تقارير
أخر الأخبار

ترامب يلمّح للتفاوض مع فنزويلا وسط تصعيد أمريكي يستهدف إسقاط حكومة مادورو

تقارير | بقش

تتجه واشنطن نحو تصنيف ما تسميه “كارتل دي لوس سوليس” — الذي تزعم أن الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو يقوده — كمنظمة إرهابية أجنبية، في خطوة تُعيد إحياء استراتيجية واشنطن التقليدية القائمة على استخدام ملف “الإرهاب” كذريعة للتدخل وإعادة تشكيل الأنظمة غير الخاضعة لها. ورغم أن القرار سيُصبح نافذًا في 24 نوفمبر، فإن الحضور العسكري الأمريكي في البحر الكاريبي سبق القرار نفسه، مع حشد مكثّف لسفن قتالية ضمن تحركات أثارت تساؤلات حول نوايا واشنطن الحقيقية.

وترافق التصنيف مع استمرار الولايات المتحدة في تنفيذ ضربات مميتة على قوارب تقول إنها تستخدم في عمليات تهريب المخدرات، قُتل فيها نحو 80 شخصًا خلال شهرين. هذه العمليات لم تُفسّر باعتبارها “حربًا على الجريمة” وحسب، بل كعمل تمهيدي يهدف لتهيئة بيئة سياسية وأمنية تُبرّر أي تحرك عسكري أكبر ضد فنزويلا.

ورغم أن واشنطن اعتادت منذ سنوات توظيف ملف المخدرات والإرهاب كذريعة للتدخل في أمريكا اللاتينية، فإن تركيزها المفاجئ على “كارتل” تقول إن مادورو يقوده ينسجم مع محاولاتها المستمرة لعزل الحكومة الفنزويلية وتقييد تحركاتها سياسيًا واقتصاديًا.

ويستند القرار إلى سردية واضحة: تصعيد قانوني، ثم تضخيم إعلامي، ثم موقف عسكري “احتياطي” على مقربة من السواحل الفنزويلية. هذا النمط تكرّر في تجارب أمريكية عديدة سابقة ضد حكومات معارضة لنفوذها، ما يعزز الاتهامات بأن الخطوة الحالية تحمل بُعدًا جيوسياسيًا يتجاوز بكثير مسألة “مكافحة الإرهاب”.

تهديدات من واشنطن… وتلميح من ترامب للتفاوض

على الرغم من التصعيد الذي تقوده المؤسسات الأمريكية، خرج الرئيس دونالد ترامب بتصريح بدا أكثر ليونة، عندما قال إن “الحكومة الفنزويلية ترغب في محادثات مع واشنطن”، مضيفًا: “قد نجري بعض المحادثات مع مادورو”. هذا التناقض بين الخطاب الأمني الصلب وبين حديث ترامب عن التفاوض يعكس أحد أهم ملامح السياسة الأمريكية: الضغط من جهة، وباب خلفي للتفاوض من جهة أخرى.

وتاريخيًا، استخدمت واشنطن هذا الأسلوب مع دول عديدة؛ ابتزاز سياسي عبر العقوبات والاتهامات أولًا، ثم مفاوضات تحت شروط أمريكية ثانيًا. ورغم استمرار الاتهامات ضد حكومة مادورو، لا تُغلق واشنطن باب التفاوض إطلاقًا، بل تحرص على إبقائه مفتوحًا عندما يتصل الأمر بتحقيق مكاسب سياسية تخدم مصالحها في أمريكا اللاتينية.

التلويح بالمحادثات يأتي أيضًا في ظل رغبة واشنطن في الحفاظ على القدرة على إعادة صياغة الوضع في فنزويلا دون اللجوء المباشر إلى الخيار العسكري، الذي لا يزال مطروحًا رغم أنه يحمل تكلفة عالية.

ويبدو ترامب نفسه مترددًا في إظهار القرار الحقيقي، إذ قال: “اتخذت قراري نوعًا ما”، وهي عبارة تحمل في طياتها استراتيجية أمريكية معروفة تقوم على الإبهام المتعمّد قبل أي خطوة كبرى.

