الاقتصاد العالمي
أخر الأخبار

تفاؤل ينعش الأسواق.. هذه تفاصيل إطار الاتفاق التجاري بين أمريكا والصين

الاقتصاد العالمي | بقش

بعد أشهر من التوترات التجارية الحادة بين الولايات المتحدة والصين، وما رافقها من تهديدات متبادلة بالرسوم الجمركية والعقوبات الاقتصادية، عاد التفاؤل إلى الواجهة مع الإعلان عن “إطار عمل لاتفاق تجاري جديد” بين القوتين الاقتصاديتين الأكبر في العالم.

هذا الاتفاق الذي أُعد في كوالالمبور خلال قمة رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، يمثّل تطوراً مهمًا في مسار العلاقات الاقتصادية، ويضع حداً مؤقتاً للتصعيد الذي كاد يشعل حرباً تجارية شاملة كانت تهدد سلاسل الإمداد العالمية، وأسعار المعادن النادرة، وتطبيقات التكنولوجيا مثل تيك توك وفق متابعة بقش لهذا الملف.

ملامح الاتفاق: تهدئة متبادلة وتنازلات محسوبة

شارك في إعداد إطار الاتفاق كبار المسؤولين من الجانبين، بينهم لي تشنج جانج كبير المفاوضين التجاريين الصينيين، ووزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت، والممثل التجاري الأمريكي جيمسون غرير، حيث أُعلن بعد الاجتماع عن التوصل إلى توافق مبدئي بشأن مجموعة من القضايا الحيوية، أهمها الرسوم الجمركية والمعادن النادرة.

كان ترامب قد هدد بفرض رسوم جمركية بنسبة 100% على السلع الصينية بدءاً من 01 نوفمبر، رداً على توسع بكين في ضوابط تصدير المعادن الاستراتيجية.

لكن الاتفاق المبدئي نجح في تعليق هذه الخطوة، مقابل تأجيل الصين تطبيق نظام تراخيص المعادن النادرة لمدة عام.

وتُعد هذه المعادن (مثل الغادولينيوم والديسبروسيوم) من الموارد الحيوية في الصناعات الدفاعية والإلكترونية، وتتحكم الصين بأكثر من 90% من الإمدادات العالمية منها حسب اطلاع بقش على التقارير.

وبذلك، حافظت الولايات المتحدة على وصولها إلى المواد الأساسية في الصناعات العسكرية والتقنيات الحديثة مثل الهواتف الذكية والبطاريات والمركبات الكهربائية، فيما كسبت الصين عاماً إضافياً لإعادة تقييم سياساتها التصديرية دون الخضوع الكامل للضغوط الأمريكية.

نقل ملكية “تيك توك” وتدخل “أوراكل”

أحد أبرز الملفات في الاتفاق كان تطبيق “تيك توك” الصيني، الذي واجه تهديداً بالحظر في الولايات المتحدة منذ 2020.

ووفق تأكيد وزير الخزانة الأمريكي، فإن تفاصيل صفقة نقل ملكية عمليات “تيك توك” الأمريكية إلى مجموعة استثمارية بقيادة مؤسس شركة “أوراكل” لاري إليسون، قد تم تسويتها أخيراً.

وينص الاتفاق على أن يحتفظ المستثمرون الأمريكيون بالحصة الأكبر من التطبيق داخل الولايات المتحدة، بينما ستحتفظ الشركة الأم “بايت دانس” بنسبة تقل عن 20%.

كما ستمنح “بايت دانس” المجموعة الأمريكية ترخيصاً لتشغيل خوارزمية تيك توك، وهو ما يضمن استمرارية التطبيق الذي يستخدمه أكثر من 170 مليون أمريكي، ويمنع حظره بدعوى التهديدات الأمنية.

وهذه الصفقة تمثل مزيجاً من الحل التجاري والسياسي، إذ أراد ترامب تحقيق مكسب مزدوج، السيطرة التقنية الأمريكية على التطبيق، والحفاظ على علاقات مستقرة مع بكين قبيل الانتخابات المقبلة.

أزمة الفنتانيل: من ملف أمني إلى ورقة تفاوض

إحدى القضايا الحساسة في المفاوضات كانت أزمة مخدر “الفنتانيل”، الذي بات أحد الأسباب الرئيسية لوفيات القُصّر في الولايات المتحدة.

تتهم أمريكا الصين منذ سنوات بأنها مصدر المواد الكيميائية المستخدمة في تصنيع هذا المخدر، وهو ما اعتبره ترامب أحد مبرراته لتصعيد الرسوم الجمركية.

