
نفّذ الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” اليوم الثلاثاء تهديده بفرض رسوم جمركية شاملة على المنتجات الواردة من كندا و المكسيك، وضاعف الرسوم المفروضة على الصين، وهو ما أحدث ردود فعل انتقامية سريعة من شأنها دفع الاقتصاد العالمي نحو حرب تجارية.
فُرضت رسوم جمركية أمريكية على الواردات من كندا والمكسيك بنسبة 25%، وزادت الرسوم على الصين بنسبة 20% على المنتجات الواردة إلى أمريكا بقيمة تصل إلى 1.5 تريليون دولار سنوياً.
وبمجرد بدء فرض الرسوم، انخفضت عملتا الدولار الكندي والبيزو المكسيكي إلى أدنى مستوى لهما في شهر، حيث سجلت عملة كندا 1.4508 دولار، وسجلت عملة المكسيك انخفاضاً بأكثر من 0.5% إلى 20.821 مقابل الدولار، ومقابل ذلك استقر اليوان الصيني، ونزل اليورو إلى مستوى 1.04795 دولار وفق متابعات بقش، كما هبط الجنيه الإسرتليني بنسبة 0.12% إلى مستوى 1.268 دولار.
ويُعتقد أن الرسوم الجمركية الأمريكية على نطاقها الواسع ستفاقم التضخم، وهو ما زاد الإقبال على الذهب باعتباره ملاذاً آمناً. وقد يؤدي التضخم إلى الإبقاء على أسعار الفائدة مرتفعة لفترة أطول، ما سيؤثر سلباً على جاذبية الذهب الذي لا يدر عائداً.
هذا وقامت إدارة ترامب بتأجيل إزالة ما يُسمى بإعفاء “الحد الأدنى” للسلع منخفضة التكلفة حتى وضع خطة لجمع الإيرادات المتحصلة من الشحنات (من كندا والمكسيك)، ويعني ذلك أنه يمكن للكنديين والمكسيكيين الاستمرار حالياً في شحن السلع منخفضة التكلفة عبر الحدود دون تعريفة جمركية.
رسوم مضادة ولهجة حادة.. كيف ردّت الدول؟
على نحو انتقامي، أعلنت الصين بعد فرض الرسوم الأمريكية بدقائق، أنها ستفرض رسوماً جمركية إضافية تتراوح بين 10% و15% على بعض الواردات الأمريكية اعتباراً من 10 مارس الجاري، وتشمل الواردات مجموعة من المنتجات الزراعية والغذائية الأمريكية. كما وضعت الصين 25 شركة أمريكية تحت قيود تصديرية واستثمارية.
كما حظرت الصين استيراد معدات تحليل التسلسل الجيني التي تنتجها شركة “إيلومينا” (Illumina) الأمريكية، وهو أحد أكثر الإجراءات صرامةً التي اتخذتها بكين ضد شركة أجنبية، في إطار سلسلة من التدابير الانتقامية رداً على الرسوم الجمركية الأمريكية. ويشار إلى ذلك حالياً بأنه يفاقم الأزمات التي تواجهها الشركة الأمريكية في إحدى أكبر أسواقها.
من جهتها قالت كندا إن الرسوم الأمريكية “شيء غبي للغاية” وأعلنت عن فرض رسوم جمركية فورية -كمرحلة أولى- بنسبة 25% بقيمة 30 مليار دولار كندي (أكثر من 20.6 مليار دولار أمريكي) على المصدرين الأمريكيين، وستستهدف واردات أمريكية أخرى بأكثر من 86 مليار دولار أمريكي في غضون 21 يوماً، وستكون هذه الرسوم -في المرحلة الثانية- على قائمة من السلع مرتفعة الثمن، كالسيارات والشاحنات والصلب والألمنيوم.
ويُنظر إلى أن الاقتصاد الكندي يتجه إلى أول انكماش له منذ جائحة كورونا في حال استمرار حرب الرسوم الجمركية مع الولايات المتحدة لفترة طويلة، حيث يتوقع اقتصاديون وفق اطلاع بقش أن الرسوم الأمريكية على كندا ستخفض ما بين 2 إلى 4 نقاط مئوية من نمو الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.
وتنطبق الرسوم الأمريكية على كافة المنتجات الواردة من كندا باستثناء شحنات الطاقة الكندية التي ستخضع لضريبة بنسبة 10%.
أما المكسيك فتعهدت بفرض رسوم جمركية وإجراءات أخرى، يوم الأحد المقبل، رداً على الرسوم الجمركية الأمريكية بنسبة 25% على البضائع القادمة من الأراضي المكسيكية، وهو ما يزيد من توتر العلاقات بين الشريكين التجاريين.
