ترامب يعلن رسوماً جمركية جديدة تطال الحلفاء والخصوم: العالم يترقب ارتدادات اقتصادية كبرى

الاقتصاد العالمي | بقش
أعاد الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” إشعال فتيل التوترات التجارية العالمية بإعلانه المفاجئ عن فرض رسوم جمركية شاملة جديدة على معظم دول العالم، في خطوة اعتبرها “تصحيحاً تاريخياً لاختلالات التجارة”، بينما وصفها مراقبون بأنها مقامرة خطيرة تهدد بتقويض سلاسل الإمداد العالمية وتعميق الضغوط التضخمية.
وبحسب البيان الرسمي للبيت الأبيض، فإن الولايات المتحدة ستبدأ اعتباراً من 07 أغسطس بفرض رسوم جمركية بنسبة 10% على واردات السلع من الدول التي تحقق فائضاً تجارياً معها، و15% على واردات من حوالي 40 دولة تعاني معها عجزاً تجارياً، في حين تواجه دول مثل البرازيل وسويسرا تعريفات تصل إلى 50% و39% على التوالي.
صدمة لحلفاء تقليديين.. وردود أفعال غاضبة
المفاجأة لم تكن فقط في النطاق الواسع للرسوم، بل في شمولها لحلفاء اقتصاديين رئيسيين مثل كندا واليابان وسويسرا، إضافة إلى عدد من الدول العربية بينها العراق وسوريا وليبيا والجزائر وتونس والأردن، والتي فرضت عليها رسوم تراوحت بين 15% و41%.
وفي منشور على منصته “Truth Social”، اعتبر ترامب أن هذه الخطوة ستجعل “أمريكا عظيمة وغنية مرة أخرى”، بينما دافع البيت الأبيض عن الإجراء باعتباره “خطوة نحو المعاملة بالمثل والعدالة”.
لكن ردود الأفعال لم تتأخر، حيث أبدى رئيس الوزراء الكندي مارك كارني خيبة أمله، وهدد باتخاذ إجراءات مضادة لحماية الوظائف والصناعات الكندية، مشيراً إلى أن الرسوم الأمريكية “ستؤثر بشكل كبير على الأخشاب والصلب والألمنيوم والسيارات”.
أما الحكومة السويسرية فقد وصفت الخطوة بأنها “صادمة وغير مفهومة”، وقالت إن الرسوم تتجاوز بكثير ما تم التفاوض عليه سابقاً، محذرة من تأثيرات مباشرة على عشرات آلاف الوظائف في قطاعات الأدوية والهندسة الدقيقة.
ويشير مراقبون إلى أن نظام الرسوم الجديد هو الأعلى منذ قانون “سموت-هاولي” في 1933، والذي يُتهم بالمساهمة في تعميق الكساد الكبير.
وقد بدأت الأسواق العالمية تظهر بوادر اضطراب، وسط مخاوف من تحوّل الإجراءات إلى حرب تجارية شاملة تقوّض استقرار الاقتصاد العالمي الهش أصلاً.
وفي حين يربط ترامب مراراً هذه الإجراءات بأهداف الأمن القومي، حذّر محللون من أن المستهلك الأمريكي سيكون المتضرر الأكبر، حيث ستنعكس الرسوم على أسعار السلع المستوردة، وستقلّص المنافسة وتضعف وتيرة الابتكار داخل السوق الأمريكية.
الشرق الأوسط في دائرة الاستهداف.. والتداعيات قد تتجاوز الاقتصاد
ضمن القائمة، جاءت ست دول عربية بين المتأثرين المباشرين، أبرزها سوريا والعراق وليبيا، مع نسب تعريفات تصل إلى 41%. وتشير تقديرات أولية إلى أن هذه الخطوة قد تفاقم التحديات الاقتصادية القائمة في المنطقة، وتدفع بمزيد من الضغوط على أسعار المواد الأساسية، في ظل تراجع القدرة الشرائية وارتفاع البطالة.
وبحسب محللين، فسياسة ترامب هذه لا تُبنى على أسس اقتصادية مستدامة، بل على تصعيد تكتيكي قد يرتد سريعاً، خصوصاً إذا تسببت في انكماش عالمي أو فجّرت ردود فعل انتقامية من القوى الاقتصادية الكبرى.
يبدو أن الإدارة الأميركية تراهن مجدداً على “سياسة الضغط الأقصى” في ملف التجارة، لكن استخدام الرسوم الجمركية كأداة دبلوماسية شاملة يتجاهل التجربة التاريخية التي أثبتت أن هذه السياسات غالباً ما تُفضي إلى نتائج عكسية. فزيادة التكاليف على المستهلك الأمريكي، وتعقيد حركة الإمدادات، وتآكل الثقة مع الشركاء التجاريين قد يضرب القطاعات الصناعية الأمريكية نفسها، لا سيما في الصناعات المعتمدة على المواد الأولية المستوردة.
في المقابل، فإن الرسالة التي ترسلها واشنطن عبر هذا النهج تبدو أقرب إلى الإكراه الاقتصادي منها إلى التفاوض المتكافئ، وهو ما قد يدفع عدداً متزايداً من الدول –حتى الحليفة منها– للبحث عن بدائل استراتيجية تبعدها عن الاعتماد المفرط على السوق الأمريكية، سواء في التصدير أو في العلاقات المالية، وهو تحوّل قد لا تكون نتائجه فورية، لكنه يفتح الباب لتغيّرات بنيوية في الاقتصاد العالمي على المدى المتوسط.