“بريكس” تحت الضغط: اختبار التماسك في ظل عودة ترامب وتصاعد الأدوات الجمركية

الاقتصاد العالمي | بقش
في أول مواجهة متعددة الأطراف بين الولايات المتحدة ومجموعة بريكس منذ إعادة انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة في يناير الماضي، تصاعدت حدة التوترات التجارية بين الجانبين بعد إعلان ترامب فرض رسوم جمركية جديدة تصل إلى 10% على الدول التي “تتبنى سياسات بريكس المعادية لأمريكا”، وفق تعبيره.
الرسالة التي بعث بها الرئيس الأمريكي لم تكن مبهمة في توقيتها ولا في مضمونها، فبينما كانت قمة بريكس السابعة عشرة منعقدة في ريو دي جانيرو برئاسة البرازيل، بدأت واشنطن بتوزيع خطابات جمركية على ما يصل إلى 100 دولة، تشمل دولاً أعضاء في بريكس مثل روسيا والصين والهند، إضافة إلى دول منضمة حديثاً كالإمارات ومصر وإندونيسيا.
وبحسب تصريحات ترامب ووزيري الخزانة والتجارة التي طالعها بقش اليوم، فإن هذه الرسوم قد تبدأ من 10% وتصل نظرياً إلى 70%، على أن يبدأ تطبيقها رسمياً مطلع أغسطس، ما لم يتم التوصل إلى اتفاقات تجارية ثنائية.
وفق متابعة مرصد بقش، فإن الخطابات شملت دولاً من الجنوب العالمي لها ارتباطات مباشرة أو غير مباشرة ببريكس، ما يشي بأن إدارة ترامب ترى في توسّع المجموعة تهديداً حقيقياً لنفوذها التجاري والدبلوماسي.
رد حذر من بكين وتكثيف للتحركات الداخلية
وفي ردها على التهديدات، قالت وزارة الخارجية الصينية على لسان المتحدثة ماو نينغ إن بكين “تعارض استخدام التعريفات كأداة للإكراه”، معتبرة أن الحروب التجارية “لا رابح فيها”، ورغم أن اللهجة الصينية جاءت محسوبة، إلا أن بكين – كما رصد “بقش” – كثفت اتصالاتها مع شركائها في التكتل بشأن تسريع برامج الدفع بالعملات المحلية وتنويع سلاسل التوريد، وفي بيان القمة، كررت الصين التزامها بـ”التعددية والتعاون الدولي”، لكنها تجنّبت استخدام لهجة مباشرة ضد واشنطن.
البيان الختامي لقمة بريكس – الذي اطلع “بقش” على نسخة كاملة منه – لم يأتِ بجديد مفاجئ في مضمونه، لكنه وسّع إطار المفاهيم المطروحة ليشمل جوانب متعلقة بإصلاح نظام الحوكمة العالمي، وتمثيل أوسع للجنوب العالمي في مؤسسات مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وتمويل المناخ، وحوكمة الذكاء الاصطناعي، كما دعم الإعلان إطلاق شراكة للقضاء على الأمراض المحددة اجتماعياً، وهو تطور لافت يعكس اتساع أجندة التكتل من القضايا الجيوسياسية إلى القطاعات الاجتماعية.
ورغم اللغة الجماعية الحادة نسبياً تجاه “الإجراءات الجمركية الأحادية”، لوحظ – وفقاً لتحليل أعده فريق مرصد “بقش” – تراجع في حدة الخطاب الروسي مقارنة بقمم سابقة، إذ خلت المداولات الروسية من أي هجوم مباشر على واشنطن، كما غاب عن المشهد أي طرح معلن من موسكو يتعلق بإنشاء عملة بديلة للدولار أو توسيع قاعدة العقوبات المضادة.
تقارب روسي محتمل وسط إشارات أمريكية بشأن أوكرانيا
يُفسّر هذا التراجع بمحاولة روسيا إبقاء قنوات التواصل مع إدارة ترامب مفتوحة، خصوصاً في ظل تلميحات صدرت من واشنطن حول إمكانية مراجعة الموقف من الصراع في أوكرانيا إذا أبدت موسكو مرونة أكبر تجاه مخرجات قمة الناتو المقبلة.
