تقارير
أخر الأخبار

حرائق جديدة تعصفُ بغابات البرتغال وإسبانيا.. التكلفة الاقتصادية تتصاعد

تقارير | بقش

بحسب ما اطّلع عليه مرصد بقش من بيانات رسمية وتقارير دولية، عاد مئات عناصر الإطفاء في البرتغال وإسبانيا إلى مواجهة موجة جديدة من حرائق الغابات بعد صيفٍ استثنائي ضرب القارة الأوروبية.

وتشير أحدث الدراسات إلى أن الظروف الجوية التي غذّت هذه الحرائق صارت أكثر احتمالاً بسبب تغيّر المناخ، فيما تسجّل أوروبا أرقاماً قياسية في المساحات المحروقة وانبعاثات الكربون الناجمة عن الحرائق هذا العام.

في وسط البرتغال، اندلع أكبر حريق حالياً في منطقة سيّيا، حيث نشرت سلطات الحماية المدنية أكثر من 600 عنصر إطفاء مدعومين بطائرات ومروحيات. أُغلقت طرق عدّة، فيما أعلنت الشرطة توقيف مشتبهٍ به بإشعال الحريق. وأكّد جهاز الحماية المدنية أن الأولوية الميدانية هي حماية المنازل في القرى المحاذية للغابات.

وفي إسبانيا، اتخذت السلطات تدابير احترازية في قرية كاستروميل شمال غرب البلاد، مع اشتعال بؤرة جديدة قرب منطقة تضررت بشدة خلال حرائق أغسطس الماضي وفق اطلاع بقش. كما سُجّل اندلاع ثانوي لإحدى الحرائق القديمة بفعل رياح قوية في قشتالة وليون، في وقت أنهت فيه مدريد قبل أيام حالة الطوارئ التي فُرضت لأسابيع تحت وطأة واحدة من أسوأ موجات الحرائق في سنوات.

حصيلة صيف قياسي: مليون هكتار في الاتحاد الأوروبي.. وإيبيريا تتحمّل العبء الأكبر

تُظهر بيانات نظام معلومات حرائق الغابات الأوروبي أن المساحات المحروقة داخل الاتحاد الأوروبي تخطّت مليون هكتار حتى أواخر أغسطس، وهو أعلى إجمالي مُسجّل منذ بدء السجلات. إسبانيا والبرتغال استحوذتا وحدهما على نحو ثلثي المساحة المتضررة، وهو ما يعكس حجم العبء الذي تتحمله شبه الجزيرة الإيبيرية مقارنة بدول أوروبية أخرى.

في حصيلة بشرية، قُتل ما لا يقل عن ثمانية أشخاص هذا الصيف في البلدين بسبب الحرائق، بينهم أربعة في البرتغال وأربعة في إسبانيا. أما على صعيد المساحات، فقد سجّلت البرتغال أكبر موسم حرائق منذ عام 2017 مع تجاوز المناطق المتضررة ربع مليون هكتار، بينما خسرت إسبانيا مساحات شاسعة من الغابات والأراضي الزراعية في حرائق اعتُبرت الأسوأ منذ عقود.

دراسة أعدّتها شبكة World Weather Attribution خلصت إلى أن الظروف المناخية التي غذّت حرائق صيف 2025 في إيبيريا، المتمثلة في موجات حرّ وجفاف ورياح قوية، أصبحت أكثر احتمالاً بنحو 40 ضعفاً بفعل تغيّر المناخ الناجم عن النشاط البشري، وأكثر شدّة بنسبة 30% مقارنة بما قبل العصر الصناعي. وأوضح التقرير أن أحداثاً كانت نادرة جداً في الماضي قد تتكرر الآن بمعدل مرة كل 15 عاماً تقريباً.

إلى جانب ذلك، ارتفعت الانبعاثات الناتجة عن حرائق الغابات في الاتحاد الأوروبي إلى مستوى قياسي جديد، مع تسجيل أكثر من 38 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون حتى نهاية أغسطس، وهي كمية تفوق الانبعاثات السنوية لاقتصادات أوروبية متوسطة الحجم، ما يعكس البعد البيئي والاقتصادي للأزمة.

صيفٌ استثنائي في البرتغال: الأشدّ حرارة وجفافاً منذ 1931

أفادت وكالة الأرصاد البرتغالية بأن صيف هذا العام كان الأشد حرارة وجفافاً منذ عام 1931. فقد تجاوزت الحرارة القصوى المتوسّطة 30.7°م، بينما لم يتعدَّ الهطول المطري 24% من المعدّل المناخي للفترة المرجعية 1991–2020. كما شهدت البلاد ثلاث موجات حرّ طويلة متتالية أسهمت في زيادة جفاف الغطاء النباتي، ما جعل الغابات عرضة للاشتعال السريع والانتشار الواسع للنيران.

