الاقتصاد العالمي
أخر الأخبار

التصنيفات الائتمانية في الولايات المتحدة تدخل منحنى خطيراً وسط تدهور جودة ديون الشركات وقلق اقتصادي متصاعد

الاقتصاد العالمي | بقش

تواجه الأسواق المالية الأمريكية في النصف الثاني من عام 2025 واحدة من أكثر موجات خفض التصنيفات الائتمانية حدّة منذ أكثر من أربع سنوات، مع تزايد القلق بشأن قدرة الشركات الكبرى على الوفاء بالتزاماتها وسط بيئة اقتصادية مضطربة، وتنامي أعباء الدين، والتوترات التجارية العالمية المتصاعدة.

أحدث التقارير الصادرة عن بنك “جيه بي مورغان تشيس” كشفت أن ديوناً أمريكية بقيمة تقارب 94 مليار دولار جرى تخفيض تصنيفها الائتماني خلال الربع الثاني من العام الجاري، في مقابل ترقيات بلغت فقط 78 مليار دولار، وهذه المرة الأولى منذ أوائل 2021 التي تتفوق فيها التخفيضات على الترقيات بالقيمة الدولارية.

تصاعد مخاطر خفض التصنيف وسط تباطؤ النمو وتآكل الثقة

هذا التغير الحاد في التصنيفات يعكس واقعاً مقلقاً يعيشه الاقتصاد الأمريكي في وقت تتزايد فيه احتمالات الركود وتبدو فيه مؤشرات السوق المالية متفائلة بشكل مفرط مقارنةً بالحقائق الأساسية.

فروق أسعار السندات الأمريكية ذات التصنيف الاستثماري ما زالت عند مستويات منخفضة تاريخياً، تبلغ حوالي 0.8 نقطة مئوية، أي أقل بكثير من المتوسط التاريخي للعقدين الماضيين البالغ 1.5 نقطة مئوية، وفق بيانات اطلع عليها بقش لـ”بلومبيرغ”.

أما بالنسبة للسندات عالية المخاطر، فقد بلغت الفروق نحو 2.8 نقطة مئوية، وهو ما يقل كثيراً عن متوسط 4.9 نقطة المسجل قبل 20 عاماً.

لكن هذه الفروق المنخفضة قد تعكس حالة إنكار أكثر منها ثقة حقيقية، فبحسب خبراء ائتمان في “برينسيبال أسيت مانجمنت”، أصبح اختيار الائتمان المناسب أكثر أهمية من أي وقت مضى.

“جون كوران”، رئيس قسم الائتمان في الشركة قال إن: “تزايد قابلية التعرض لخفض التصنيف الائتماني يجعل قرارات المستثمرين أكثر حساسية وأقل تسامحاً مع أي إخفاق مالي من الشركات”.

شركات تنهار تحت وطأة الديون… والتمويل بالديون البديلة يتضاعف

مشكلة جودة الائتمان لا تتوقف عند خفض التصنيف فحسب، فوفقاً لـ”جيه بي مورغان أسيت مانجمنت”، هناك نسبة متزايدة من الشركات باتت تؤجل سداد الفوائد باستخدام ما يُعرف بـ”الدفع العيني” (PIK)، وقد ارتفعت هذه النسبة إلى نحو 9% من إجمالي مدفوعات الفائدة على مستوى العالم، مقارنة بـ4% فقط في عام 2020 طبقاً لمراجعات بقش، الأمر الذي يكشف عن ضغوط كبيرة في السيولة ونقص القدرة التشغيلية.

وفي موازاة ذلك، بدأت الاحتياطيات النقدية للشركات ذات التصنيف المرتفع في الانخفاض، وسط ارتفاع تكاليف الاقتراض وضغط الأرباح. ومع انطلاق موسم الإعلان عن نتائج أرباح الربع الثاني، ينتظر المستثمرون إشارات أوضح عن مدى قدرة هذه الشركات على الاستمرار دون الانزلاق نحو ما يُعرف بـ”الديون الساقطة” (Fallen Angels)، أي تلك التي تفقد تصنيفها الاستثماري لصالح تصنيف عالي المخاطر.

