الأمريكي.
وفي منشور حاد اللهجة على منصته “تروث سوشيال”، لم يكتف ترامب بالمطالبة برحيل باول، بل انتقد أداءه بشدة قائلاً إنه “دائماً ما يكون متأخراً ومخطئاً”، ووصف خطابه الأخير الذي ألقاه في شيكاغو بأنه “فوضى عارمة أخرى، ونموذجية!”.
وكرر دعوته لخفض الفائدة فوراً، معتبراً أن باول “كان يجب أن يخفض أسعار الفائدة، مثل البنك المركزي الأوروبي، منذ فترة طويلة”. وتأتي هذه التصريحات استمراراً لنهج ترامب في الضغط العلني والمباشر على الفيدرالي، وهو ما يشمل تهديداته السابقة بمحاولة إقالة باول، وهي خطوة محل نزاع قانوني يتعلق بسلطة الرئيس على الهيئات المستقلة وينظر حالياً أمام المحكمة العليا.
وحسب قراءة بقش، خفض البنك المركزي الأوروبي اليوم سعر الفائدة على الودائع بمقدار 25 نقطة أساس إلى 2.25%، وهو التخفيض السابع خلال عام واحد، في محاولة لتعزيز اقتصاد منطقة اليورو الذي يعاني من التأثيرات المتوقعة للرسوم الجمركية الأمريكية.
في المقابل، كان باول قد أكد، قبل يوم واحد فقط من تصريحات ترامب، على أهمية استقلالية البنك المركزي خلال كلمة له في النادي الاقتصادي بشيكاغو وفق متابعات بقش. وأمام حشد من كبار المديرين التنفيذيين، شدد باول على أن مبدأ الاستقلالية “مفهوم ومدعوم على نطاق واسع في واشنطن وفي الكونغرس حيث يهم حقاً”، متعهداً بتحديد مسار السياسة النقدية بمعزل عن الضغوط السياسية أو الاعتبارات الحزبية، وهو ما قوبل بتصفيق الحضور. كما أشار إلى أن الفيدرالي يراقب قضية المحكمة العليا لكنه لا يعتقد أن أي قرار سينطبق على البنك المركزي.
معضلة “صدمة التعريفات”
وفي تحذير ضمني موجه لسياسات الرئيس نفسه، نبه باول يوم أمس الأربعاء إلى أن الرسوم الجمركية التي تتبناها الإدارة قد تدفع التضخم والتوظيف بعيداً عن أهداف الفيدرالي. وأكد أن البنك المركزي، الذي أبقى أسعار الفائدة في نطاق 4.25%-4.50% منذ ديسمبر 2024 بعد توقف التقدم في إعادة التضخم إلى هدفه البالغ 2%، “في وضع جيد يسمح له بانتظار مزيد من الوضوح” بشأن التأثير الفعلي لهذه الرسوم قبل اتخاذ أي قرار.
وتضع سياسة الرسوم الجمركية، التي يصفها مسؤولو الفيدرالي الآن بأنها “صدمة” اقتصادية غير مسبوقة، البنك المركزي في معضلة حقيقية. فهذه السياسات قد ترفع الأسعار (مما يستدعي الحفاظ على سياسة متشددة أو حتى رفع الفائدة) وفي نفس الوقت تضر بالنشاط الاقتصادي ومعنويات السوق والتوظيف (مما قد يستدعي خفض الفائدة).
ونشرت وكالة رويترز اليوم استطلاع رأي اقتصادي اطلع “بقش” على نتائجه، جاء فيه أن سياسة الرسوم الجمركية الأمريكية ستؤدي إلى تباطؤ كبير في الاقتصاد الأمريكي هذا العام والعام المقبل مع اقتراب متوسط احتمال الركود في الأشهر الـ12 المقبلة من 50%، حيث إن “المعنويات ضعيفة بشكل لا يصدَّق في الوقت الحالي، وهذا يشير إلى أن الأسر متوترة للغاية بشأن الإنفاق، والأسعار والوظائف والثروة كلها تتحرك ضد المستهلك وهذا مزيج سام جداً لنمو الإنفاق الاستهلاكي في المستقبل”.
مستقبل غامض وعلاقة متوترة بين أقطاب الدولة الأمريكية
وينعكس هذا الارتباك في نقاشات داخل الفيدرالي، حيث يخشى بعض صناع السياسة تأثيراً سلبياً سريعاً على الوظائف ويلمحون للاستعداد لخفض الفائدة بسرعة، بينما يقلق آخرون من أن تؤدي التعريفات إلى انفلات توقعات التضخم على المدى الطويل وتجبر البنك على تشديد أكبر في المستقبل.
ومع انتهاء ولاية باول الحالية رسمياً كرئيس لمجلس الاحتياطي الفيدرالي في مايو 2026، يبقى الغموض حول ما إذا كان ترامب يأمل في قرار من المحكمة العليا يمنحه سلطة إقالة باول قبل هذا الموعد، أم أنه عبّر عن إحباطه الشديد مع التسليم بانتظار نهاية الولاية. وفي كل الأحوال، فإن هذا الصدام المستمر يسلط الضوء على التوتر الكامن بين السلطة التنفيذية والبنك المركزي المستقل، خاصة في أوقات عدم اليقين الاقتصادي والسياسات التجارية المثيرة للجدل.