
الاقتصاد العالمي | بقش
تمر دول المنطقة العربية، وبالأخص دول الخليج، بحالة ارتباك واسعة النطاق، عقب الهجوم الأمريكي على منشآت إيران النووية التي اعتبرها الرئيس ترامب نجاحاً مذهلاً. وقد سارعت الدول إلى اتخاذ إجراءات استباقية خشية تصاعد الأزمة وحدوث نتائج لا يُحمد عقباها، خصوصاً أن هناك شبه إجماع على أن طهران لن تقف موقف المتفرج تجاه انتهاك سيادتها، وستقوم بالرد بغض النظر عن التداعيات ومداها.
وبعيداً عن المبالغة التي قد تحملها لغة الإعلام أحياناً، فإن الواقع يقول إن البيئة الإقليمية، وبالتالي الدولية، تتسم بحالة متصاعدة من عدم اليقين الاقتصادي الناجم عن الصراع الجيوسياسي الحاصل، فالصراع المستمر بين إيران وإسرائيل يلقي بظلاله على المنطقة بأسرها، وخصوصاً بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي التي تترقب عواقب سلبية بعيدة المدى.
وثمة مخاوف من أن التدخل الأمريكي المباشر يمثل علامة فارقة تهدد بجر دول الخليج إلى الصراع، نظراً لتواجد المنشآت والقواعد العسكرية الأمريكية في هذه الدول.
كما تتجاوز التداعيات الاقتصادية أسواق الطاقة، لتطال سلاسل الإمداد التجارية بأنواعها، ومعدلات التضخم التي ستواجه مزيداً من الضغوط مع ارتفاع تكاليف الشحن، نظراً لكون إغلاق “مضيق هرمز” الاستراتيجي ضمن أوراق إيران التي أعلن برلمانها الموافقة على إغلاقه. وإضافة إلى ذلك، يقلق المستثمرون بشدة من تطورات التصعيد ويعمدون إلى عمليات بيع واسعة وسط منطقة ساخنة.
موقف حرج لدول الخليج
بحسب تحليلات بقش السابقة، كان المتوقع أن تشهد الاقتصادات الخليجية نمواً بنسبة 3.2% خلال عام 2025، بسبب التخفيف التدريجي لتخفيضات إنتاج النفط التي فرضها تحالف “أوبك+”، واستمرار الأداء القوي للقطاع غير النفطي.
لكن الصراع الراهن بين إيران وإسرائيل، وتقلبات التجارة العالمية وحالة عدم اليقين الاقتصادي، كل ذلك قلب الطاولة، وجعل الدول الخليجية المعتمدة على النفط في قلب الخطر، وتحتاج هذه الدول، وفق رؤية البنك الدولي، إلى تسريع وتيرة الإصلاحات الرامية إلى تحقيق التنويع الاقتصادي لتقليل الاعتماد على النفط، كما تحتاج إلى تعزيز التجارة البينية الإقليمية.
وإثر الضربة الأمريكية على منشآت إيران النووية، تراجعت معظم الأسواق الخليجية، في جلسة اليوم الأحد، وسيطرت مشاعر الحذر على المستثمرين. وفي المقدمة، هبط مؤشر السوق المالية السعودية “تاسي” لأدنى مستوياته عند 10,625 نقطة متأثراً بموجات بيع متتالية، وأشار ذلك إلى أن السوق تتعامل بحذر شديد مع التطورات السياسية والعسكرية الأخيرة في المنطقة، ومن المرجح أن تواصل السوق تفاعلها الحذِر مع المستجدات خلال جلسات الأسبوع الجاري، وسط مراقبة عن كثب لأي تطورات جيوسياسية إضافية.
ولا يسعف الوقتُ دولَ الخليج أمام التطورات المتسارعة، وما استطاعت الدول فعله حتى الآن هو اتخاذ إجراءات حمائية. على سبيل المثال، أعلنت الكويت اليوم الأحد عن تفعيل خطة طوارئ لضمان استمرارية الأعمال المالية والخدمية بكفاءة عالية، ومنها تجهيز ملاجئ آمنة لاستيعاب نحو 900 موظف، وتخصيص مناطق C4 لتكون مواقع إيواء مؤقتة بحالة الطوارئ، وتمكين العمل عن بُعد لضمان استمرار الأداء الحكومي في أي سيناريو تصعيدي.