الهند، من جهتها، كانت أكثر وضوحاً في الرد على السياسات الحمائية الأمريكية، فبعد تلقيها إشعاراً بفرض رسوم جديدة على منتجات تقنية وصناعية، ردت نيودلهي بإجراءات مضادة شملت فرض تعريفات على سلع أمريكية واتخاذ خطوات لتقليص اعتمادها على الدولار في المعاملات الثنائية، بحسب ما رصده “بقش”، وتعمل الحكومة الهندية على تسريع إطلاق منصة مدفوعات إقليمية مع دول البريكس الجديدة بحلول الربع الأول من 2026.
أما البرازيل، التي تترأس القمة هذا العام، فقد قادت جهود الحفاظ على وحدة الخطاب السياسي للتكتل، حيث صرح الرئيس لولا دا سيلفا خلال الجلسة الافتتاحية بأن “التعددية تمر بأزمة وجودية”، معتبراً أن عودة السياسات الحمائية تمثل “انتكاساً خطيراً عن التقدم الذي تحقق في التجارة العالمية منذ عقود”.
وزن اقتصادي متصاعد وسط هشاشة في التكامل الداخلي
بناءً على بيانات اطلع عليها مرصد “بقش” من صندوق النقد الدولي، تمثل مجموعة بريكس الموسعة حالياً ما يقرب من 45% من سكان العالم، وتنتج نحو 37% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، بعد انضمام دول جديدة مثل مصر، الإمارات، وإندونيسيا.
ورغم هذه الأرقام، فإن التكامل الاقتصادي بين الأعضاء لا يزال دون المستوى المطلوب، حيث إن معظم التبادلات التجارية البينية تظل مدفوعة بالتجارة مع الصين، التي تمثل وحدها أكثر من 60% من القيمة التجارية داخل التكتل.
البيان الختامي شدد أيضاً على ضرورة إصلاح نظام الحصص في صندوق النقد الدولي والبنك الدولي بما يعكس الوزن الحقيقي للاقتصادات الناشئة، مؤكداً أن “التمثيل الحالي لا يعكس الواقع الاقتصادي العالمي المتغير”، في إشارة إلى التمسك بجدول زمني محدد لإعادة هيكلة الحصص قبل نهاية 2025، كما دعا البيان إلى تعزيز مشاركة المرأة والدول النامية في قيادة المؤسسات الدولية، بما في ذلك الأمم المتحدة.
لكن هذه الدعوات، ورغم أهميتها الرمزية، قد لا تكفي إذا ما استمرت الولايات المتحدة في نهجها الانفرادي، إذ من شأن الرسوم الجمركية التي أعلن عنها ترامب أن تقلص صادرات دول بريكس إلى أمريكا بنسبة قد تصل إلى 9% سنوياً، وفق تقديرات أولية لبنك التنمية الآسيوي، ما سيؤثر على الموازنات العامة والهامش المالي للعديد من هذه الدول.
الجدير بالذكر أن عدداً من الدول الشريكة لـ”بريكس” أبدى تحفظاً على الدخول في صدام مباشر مع واشنطن، فقد أكدت الإمارات ومصر – في مداخلاتهما داخل القمة – على أهمية “الموازنة بين التعددية والشراكة الدولية”، وهو ما اعتُبر إشارة إلى الحرص على عدم تعريض علاقاتهما التجارية مع الولايات المتحدة لأي انتكاسات.
في هذا السياق، تواجه “بريكس” لحظة فارقة: فإما أن تنجح في توظيف قوتها السكانية والاقتصادية لبناء تحالف مؤسسي قادر على فرض نفسه كمحور عالمي، أو تتراجع إلى حالة رمزية تخضع لمعادلات القوة التقليدية. لكن مع وجود إدارة أمريكية تؤمن بتفكيك التعددية، فإن الخيارات أمام الاقتصادات الناشئة تضيق، والمرونة السياسية – لا الخطاب الحماسي – قد تكون العامل الحاسم في بقاء هذا التكتل متماسكاً.