ترامب ينتزع السيطرة على “تيك توك” الأمريكي بصفقة قيمتها 14 مليار دولار.. خطوة تعيد تشكيل العلاقة مع الصين

الاقتصاد العالمي | بقش
في خطوة تعكس التحول الجذري في سياسة التكنولوجيا والاقتصاد بين الولايات المتحدة والصين، وقّع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمراً تنفيذياً يمهّد الطريق لصفقة استحواذ بقيمة 14 مليار دولار على عمليات منصة “تيك توك” داخل الولايات المتحدة.
الصفقة التي ستُدار من قبل تحالف مستثمرين أمريكيين، ستنقل السيطرة على أحد أهم التطبيقات الاجتماعية في العالم من شركة “بايت دانس” الصينية إلى مشروع أمريكي جديد، وسط تدقيق سياسي واقتصادي غير مسبوق.
الأمر التنفيذي الصادر من البيت الأبيض يؤكد أن الصفقة تتماشى مع قانون 2024، الذي يُلزم الشركة المالكة الصينية بالتخلي عن السيطرة على عمليات “تيك توك” داخل أمريكا، وإلا فسيتم حظر التطبيق بالكامل.
ووفقاً لتصريحات ترامب التي تابعها بقش، تم الحصول على “الضوء الأخضر” من الرئيس الصيني شي جين بينغ لإتمام الصفقة، في خطوة تمثل – من الناحية السياسية – تنازلاً نادراً من بكين أمام الضغط الأمريكي المتصاعد في ملف التكنولوجيا.
الصفقة تأتي في وقت حساس، إذ تسعى واشنطن إلى إعادة هيكلة علاقتها الرقمية مع الصين، عبر فرض سيطرة كاملة على الخوارزميات وقواعد البيانات، بينما تواجه بكين ضغوطاً متزايدة في ظل الحرب التجارية والتكنولوجية التي تصاعدت خلال العامين الماضيين.
نقل السيطرة إلى مستثمرين أمريكيين وتقليص نفوذ الصين
بموجب الصفقة التي اطلع بقش على تفاصيلها، ستتحول عمليات “تيك توك” في الولايات المتحدة إلى كيان جديد مملوك لمستثمرين أمريكيين، مع تقليص حصة “بايت دانس” إلى أقل من 20%. وتلعب شركة “أوراكل” دوراً محورياً في العملية، حيث ستتولى تأمين بيانات المستخدمين الأمريكيين ضمن بنية تحتية سحابية مغلقة داخل الولايات المتحدة، إلى جانب إعادة تدريب خوارزمية التوصية الشهيرة للتطبيق من الصفر تحت إشرافها الكامل.
الصفقة لا تقتصر على الجانب التقني فحسب، بل تحمل أبعاداً اقتصادية ضخمة. إذ من المتوقع أن تبلغ قيمة المشروع الأمريكي الجديد نحو 14 مليار دولار، وهو رقم يقل كثيراً عن التقديرات السابقة التي تراوحت بين 35 و40 مليار دولار وفق مراجعة بقش.
هذا التراجع في التقييم يعكس حالة عدم اليقين المتعلقة بتكنولوجيا الخوارزميات وإمكانية فصلها بالكامل عن البنية الصينية، وهو ما يشكل تحدياً جوهرياً للمستثمرين.
وتجري حالياً محادثات بين “أوراكل” وشركات استثمارية من بينها “سيلفر ليك مانجمنت” و”MGX” الإماراتية لتشكيل تحالف شراء يمنحهم أغلبية مجلس الإدارة. غير أن المفاوضات لا تزال حساسة، خصوصاً في ظل الشروط القانونية الصارمة التي يفرضها قانون الأمن القومي الأمريكي.