في هذا السياق، أظهرت بيانات “جيه بي مورغان” التي طالعها مرصد بقش أن قيمة السندات التي خُفِّضت إلى مستوى عالي المخاطرة خلال الربع الثاني بلغت 34 مليار دولار، في حين لم تتجاوز قيمة السندات التي تمت ترقيتها إلى مستويات أعلى سوى 3 مليارات دولار فقط، ما يعكس اختلالاً واضحاً في الاتجاه العام للأسواق الائتمانية.

وكالة موديز: الشركات تحت تهديد متعدد الجوانب

من جهتها، أكدت “موديز” للتصنيف الائتماني أن الشركات الأمريكية تعيش في حالة من عدم اليقين المتواصل، ليس فقط بسبب السياسات النقدية أو تباطؤ النمو، بل أيضاً نتيجة التهديدات السياسية والتجارية.

وقالت كريستينا بادجيت، رئيسة أبحاث التمويل بالديون والائتمان الخاص في الوكالة: “الشركات معرضة للرسوم الجمركية، ولكنها تواجه أيضاً مستقبلاً غير مؤكد تماماً، لا يمكن البناء عليه في وضع الاستثمارات طويلة الأمد”.

يأتي ذلك في ظل تصعيد خطير من قبل الرئيس الأمريكي السابق والمرشح المحتمل للانتخابات المقبلة، دونالد ترامب، الذي لوّح مؤخراً بفرض رسوم جمركية بنسبة 35% على بعض الواردات الكندية، مما أعاد للواجهة مخاوف الحروب التجارية التي تهدد سلاسل التوريد العالمية.

تأثيرات أوسع على الاقتصاد الأمريكي وسوق العمل

موجة التخفيضات الائتمانية لا تمس الشركات الكبرى فقط، بل تمتد تداعياتها إلى سوق العمل والاستثمار والتضخم، فخفض التصنيف يزيد من تكاليف الاقتراض، ويضعف قدرة الشركات على التوسع أو الاحتفاظ بالموظفين، كما يدفع بعض المستثمرين المؤسسيين إلى تصفية حيازاتهم من سندات الشركات المتضررة، ما يزيد الضغط على الأسعار ويؤثر على ثقة السوق.

وبينما يستمر “الاحتياطي الفيدرالي” في مراقبة هذه المؤشرات، فإن حالة السوق الراهنة تكشف عن هشاشة في بنية الاقتصاد الأمريكي، لا سيما مع بقاء معدلات الفائدة مرتفعة وتراجع النمو الصناعي والتجاري خلال الأشهر الأخيرة.

بيانات وزارة التجارة الأمريكية أظهرت تباطؤ نمو الناتج المحلي الإجمالي في الربع الأول إلى 1.6%، مقارنة بـ2.8% في الربع السابق، وهو ما يدعم التقديرات بأن الاقتصاد بات أقرب إلى حالة “الهبوط الناعم” أو حتى الركود الفني.

مع كل هذه المؤشرات، يُطرح السؤال الكبير: هل نشهد أزمة تصنيفات ائتمانية فحسب؟ أم أن ما يجري هو بداية أزمة ثقة أعمق في قدرة الاقتصاد الأمريكي على الاستمرار بنمو مستدام؟ الإجابة ستتضح على الأرجح في الأشهر القليلة المقبلة، عندما تظهر نتائج الربع الثاني، وتبدأ الأسواق في تقييم مدى قدرة الشركات على الصمود، في ظل عالم يزداد تعقيداً وتقلباً.

المرحلة المقبلة تتطلب دقة في التحليل، وحذراً في الاستثمار، وربما تدخلاً استباقياً من السلطات المالية، قبل أن تتحول علامات التحذير إلى سلسلة انهيارات لا يمكن تداركها.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي المستخدم،

نرجو تعطيل حاجب الإعلانات لموقع بقش لدعم استمرار تقديم المحتوى المجاني وتطويره. شكرًا لتفهمك!

فريق بقش