الاتفاق الجديد تضمّن توافقاً على مكافحة إنتاج الفنتانيل، وقد ترد واشنطن برفع أو تخفيف الرسوم البالغة 20% التي فرضتها في أبريل الماضي على المواد الكيميائية الصينية الداخلة في إنتاجه.

وبذلك يتحول الملف من صراع أمني إلى قضية تفاهم اقتصادي صحي، ما يُظهر أن واشنطن استخدمت العقوبات كأداة ضغط تفاوضية ناجحة.

ملف فول الصويا

على الصعيد الزراعي، أعلن وزير الخزانة الأمريكي أن الصين ستزيد بشكل كبير مشترياتها من فول الصويا الأمريكي.

وحسب تتبُّع بقش، كانت بكين قد أوقفت استيراد فول الصويا رداً على الرسوم الأمريكية، رغم أنها كانت من أكبر المشترين بما يقارب 12.6 مليار دولار سنوياً.

وألحق هذا التوقف أضراراً بالغة بالمزارعين الأمريكيين في عدة ولايات مثل إلينوي وأيوا، ما أثار سخط القاعدة الريفية.

ومع الاتفاق الجديد، من المتوقع أن تستأنف الصين شراء فول الصويا الأمريكي بأحجام مضاعفة، مقابل تراجع واشنطن عن بعض القيود التجارية، وهو ما يُعيد التوازن إلى العلاقة الزراعية بين البلدين.

الأسواق تنتعش

بمجرد إعلان الاتفاق المبدئي، قفز اليوان الصيني إلى أعلى مستوى له منذ أكثر من شهر، متجاوزاً حاجز 7.11 يوان لكل دولار.

وتعافت أسعار النفط العالمية بفضل انحسار التوتر التجاري بين أمريكا والصين وفقاً لرويترز، وسط تفاؤل بأن إطار عمل اتفاق تجاري يبدد المخاوف بشأن ضعف الطلب على النفط الخام.

ويرى محللون مثل بول ماكيل من بنك “إتش إس بي سي” أن هذا الارتفاع يعكس ثقة الأسواق في تجنّب تصعيد الرسوم الأمريكية، وفي تحسن العلاقات التجارية.

كما ارتفعت مؤشرات الأسهم في الصين وهونغ كونغ نتيجة التفاؤل بالاتفاق، فيما ساهم بنك الشعب الصيني في تثبيت سعر العملة عند مستويات قوية (7.0881 يوان للدولار)، وهي الأقوى منذ أكتوبر 2024.

ونقلت شبكة سي إن إن بيزنس عن “راي أترل” من بنك “ناشونال أستراليا” أنّ تثبيت اليوان بهذه القوة ليس صدفة، بل ربما يعكس تفاهمات ضمنية حول استقرار سعر الصرف كجزء من المفاوضات.

مع ذلك، تدخلت البنوك الحكومية الصينية لاحقاً لشراء الدولار وبيع اليوان، في محاولة لمنع ارتفاعه السريع الذي قد يضر بصادرات البلاد، وهو ما يشير إلى إدارة دقيقة للتفاؤل من قبل بكين.

انفراج هشّ يختبره الاقتصاد العالمي

لا يمكن فصل الاتفاق الاقتصادي عن السياق السياسي الأوسع، فترامب الذي بدأ جولة آسيوية تشمل ماليزيا واليابان وكوريا الجنوبية، يسعى لإظهار نفسه كصانع صفقات كبرى على المسرح الدولي.

أما الصين، فترى في هذا التفاهم فرصة لتخفيف الضغوط الأمريكية واستعادة استقرار سلاسل التوريد التي تضررت بشدة بسبب الرسوم الجمركية والقيود التقنية.

وفي المقابل، أعلنت بكين نيتها تعزيز الاكتفاء الذاتي التكنولوجي وتنمية السوق المحلية خلال خمس سنوات، ما يعني أن التهدئة الحالية قد تكون مؤقتة، في ظل استمرار التنافس الاستراتيجي طويل الأمد بين القوتين.

ورغم التفاؤل السائد، يبقى الاتفاق هشاً ومرتبطاً بالتزامات سياسية متبادلة، فنجاحه يعتمد على قدرة الطرفين على تنفيذ ما تم التوافق عليه بشأن المعادن النادرة، والفنتانيل، وفول الصويا، وتيك توك، من دون عودة إلى التصعيد.

لكن حتى الآن، أظهر الإطار المبدئي أن الاقتصاد العالمي يتنفس الصعداء، وأن لغة المصالح المشتركة يمكن أن تتغلب ولو مؤقتاً على نزاعات الهيمنة والرسوم والعقوبات.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي المستخدم،

نرجو تعطيل حاجب الإعلانات لموقع بقش لدعم استمرار تقديم المحتوى المجاني وتطويره. شكرًا لتفهمك!

فريق بقش