وتمتد المخاوف إلى الدول الأخرى، مثل بريطانيا التي ترى أنها ستتضرر حتى إذا لم تُنفذ رسوم جمركية عليها. حيث قالت إنها تريد التوصل إلى اتفاق تجاري مع الولايات المتحدة لتجنب فرض رسوم تجارية محتملة، محذرةً من أن لندن ستتأثر من الرسوم المفروضة على دول أخرى “حتى لو لم يتم تطبيق الرسوم على المملكة المتحدة فإننا سوف نتأثر بتباطؤ التجارة العالمية وتباطؤ نمو الناتج المحلي الإجمالي”، مضيفةً: “سيتعين على الجانبين الأخذ والعطاء” وفق وزارة المالية البريطانية.
إعادة تشكيل الوضع الأمريكي
تقول تقارير طالعها بقش إن تحركات ترامب توحي بإعادة تشكيل وضع أمريكا اقتصادياً ودبلوماسياً على مستوى العالم، بغرض ما يصفها ترامب مواجهة التجارة غير المتوازنة.
وحسب رؤية “جارسيا هيريرو” كبيرة خبراء الاقتصاد في منطقة آسيا والمحيط الهادئ في “ناتيكسيس”، فإنّ هذا العصر “عصر جديد يسيطر فيه شعار حماية الأسواق، والولايات المتحدة تقود هذا التوجه”، معتبرةً أن الصين ترد باستهداف قطاع الزراعة الذي يمثل العاملون فيه أكثر الناخبين إخلاصاً لترامب.
وهذه الرسوم الجمركية -حسب مختبر الميزانية في جامعة ييل الأمريكية- سترفع الرسوم المفروضة على الواردات إلى أمريكا لأعلى مستوى لها منذ عام 1943، وذلك سيؤدي إلى تكاليف إضافية تبلغ 2000 دولار ستتحملها الأسر الأمريكية نفسها.
كما سيحدث تباطؤ كبير في النمو الاقتصادي للولايات المتحدة بسبب الإجراءات الانتقامية من الدول.
وكان ترامب قال إن هناك المزيد من الرسوم الجمركية في الطريق بما فيها رسوم متبادلة في أبريل المقبل، على كافة الشركاء التجاريين الذين يفرضون رسوماً أو يضعون حواجز على المنتجات الأمريكية، في إشارة إلى دول الاتحاد الأوروبي.
فهناك تعريفة بنسبة 25% قيد الإعداد ضد الاتحاد الأوروبي وفقاً لترامب الذي يدرس فرض رسوم على واردات النحاس والأخشاب.
كما ستدخل رسوم الصلب والألمنيوم حيز التنفيذ في 12 مارس الجاري، وذلك سيؤثر بشكل أكبر على الجارتين، كندا والمكسيك.
وتفرض أمريكا رسومها على جارتيها بحجة فشل الدولتين في اعتقال المتاجرين بالمخدرات أو مصادرتها أو التنسيق مع سلطات إنفاذ القانون الأمريكية، مما يشكل تهديداً غير عادي واستثنائي لأمن أمريكا وفقاً لإدارة ترامب. وهذه الإجراءات تضع مصير اتفاقية التجارة التي تَفاوَضَ عليها ترامب مع كندا والمكسيك خلال ولايته الأولى في مصير غامض، فضلاً عن كونها تخاطر بإجهاد الاقتصاد الأمريكي وإعادة اندلاع التضخم.
قدرة الصين على الاحتمال
رغم الرد الصيني الفوري على الرسوم الجمركية الأمريكية، واستهداف سلع أمريكية مثل فول الصويا ولحوم البقر والفواكه بنسبة 10%، إلا أن خبراء اقتصاد يرون أن بكين تتعامل مع الموقف بكثير من التروي والتقدير وحسبان الأمور.
لين سونغ، كبيرة الاقتصاديين في بنك “آي إن جي”، قالت إن الإجراءات مازالت محسوبة نسبياً في الوقت الحالي، مضيفةً أن هذا الإجراء الانتقامي (الصيني) يُظهر أن الصين بالأساس مازالت صبورة وتمتنع عن قلب الطاولة على الولايات المتحدة.
إلى ذلك لا يُعرف إلى أين ستصل درجة الحرب التجارية المفتعلة من جانب ترامب، فبينما تترقب الأسواق التأثيرات المستمرة للحرب، لاتزال المخاوف مسيطرة على المنطقة الأوروبية، في حين تتلاشى الأواصر التجارية شيئاً فشيئاً بين أمريكا وجارتيها كندا والمكسيك، وتتحدى الصين أية إجراءات أمريكية، مما يزيد من وتيرة المخاوف من تأثيرات سلبية عالمية تطغى على المشهد الاقتصادي برمّته.