تل أبيب تعيد رسم مستقبل إيلات: مشروع نقل الميناء إلى حدود العقبة.. طموح اقتصادي أم محاولة للهروب من قبضة البحر الأحمر؟

تقارير | بقش
بين تراجع حركة الشحن في ميناء إيلات بسبب تهديدات قوات صنعاء، وتحولات جيوسياسية تضغط على خطوط الملاحة العالمية، تتحرك إسرائيل لإطلاق مشروع هو الأكبر في تاريخ المدينة الجنوبية: نقل الميناء الأساسي إلى موقع جديد قرب حدود العقبة، مع حفر قناة بحرية بطول 3.6 كيلومتر تربط الموقع الجديد بالبحر.
الفكرة التي بقيت لسنوات في الأدراج خرجت اليوم بوصفها مشروعاً استراتيجياً يهدف لإنقاذ الميناء من حالة الشلل، وتحويل إيلات إلى مركز تجاري وسياحي ينافس المدن الساحلية المزدهرة في الخليج.
التحرك الإسرائيلي جاء بعد انهيار نشاط الميناء بصورة شبه كاملة منذ بدء التصعيد في البحر الأحمر، ما أجبر حكومة الاحتلال على ضخ أموال لإنقاذه من الإفلاس. وبينما تشير التقديرات الحكومية إلى أن المشروع سيستغرق نحو عقد حتى يكتمل، تراهن تل أبيب على أن التهديدات البحرية الحالية ستتراجع مع مرور الوقت، لتعود إيلات إلى خريطة التجارة الإقليمية والدولية.
ووفق اطلاع بقش على تقرير لصحيفة “كالكاليست” الاقتصادية الإسرائيلة، فإن المشروع يتجاوز فكرة نقل الميناء فقط، إذ تتضمن الخطة توسيع ساحل المدينة من 14 كيلومتراً إلى 35 كيلومتراً، وتحويل موقع الميناء الحالي إلى منطقة سياحية وفندقية واسعة، إلى جانب السماح ببناء جزر صناعية صغيرة على غرار التجربة الإماراتية في دبي.
وتطمح إسرائيل لإضافة خط سكة حديد يربط الميناء الجديد بباقي البلاد، ليكون ذلك الشريان اللوجستي الذي يضمن حركة البضائع والركاب، ويحول الجنوب الإسرائيلي إلى عقدة نقل تربط بين البحر الأحمر والمتوسط.
نفوذ رجال الأعمال: شلومي فوجل في مركز الصورة
داخل هذا الحراك يبرز اسم رجل الأعمال شلومي فوجل، أحد أبرز المقربين من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، والذي قدم للحكومة خطة متكاملة تشمل بناء الميناء واستثمار الأراضي المحيطة به.
هذا الظهور يضع المشروع في قلب جدل اقتصادي سياسي، حيث تتداخل المصالح الخاصة مع القرارات الاستراتيجية للدولة وفق اطلاع بقش، بينما تستعد شركات أخرى، من بينها مجموعات إسرائيلية وهندية، لدخول المنافسة على الامتياز.
على المستوى الأمني، لا يمثل نقل الميناء حلاً نهائياً لمشكلة تهديدات الحوثيين، لكنه يمنح إسرائيل عمقاً إضافياً وإمكانية تشغيل الميناء في موقع أقل عرضة للاستهداف المباشر.
في الوقت ذاته، يعكس المشروع محاولة للهروب من الاعتماد على موقع جعله في مرمى صاروخي وبحري منذ بداية الحرب في غزة واتساع دائرة المواجهة في البحر الأحمر.
ويعد مشروع القطار أحد العناصر الحاسمة في هذه الخطة. فبدون اتصال بري قوي، تبقى قدرة الميناء الجديد محدودة، ما يجعل البنية التحتية الحديدية شرطاً أساسياً لنجاح المخطط حسب قراءة بقش. والتقييمات التقنية داخل إسرائيل ترى أن حفر قناة بحرية أرخص بكثير من تنفيذ أنفاق جبلية لربط الميناء الحالي بالشبكة الوطنية، الأمر الذي ساهم في تعزيز الرؤية الداعية للنقل.
تحديات بيئية وقانونية وتمويلية
المشروع يحمل أيضاً بعداً إقليمياً. فإيلات التي كانت لسنوات مدينة طرفية، تسعى إسرائيل لتحويلها إلى بوابة تجارية نحو الشرق الأوسط والخليج، في سياق تصورات تتقاطع مع مشاريع إقليمية كبرى مثل “نيوم” السعودي والممر الاقتصادي الهندي الشرق أوسطي الأوروبي، بالإضافة إلى توسع موانئ البحر الأحمر المصرية وتنامي النفوذ الإماراتي في سلاسل الموانئ العالمية. وهنا، يبدو أن المشروع ليس مجرد خطة داخلية، بل جزء من منافسة جيوسياسية أكبر على مستقبل ممرات التجارة العالمية.
ورغم الطموحات العالية، تواجه الخطة تحديات كبيرة تشمل اعتراضات بيئية، ومفاوضات مع ملاك الأراضي، وحاجة لتمويل ضخم وهيكلة قانونية خاصة تخضع المشروع لقانون البنى التحتية الوطنية بهدف تسريع الإجراء. ومع ذلك، تبدو السلطات الإسرائيلية مصممة على دفعه قدماً، مع الحديث عن عام 2035 كموعد لإنجازه.
في جوهره، يكشف المشروع عن دولة تحاول تجنب الوقوع رهينة للجغرافيا والأمن البحري، وصناعة قرار يسعى لتغيير قواعد اللعبة الاقتصادية والجيوسياسية في جنوبها.
وبينما تسعى إسرائيل لتحويل إيلات إلى نسخة جديدة من دبي على البحر الأحمر، تبقى الأسئلة قائمة حول قدرة المشروع على تجاوز الواقع الأمني المتوتر في المنطقة، وحول ما إذا كان بإمكانه تغيير مستقبل التجارة في الشرق الأوسط أم أنه سيظل حلماً مُثقل التكلفة تتجاذبه السياسة والمخاطر الإقليمية.