هذه الظروف المناخية الاستثنائية تعني أن قابلية الاشتعال لم تعد مرتبطة فقط بامتداد مواسم الصيف، بل باتت عاملاً دائماً يهدد المناطق الريفية والغابات في البلاد، وهو ما يزيد الحاجة إلى خطط وقائية متقدمة.

الحرائق لم تتسبب فقط بخسائر بشرية وبيئية، بل أثّرت بشكل مباشر على الاقتصاد المحلي حسب قراءة بقش. المزارعون خسروا مساحات كبيرة من مزارع الكروم والزيتون، فيما تعطّلت شبكات الطرق وأُقفلت بعض الموانئ الصغيرة لفترات قصيرة بسبب الدخان الكثيف. السياحة الريفية، التي تُعد رافداً مهماً لاقتصاد المناطق المتضررة، شهدت إلغاء حجوزات وتراجعاً ملحوظاً في تدفق الزوار.

كما ارتفعت تكاليف شركات التأمين التي اضطرت إلى مواجهة مطالبات ضخمة من المزارعين وأصحاب المنازل المتضررة. هذه الخسائر المترابطة تُضيف ضغوطاً على المالية العامة للدولتين وعلى ميزانيات البلديات، التي وجدت نفسها مطالبة بتوفير موارد إضافية للتعويض والإنعاش البيئي.

على الأرض، كثّفت السلطات في لشبونة ومدريد تعبئة قوات الإطفاء والموارد الجوية، مع تفعيل بروتوكولات التعاون داخل الاتحاد الأوروبي. الاتحاد من جانبه أطلق خطط دعم عاجلة من خلال آلية الحماية المدنية الأوروبية لتوفير طائرات إطفاء إضافية وتغطية جزء من تكاليف الإغاثة.

سياسياً، صعّد الملف إلى صدارة النقاش الأوروبي حول التكيّف مع تغيّر المناخ. الحكومتان في البرتغال وإسبانيا أعلنتا وفق متابعة بقش عن خطط جديدة لإدارة الغابات وتنظيف الأحراج وتوسيع برامج الحرق المراقَب كوسيلة للوقاية، إلى جانب الاستثمار في أنظمة الإنذار المبكر والتعاون مع فرنسا وإيطاليا في مشاريع مشتركة لمكافحة الحرائق.

أبعاد اقتصادية أبعد من الغابات

تطورات صيف 2025 أظهرت أن أزمة الحرائق لا تقتصر على البيئة أو السلامة العامة، بل تمتد إلى عمق الاقتصاد. الاعتماد المفرط على الواردات الزراعية لتعويض الخسائر المحلية سيضغط على ميزان المدفوعات، فيما سترتفع أقساط التأمين والإنفاق الحكومي على التكيّف المناخي.

كذلك فإن الانبعاثات القياسية الناتجة عن الحرائق ستُحتسب ضمن التزامات الاتحاد الأوروبي المناخية، ما يعني زيادة الضغوط للبحث عن تعويضات كربونية أو فرض ضرائب بيئية إضافية، وهو ما قد يؤثر على تنافسية بعض القطاعات الصناعية في القارة.

تُظهر الوقائع الميدانية من سيّيا في البرتغال إلى كاستروميل في إسبانيا أن موسم 2025 لم ينتهِ بعد. فبين اندلاع حرائق جديدة وأدلة علمية تؤكد دور تغيّر المناخ في تعزيز شدتها وتواترها، تبدو التكلفة الاقتصادية في تصاعد مستمر، تشمل الخسائر الزراعية، والسياحة، والتأمين، والإنفاق الحكومي على الإغاثة والتكيّف.

أوروبا تسجل عاماً قياسياً في المساحات المحروقة والانبعاثات الكربونية، فيما تتحمّل إيبيريا العبء الأكبر من الكارثة. وتبقى الأولوية لتوازنٍ صعب بين الاستجابة العاجلة على الأرض وبين استثمارات وقائية طويلة الأمد لتقليل المخاطر في المستقبل.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي المستخدم،

نرجو تعطيل حاجب الإعلانات لموقع بقش لدعم استمرار تقديم المحتوى المجاني وتطويره. شكرًا لتفهمك!

فريق بقش