وبالمثل أعلنت البحرين عن تفعيل العمل عن بُعد بنسبة 70% في الوزارات والأجهزة الحكومية ما عدا في القطاعات التي يتطلب عملها الحضور الشخصي، أو التي لديها إجراءات عمل خاصة في حالات الطوارئ.
ذلك يأتي ضمن موجة من التحركات الاحترازية التي تشهدها عواصم الخليج منذ إعلان ترامب أمس السبت عن تنفيذ الهجوم الأمريكي، محذراً من تصعيد أكبر ما لم توافق طهران على شروط التهدئة.
وتستشعر دول الخليج الخطر بشكل فعلي. فقد حذرت الإمارات مؤخراً من خطوات “غير محسوبة” في الحرب بين إيران وإسرائيل، وقالت إن التهور قد يتعدى حدود إيران وإسرائيل، وإنه يجب التحرك السريع نحو غاية واضحة وهي الوقف الفوري لما يحدث “قبل أن تخرج الأمور عن نطاق السيطرة”.
واستشعاراً للخطر أيضاً، دان وزير الخارجية السعودي أمس السبت، الاعتداءات الإسرائيلية تجاه إيران التي تمس سيادتها وأمنها، وتمثل انتهاكاً ومخالفةً صريحةً للقوانين والأعراف الدولية، وتُهدد أمن المنطقة واستقرارها، ودعا “فيصل بن فرحان” إلى الوقف الفوري للعمليات العسكرية، وتجنب التصعيد، والعودة للمسار التفاوضي بين إيران والمجتمع الدولي.
بيمكو تحذر من التهديدات الملاحية
منظمة الشحن “بيمكو”، وهي أكبر منظمة عالمية لمالكي السفن، حذرت من تزايُد المخاطر والتهديدات في منطقة شبه الجزيرة العربية، بمضيق هرمز والبحر الأحمر وخليج عدن، نتيجة للتصعيد في الصراع الإسرائيلي الإيراني والضربات الأمريكية على المواقع النووية الإيرانية.
وقالت بيمكو إن السفن الحربية الأمريكية والسفن التجارية التابعة لإسرائيل أو الولايات المتحدة ستكون الأهداف المفضلة لإيران، مضيفةً أن تهديد الحوثيين ازداد أيضاً في البحر الأحمر وخليج عدن.
وأبدت المنظمة مخاوفها من أن إيران قد تسعى إلى عرقلة أوسع نطاقاً للشحن التجاري في مضيق هرمز من خلال هجمات على السفن التجارية، مشيرةً إلى أن هذه الهجمات قد تُستخدم فيها صواريخ مضادة للسفن أو طائرات مسيرة، جواً وبحراً. كما أن زرع الألغام البحرية من شأنه أن يشكل تطوراً خطيراً آخر، لكن نية إيران القيام بذلك مشكوك فيها بسبب الخطر الذي تشكله على السفن التجارية التابعة لإيران نفسها وخطر الكارثة البيئية في حالة تضرر السفينة.
من ناحية أخرى تتجنب شركات الطيران العالمية الطيران فوق أجزاء واسعة من منطقة الشرق الأوسط، وفق اطلاع بقش على بيانات موقع “فلايت رادار 24” المتخصص في تتبع الرحلات الجوية.
وتتجنب الرحلات الجوية المرور فوق أجواء إيران والعراق وسوريا والأراضي الفلسطينية المحتلة، وهو ما يدفع شركات الطيران لاعتماد مسارات أطول عبر الشمال (بحر قزوين) أو الجنوب (مصر والسعودية)، رغم ما يترتب عن ذلك من زيادة في تكاليف الوقود وزمن الرحلة والضغط على الأطقم الجوية. ويعكس هذا السلوك المتحفظ تصاعد المخاطر في سماء المنطقة، خاصة مع تزايد استخدام الصواريخ والطائرات المسيرة في عدد من بؤر النزاع، ما يجعل المجال الجوي غير آمن للطيران المدني.