الاقتصاد العربي
أخر الأخبار

تعهدات بـ5.8 مليارات يورو لإعمار سوريا.. وتحذيرات من فجوة تمويلية وتعقيدات سياسية

في مؤتمر للاتحاد_الأوروبي ببروكسل، التزمت دول مانحة، أمس الإثنين، بتقديم 5.8 مليار يورو لدعم إعادة إعمار سوريا، في خطوةٍ تهدف لتعويض التراجع الحاد في التمويل الدولي بعد تعليق واشنطن مساعداتها.

ورغم أن المبلغ يقل بنحو 23% عن تبرعات عام 2023 (7.5 مليار يورو) وفق مراجعات بقش، وصف الاتحاد الأوروبي المؤتمر بأنه “فرصة أخيرة” لإنقاذ اقتصادٍ مُنهك، حيث تُشير تقديرات الأمم المتحدة إلى حاجة البلاد لنصف قرن على الأقل للعودة إلى مستويات ما قبل 2011.

واقع مأسوي: 16.5 مليون سوري في حاجة ماسة

تُظهر الأرقام الصادمة حجم الكارثة الإنسانية: 16.5 مليون شخص يعتمدون على المساعدات، بينهم 12.9 مليون يواجهون انعدام الأمن الغذائي.

في هذا السياق، حذّر مسؤولون أوروبيون من أن نظام المساعدات العالمي “فقد إحدى ركيزتيه” بعد انسحاب الولايات المتحدة، التي كانت تُغطي 40% من الاحتياجات حتى 2023. وتأمل بروكسل تعويض الفجوة عبر دعم دول عربية، رغم غياب التزامات ملموسة منها خلال المؤتمر.

وفي المؤتمر التاسع المعني بسوريا، والذي شهد حضور وزير الخارجية السوري لدى الإدارة الجديدة “أسعد الشيباني”، أعلنت ألمانيا زيادة مساعداتها بـ300 مليون يورو. لكن التصريح الأبرز جاء من كايا كالاس، الممثلة العليا للاتحاد للشؤون الخارجية، التي دعت إلى “تخفيف العقوبات تدريجياً” بالتزامن مع الدعم الإقليمي للإدارة الجديدة، في إشارةٍ لمفاوضات مع دول الجوار لاستئناف إمدادات الطاقة.

تعقيدات سياسية: عقوبات مشروطة ورفض فرنسي

أكد دبلوماسيون أوروبيون أن رفع العقوبات –الذي بدأ في فبراير المنصرم– مرهون بوقف العنف الطائفي، مستذكرين أحداث السادس من مارس الدامية في الساحل السوري.

من جهتها، عارضت فرنسا أي تخفيف إضافي ما لم تُحاسب الجهات المُتورطة، فيما نوّهت بروكسل إلى أن إعادة الإعمار لن تُكرس شرعية النظام دون ضمانات انتقال سياسي.

إلى ذلك، يُعيد الانسحاب الأمريكي تشكيل خريطة المانحين، حيث تتحمل أوروبا العبء الأكبر وسط ركود اقتصادي محلي.

ويحذر الخبراء من أن الاعتماد على دول الخليج وشرق آسيا –التي كانت ترفض غالباً تمويل مشاريع تحت سيطرة نظام بشار الأسد– قد لا يُغطي الفجوة، خاصة مع تراجع التمويل العالمي بنسبة 65% مقارنة بالاحتياجات الفعلية.

إشكالية الشراكة مع دمشق: بين الإعمار والشرعية

محللون سياسيون شددوا على أن التعاون مع إدارة دمشق الجديدة دون إصلاحات حوكمية سيُعيد إنتاج الأسباب الجذرية للأزمة، ويعزز شبكات الفساد التي غذت الصراع.

التعهدات الأوروبية أظهرت تركيزاً على البنى التحتية، لكن استمرار الاحتلال التركي في الشمال والإسرائيلي في الجنوب يعقد تنفيذ المشاريع.

ويشير مراقبون إلى أن المناطق الخارجة عن سيطرة النظام الجديد قد تُحرم من معظم المساعدات، مما يُحوّل المعونات إلى أداة للصراع بالوكالة.

وحسب البنك الدولي، خسرت سوريا 40% من كوادرها الصحية و60% من طاقتها التعليمية منذ 2011. كما يحذر الخبراء من أن كل تأخير في الإعمار يزيد هجرة الكفاءات ويُعمق التدهور الديموغرافي، مما يجعل “نافذة الفرص” التي ذكرها الاتحاد الأوروبي أضيق من أي وقتٍ مضى.

المؤتمر كشف تناقضات الموقف الغربي؛ فبينما تُصر بروكسل على ربط المساعدات بالإصلاحات، تدفع الحاجة الملحة إلى التعامل مع واقع النظام القائم. السؤال الذي يلوح في الأفق: هل تُشكل التعهدات الجديدة بداية انفراجة أم مجرد مسكّنٍ مؤقت لأزمةٍ إنسانية وسياسية لا تُحتمل؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى