
تعمل طواقم الإطفاء في الأراضي الفلسطينية المحتلة، مدعومة بقوات من الجيش الإسرائيلي، للسيطرة على حرائق غابات هائلة ومستعرة في المناطق الغربية من القدس المحتلة، في سباق مع الزمن لمنع وصول ألسنة اللهب إلى أطراف المدينة.
وقد تسببت الحرائق، التي وصفتها السلطات الإسرائيلية بأنها “الأكبر في البلاد”، في إجلاء أكثر من 10 آلاف شخص من منازلهم في أكثر من تسع مستوطنات، والتهمت حتى الآن ما يقدر بنحو 19 ألف دونم (حوالي 19 كيلومتراً مربعاً) من الأحراش والغابات وفق اطلاع بقش، وسط مخاوف من اتساع رقعتها بفعل الرياح والظروف الجوية.
وأعلنت سلطات الإطفاء الإسرائيلية حالة الطوارئ القصوى وأصدرت أمراً بالتعبئة العامة لجميع فرق الإطفاء في أنحاء البلاد، فيما أجرى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الأمن القومي اليميني المتطرف إيتمار بن غفير تقييماً مشتركاً للوضع في مقر قيادة عمليات الإطفاء.
كما أمر وزير الدفاع يسرائيل كاتس بنشر قوات من الجيش لتقديم المساعدة، مما يعكس حجم الخطر الذي تشكله الحرائق التي اندلعت بالقرب من الطريق السريع الرئيسي بين القدس وتل أبيب وأدت إلى وقوع إصابات.
وبينما رجح جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) احتمالية أن تكون الحرائق “مفتعلة” وبدأ تحقيقات لتحديد المسؤولين المحتملين، سارعت الحكومة الإسرائيلية إلى طلب المساعدة الدولية. وناشد وزير الخارجية جدعون ساعر عدداً من الدول الأوروبية تقديم الدعم، متوقعاً بدء وصول المساعدات الدولية اعتباراً من اليوم الخميس، نظراً للصعوبات التي تواجهها طائرات مكافحة الحرائق في العمل ليلاً.
تناقض صارخ: حرائق الغابات مقابل إبادة غزة
كانت الاستجابة الدولية سريعة ولافتة، فقد أعرب الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون”، في منشور على منصة “إكس” فجر الخميس، عن “كل التضامن مع الشعب الإسرائيلي الذي يواجه حرائق مروّعة”، مؤكداً استعداد بلاده لتقديم “دعم مادي في الساعات المقبلة”.
وبالفعل، أعلن مكتب وزير الخارجية الإسرائيلي عن وصول طائرة إطفاء فرنسية، بالإضافة إلى طائرتين من إسبانيا ودعم آخر من رومانيا. كما أعلن نتنياهو عن وصول ثلاث طائرات إضافية قريباً من إيطاليا وكرواتيا. هذا التدفق السريع للمساعدات والتضامن الدولي يعكس الاهتمام الكبير الذي توليه الدول الغربية لأمن إسرائيل وقدرتها على مواجهة الكوارث الطبيعية.
لكن هذا التضامن الدولي السريع والمكثف مع إسرائيل في مواجهة حرائق الغابات، وهي كارثة بيئية بلا شك، يلقي بظلال كثيفة من التساؤل والانتقاد عند مقارنته بالموقف الدولي المتخاذل، إن لم يكن المتواطئ، تجاه الكارثة الإنسانية المتعمدة والمستمرة التي يعيشها قطاع غزة المحاصر.
فبينما تهب الطائرات الأوروبية لإخماد نيران تلتهم الأشجار والأحراش في محيط القدس، تستمر آلة الحرب الإسرائيلية، وبدعم غربي مباشر وغير مباشر، في التهام أرواح ومنازل ومستقبل أكثر من مليوني فلسطيني في غزة، فيما يرقى بنظر العديد من المنظمات الدولية ومحكمة العدل الدولية إلى مستوى الإبادة الجماعية.
سرعة الاستجابة الدولية لحرائق إسرائيل وتقديم الدعم المادي والطائرات المتخصصة تتناقض بشكل صارخ ومؤلم مع المعاناة الهائلة التي يكابدها الفلسطينيون في غزة للحصول على أبسط مقومات الحياة.
ففي الوقت الذي تعبر فيه طائرات الإطفاء الأجواء لإنقاذ المستوطنات، تكافح شاحنات المساعدات الإنسانية القليلة والنادرة لاجتياز المعابر التي تتحكم بها إسرائيل، وتواجه عراقيل بيروقراطية وأمنية لا تنتهي، ليصل فتات المساعدات إلى شعب يتضور جوعاً ويتعرض لمجاعة من صنع الإنسان، وفق اطلاع بقش على تحذيرات الأمم المتحدة ووكالات الإغاثة الدولية.
أين هو التضامن الدولي والدعم المادي لإنقاذ مئات الآلاف من الأطفال والنساء والرجال الذين يواجهون الموت جوعاً أو قصفاً أو مرضاً في غزة؟
ويبدو أن التعاطف الدولي وقرارات تقديم المساعدة تخضع لمعايير مزدوجة وسياسات انتقائية بشكل فاضح. فالاهتمام بحماية الممتلكات والأراضي في إسرائيل يفوق بكثير الاهتمام بحماية أرواح وحقوق الفلسطينيين في غزة.
يُنظر إلى إجلاء 10 آلاف مستوطن مؤقتاً من منازلهم بسبب حريق طبيعي على أنه أزمة تستدعي تدخلاً دولياً فورياً، بينما يتم تجاهل أو تبرير التهجير القسري لأكثر من 1.7 مليون فلسطيني داخل غزة وتدمير منازلهم وبنيتهم التحتية بشكل ممنهج، في كارثة إنسانية من صنع البشر تتكشف فصولها يومًا بعد يوم على مرأى ومسمع من العالم.
هذه المفارقة المأساوية لا تكشف فقط عن ازدواجية المعايير في السياسة الدولية، بل تعكس أيضاً عمق الأزمة الأخلاقية التي يعيشها النظام العالمي الحالي.
فالقدرة على حشد الموارد والطائرات لإطفاء حريق في إسرائيل، والعجز أو عدم الرغبة في فرض وقف لإطلاق النار وإدخال المساعدات بشكل كاف ومنتظم لوقف مجاعة وإبادة جماعية في غزة، يطرح أسئلة جوهرية حول قيم العدالة والإنسانية التي يدعي المجتمع الدولي الدفاع عنها، ويكرس الشعور بأن حياة بعض البشر أقل قيمة من حياة آخرين، وأن المصالح السياسية تتفوق دائمًا على المبادئ الأخلاقية.