واشنطن توسّع الاتهامات لتبرير خططها الإقليمية

لم تكتف الولايات المتحدة بتصنيف “كارتل دي لوس سوليس”، بل ربطت بينه وبين كبار المسؤولين في الحكومة الفنزويلية، حيث قال وزير الخارجية ماركو روبيو إن “مادورو ومن حوله لا يمثلون حكومة شرعية”. هذا الخطاب يتكرر دائمًا قبل تحركات أمريكية كبرى، إذ يجري أولًا نزع الشرعية عن الحكومة المستهدفة تمهيدًا لمحاصرتها سياسيًا وجعل أي خطوة ضدها “مبررة”.

كما أشارت واشنطن إلى أن التنظيم المصنّف حديثًا بات في مرتبة مماثلة لتنظيمَي “القاعدة” و”داعش”، وهي مقارنة تُعد تمهيدًا معتادًا قبل فرض عقوبات أعمق أو استخدام القوة العسكرية. ويعزز هذا التصنيف قدرة واشنطن على مصادرة الأموال، فرض القيود، ومنع السفر، وهو ما يصب في مسارها المستمر لخنق الاقتصاد الفنزويلي.

ويأتي هذا في سياق أمريكي طويل يقوم على تصوير الحكومات المعارضة لها — كفنزويلا وكوبا ونيكاراغوا سابقًا — كتهديدات أمنية وليست كيانات سياسية ذات سيادة. هذا النهج مكّن الولايات المتحدة من تبرير تدخلات عسكرية واقتصادية واسعة على مدى عقود.

وتواصل واشنطن انتهاج الخطاب نفسه حتى مع غياب أدلة جديدة، وهو ما أكده الدبلوماسي براين نيكولز حين قال إن “التصنيف مسيّس أكثر مما هو قائم على معلومات جديدة”، في إشارة واضحة إلى أن الإجراءات الأمريكية الحالية ليست سوى خطوة ضمن خطة سياسية أوسع.

تمهيد لعمل عسكري أم ضغط لانتزاع تنازلات؟

مع دخول مجموعة قتالية أمريكية بقيادة حاملة الطائرات الأكبر في العالم “جيرالد آر. فورد” إلى البحر الكاريبي، يتزايد الحديث عن سيناريوهات مفتوحة قد تشمل عملاً عسكريًا محدودًا، أو حملة استنزاف طويلة، أو حتى عملية أكبر تُشبه ما قامت به واشنطن في دول أخرى بالمنطقة.

الوجود العسكري الأمريكي المكثف أمام سواحل أمريكا الجنوبية ليس مجرد “استعراض قوة”، بل يشير إلى استعدادات ميدانية قد تُستخدم في أي لحظة، خصوصًا إذا قررت واشنطن تصعيد ملف “الإرهاب” كغطاء لتدخل مباشر. وهذه ليست المرة الأولى التي تُحرك فيها الولايات المتحدة أساطيلها قبل اتخاذ قرار سياسي كبير.

وفي ظل الانقسام السياسي داخل الولايات المتحدة حول كيفية التعامل مع حكومة مادورو، يبدو أن إدارة ترامب تستخدم ملف المخدرات كأداة ضغط، ضمن محاولة لعزل فنزويلا ومحاصرتها حتى تقبل بشروط تفاوضية محددة. هذا الأسلوب استخدمته واشنطن سابقًا في العراق، ليبيا، وبنما.

ورغم أن واشنطن تصرّ على أن الهدف هو “وقف تهريب المخدرات”، فإن مراقبين يرون أن الهدف الحقيقي هو إعادة تشكيل الخريطة السياسية في أمريكا اللاتينية بما يتوافق مع المصالح الأمريكية، خصوصًا مع صعود حكومات يسارية متحالفة مع مادورو.

زر الذهاب إلى الأعلى