حرب أمريكا مع كندا يتجه بالأخيرة إلى صداقة أوروبا.. ما حقيقة انضمامها للاتحاد الأوروبي

انتهت العلاقة القديمة بين كندا وأمريكا والتي كانت مبنية على تعميق تكامل الاقتصادين والتعاون الأمني والعسكري الوثيق، وكان السبب في ذلك اتخاذ الرئيس الأمريكي ترامب سياساته الحمائية بفرض رسوم جمركية استهدفت الشركاء التجاريين الرئيسيين للولايات المتحدة، وفي مقدمتهم الجارة الكندية.
التحالف الكندي الأمريكي الذي كان يبدو أنه لا يمكن زعزعته، نجم عن انتهائه السعي نحو تحالف جديد، ولكن هذه المرة بين كندا وأوروبا.
فقد سبق وأعلن رئيس الوزراء الكندي مارك كارني (الذي زار بعد 3 أيام من تنصيبه كلاً من باريس ولندن لتسليط الضوء على ما وصفه بالروابط الأوروبية الكندية العميقة) عن سعيه لبناء تحالف اقتصادي مع دول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا.
بل إن كارني أكد أن كندا تشكَّلت بسواعد ثلاثة شعوب، هم الشعب الفرنسي، الإنجليزي، والسكان الأصليون، مشدداً على اختلاف كندا كلياً عن “أمريكا”، وقائلاً إن كندا لن تكون أبداً بأي شكل من الأشكال جزءاً من الولايات المتحدة، كما يحلم ترامب.
وقد أثارت الرسوم الجمركية الأمريكية بنسبة 25% على الصادرات الكندية وحديث ترامب عن جعل كندا الولاية الأمريكية الحادية والخمسين، غضبَ الكنديين الذين باتوا يتجنبوا شراء السلع الأمريكية في حملة مقاطعة شاملة.
وفي السياق أعلنت كندا عن بدء تنفيذ تدابير جمركية جديدة اعتباراً من اليوم الأربعاء 09 أبريل، تشمل فرض رسوم بنسبة 25% على استيراد بعض أنواع السيارات الأمريكية وفق اطلاع بقش، في ردٍّ على خطوة مماثلة اتخذتها إدارة ترامب بفرض رسوم جمركية على قطاع السيارات الكندي.
وكانت كندا قدَّمت شكوى رسمية إلى منظمة التجارة العالمية ضد الرسوم الأمريكية، واعتبر أنها تتعارض مع قواعد التجارة الدولية وستغيّر جذرياً طبيعة التجارة الدولية، حيث قالت المنظمة إن “كندا طلبت فتح مشاورات لتسوية النزاع مع الولايات المتحدة بشأن تعريفة الـ25% على السيارات وقطع الغيار”.
العلاقة انتهت ولن تعود.. لماذا التحالف مع أوروبا؟
لأن العلاقة القوية الأمريكية الكندية أصبحت شيئاً من الماضي، خصوصاً بعد تصريحات ترامب عن ضم كندا كولاية أمريكية رقم 51، توجهت أنظار الكنديين نحو أوروبا، إذ أكد رئيس الوزراء “كارني” أن من الأفضل لكندا أن تعثر على أفضل أصدقاء جدد وأن تبني تحالفات جديدة.
و”ينبغي أن تبحث كندا في مكان آخر لتوسيع التجارة وبناء الاقتصاد وحماية السيادة، وكندا مستعدة للاضطلاع بدور قيادي في بناء تحالف من البُلدان ذات التفكير المماثل التي تشاطرنا قيمنا” وفقاً لـ”كارني” الذي تحدث أيضاً عن أن “كندا تؤمن بالتعاون الدولي” حسب متابعات بقش.
وفي وقت سابق من أبريل الجاري، قالت وزيرة الشؤون الخارجية “ميلاني جولي” في بروكسل للأوروبيين إن العلاقة بين كندا وأمريكا انتهت، ولن تعود إلى ما كانت عليه مرة أخرى، وأضافت: “هذه رسالتي للأوروبيين: العلاقة مع الولايات المتحدة لن تكون كما هي أبداً”.