اختبار سياسي في الكونغرس
ورغم توقيع الأمر التنفيذي، فإن الطريق أمام الصفقة ليس مفروشاً بالورود. فالمشرّعون في الكونغرس الأمريكي، من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، أعلنوا نيتهم التدقيق بدقة في تفاصيل الاتفاق، خصوصاً ما يتعلق بإنهاء نفوذ “بايت دانس” على الخوارزمية، وضمان فصل كامل بين النسخة الأمريكية والنسخة الصينية للتطبيق.
النائب راجا كريشنامورثي، كبير الديمقراطيين في لجنة الحزب الشيوعي الصيني في مجلس النواب، قال في بيان: “في حال التوصل إلى اتفاق نهائي، يجب أن يطّلع الكونغرس على كل التفاصيل”.
بينما أكد نظيره الجمهوري جون مولينار أنه سيجري مناقشات موسعة مع الأطراف المعنية لضمان توافق الصفقة مع متطلبات قانون 2024. هذا التدقيق السياسي يعكس حجم التوتر المحيط بالصفقة، ويؤكد أن ملف “تيك توك” أصبح جزءاً من معادلة النفوذ الاستراتيجي بين واشنطن وبكين.
إعادة تدريب الخوارزمية… قلب الصفقة
واحدة من أكثر النقاط حساسية في الاتفاق تتمثل في الخوارزمية التي تشكل جوهر نجاح “تيك توك”. فوفقاً لمسؤولين أمريكيين، سيُعاد تدريب الخوارزمية بالكامل في الولايات المتحدة، بإشراف شركة “أوراكل”، لضمان عدم وجود أي تأثير أو اختراق من جهات أجنبية.
وستُخزن جميع بيانات المستخدمين الأمريكيين في سحابة آمنة تديرها “أوراكل”، مع تطبيق ضوابط صارمة تمنع وصول الصين إليها.
هذا الترتيب يكرر إلى حد كبير ما عُرف باسم “مشروع تكساس” الذي اقترحته “تيك توك” عام 2022 لمحاولة تهدئة مخاوف إدارة بايدن، لكنه قوبل بالرفض في ذلك الوقت.
اليوم، ومع عودة ترامب إلى واجهة القرار، يُعاد طرح المشروع ولكن هذه المرة بصيغة أكثر صرامة، وبغطاء قانوني وتنفيذي واضح.
أبعاد اقتصادية واستراتيجية أعمق
ورغم أن الصفقة تبدو في ظاهرها صفقة تجارية – استثمارية، فإن أبعادها الحقيقية أعمق بكثير. فهي تعكس رغبة الإدارة الأمريكية في فرض سيطرة كاملة على البنية التحتية الرقمية التي يستخدمها عشرات الملايين من الأمريكيين يومياً، والتأكد من أنها لا تخضع لأي نفوذ صيني.
كما أنها تشكل اختباراً للعلاقات الثنائية بين واشنطن وبكين، التي تشهد توتراً متصاعداً في ملفات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي وسلاسل التوريد. وفي المقابل، تحاول الصين أن تبدو متعاونة ظاهرياً لتفادي تصعيد إضافي في الحرب التجارية، خصوصاً في ظل الضغوط الاقتصادية الداخلية التي تواجهها.
الصفقة تمنح الجانبين فرصة لإعادة ضبط العلاقة في مجال التكنولوجيا وفق قراءة بقش، لكنها في الوقت نفسه تفتح الباب أمام مواجهة سياسية داخلية في واشنطن، وربما أمام ردود فعل صينية غير متوقعة.
وإذا ما تمت بنجاح، فإنها ستشكل سابقة يمكن أن تُستخدم كنموذج في ملفات أخرى تتعلق بالشركات الصينية العاملة في السوق الأمريكية، مثل “وي تشات” وتطبيقات الذكاء الاصطناعي القادمة.
في المحصلة، لا يتعلق الأمر بتطبيق ترفيهي بقدر ما يتعلق بسباق السيطرة على البيانات والخوارزميات، أي على القوة الناعمة الجديدة للعصر الرقمي.