ونبهت جولي: “نحن نشتري من الولايات المتحدة أكثر من بريطانيا وفرنسا والصين واليابان مجتمعة، وعندما تعامل أفضل عميل لك بالطريقة التي عوملت بها، فهذا يعني أنك تريد تغيير الطريقة التي تعمل بها”. وأضافت وفق مراجعة بقش لتصريحاتها: “إذا فعلت أمريكا ذلك بنا ونحن أقرب صديق لها، فلن يكون أحد في مأمن”، واصفةً كندا بأنها “هي الكناري في منجم الفحم”.
ويقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة ماكجيل في مونتريال، دانيال بيلاند، إنه يجب على كندا تنويع شركائها التجاريين وسط الحرب التجارية المستمرة مع أمريكا، إذ إن أكثر من 75% من صادرات كندا تذهب إلى الولايات المتحدة.
انضمام كندا إلى الاتحاد الأوروبي
الحديث عن تشكيل تحالف اقتصادي كندي أوروبي ذهب بعيداً إلى ما هو أكبر من التحالف، إذ طُرحت تساؤلات حول إمكانية انضمام كندا إلى الاتحاد الأوروبي.
ففي نهاية مارس الماضي أظهر استطلاع رأي أن نصف الكنديين يؤيدون فكرة انضمام بلادهم للاتحاد الأوروبي.
وصرحت المتحدثة باسم المفوضية الأوروبية (الذراع التنفيذي للاتحاد الأوروبي) بأن الاتحاد مسرور باهتمام الكنديين للانضمام إليه، وهو ما يعكس “جاذبيته”، وأضافت أن الأمر ليس مفاجئاً لأن الاتحاد وكندا شريكان متشابهان في التفكير، ويتشاركان قيماً كثيرة، بالإضافة إلى روابط تاريخية قوية.
لكن عن مسألة وجود كندا خارج أوروبا جغرافياً، لم ترد المتحدثة الأوروبية وأحالت الأمر إلى المعايير الواردة في معاهدة الاتحاد الأوروبي، وفي هذا إشارة إلى المادة 49 التي تنص على أن “أي دولة أوروبية” تحترم القيم الأساسية للاتحاد الأوروبي يمكنها التقدم بطلب الانضمام، تلميحاً منها إلى صعوبة انضمام دولة من خارج النطاق الأوروبي.
لكن صحيفة لابرس الكندية تقول إن كون كندا ليست جزءاً من القارة الأوروبية لا يعيق انضمامها للاتحاد، فمثلاً انضمت بريطانيا إلى اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادي وهي لا تقع في المحيط الهادي، فالدول تعمل على تشكيل تحالفات على أساس قيمها ومصالحها وليس على أساس الجغرافيا.
ووفق اطلاع بقش يرى الكنديون أن هناك مشتركات كثيرة تاريخية وثقافية بين كندا وأوروبا، فالكنديون يتحدثون اللغتين الرئيسيتين في الاتحاد الأوروبي: الإنجليزية والفرنسية، كما ينحدر أغلب الكنديين من أصول أوروبية حيث قادت فرنسا وبريطانيا عمليات استيطان الأوروبيين في كندا منذ قرون.
لكن الصحيفة الكندية نفسها تنقل عن مختصين قولهم إن من المستبعد انضمام كندا للاتحاد الأوروبي، لكنها قد تسعى إلى الاقتراب أكثر من أوروبا مثل النرويج التي ليست عضواً في الاتحاد لكنها مندمجة بقوة فيه.
وقد تستفيد أوروبا من الطاقة الكندية في حال حصول الانضمام، لكن كندا تفتقر إلى البنية التحتية اللازمة لتوصيل طاقتها إلى القارة الأوروبية، حيث لا تتوفر موانئ ولا خطوط أنابيب، ولا يمكنها حالياً تزويد أوروبا بالطاقة إلا عبر الولايات المتحدة.
وهناك مسألة أخرى تجعل انضمام كندا مستبعداً، وهي أن الكنديين تعمل على إقامة تحالفات جديدة مع أوروبا بسبب شعورها بالتهديد من أمريكا، في حين يشعر الأوروبيون بالتهديد من موسكو، بينما في العادة تكون التحالفات العسكرية ذات الالتزامات الدفاعية المتبادلة أكثر جاذبية للدول التي تواجه نفس التهديدات من نفس الجهات.