
تقارير | بقش
أعلن حلف قبائل حضرموت عن التوصل إلى اتفاق مع السلطة المحلية في المحافظة بإشراف من السعودية، وسط اللحظات الأكثر توتراً وحساسية منذ سنوات، وبينما يستمر تنافس النفوذ، ورغم بروز اتفاق التهدئة الذي بدا في ساعاته الأولى وكأنه نقطة تحوّل، إلا أن الساعات التالية حملت روايتين متناقضتين تماماً، إذ اتهم كل طرف الآخر بخرق الاتفاق.
وفق اطلاع “بقش” على تفاصيل الاتفاق بين حلف قبائل حضرموت ويمثله عمرو بن حبريش العليي، والسلطة المحلية ويمثلها المحافظ المعيّن حديثاً سالم الخنبشي، فإن الاتفاق وُصف بأنه “لحظة انتصار للحكمة الحضرمية”، وأنه يعكس قدرة أبناء حضرموت على حل خلافاتهم داخلياً بعيداً عن التصعيد. وتم التوقيع برعاية لجنة وساطة قبلية وبإشراف مباشر من الفريق السعودي التابع للجنة الخاصة الذي وصل المكلا يوم أمس الأربعاء.
بنود الاتفاق شملت الوقف الفوري للتصعيد العسكري والأمني والإعلامي والتحريضي، واستمرار الهدنة حتى انتهاء لجنة الوساطة من أعمالها والوصول إلى اتفاق كامل، وانسحاب قوات الحلف إلى محيط الشركة (بمسافة لا تقل عن 1 كم)، مع عدم اعتراض حركة العاملين، على أن يبدأ التنفيذ الساعة الثامنة صباح اليوم الخميس 04 ديسمبر.
كما نص الاتفاق على إعادة تموضع قوات حماية الشركات التابعة للسلطة إلى مواقعها السابقة، وعودة موظفي شركة بترومسيلة للعمل، وانسحاب قوات النخبة المساندة إلى مسافة 3 كم، على أن تعود لمواقعها الأصلية عند التوصل لاتفاق كامل، ويبدأ التنفيذ أيضاً الساعة 8 صباحاً.
إضافةً إلى ذلك، نص الاتفاق على منع أي تعزيزات من الطرفين بعد الانسحاب، وعقد لقاء بين المحافظ وبن حبريش في منطقة (العليب) بعد إتمام الانسحابات مباشرة، ودمج أفراد قوات حماية حضرموت التابعة للحلف في قوات حماية الشركات النفطية، وتولي العميد أحمد عمر المعاري قيادة القوة المشتركة، وبقاء بن حبريش في موقعه داخل الكامب مع حراسته ومرافقيه ومنع أي مظاهر مسلّحة مدنية في الموقع، على أن يلتزم الطرفان بالكامل وينفذا كافة الخطوات بحضور الوساطة.
وفي وادي وصحراء حضرموت نشرت السلطة المحلية بياناً مقتضباً اطلع عليه بقش دعا إلى الحفاظ على الممتلكات، والتحلّي بالمسؤولية، والتعاون مع الجهات الأمنية، والحفاظ على السكينة العامة، وبدا البيان بمثابة تهيئة للسكان لاحتمال تطورات غير مضمونة.
بدء الانسحابات ثم انفجار الاشتباكات
وفق اطلاع بقش على ما نشرته “وكالة الأنباء الحضرمية”، انتشرت قوات النخبة فجر اليوم الخميس 04 ديسمبر 2025 في مواقع الشركات النفطية، وأمّنت محيط الحقول بعد انسحاب قوات الحلف.
وحسب هذه الرواية، كانت عملية الانتشار منظمة، بهدف تأمين المواقع الحيوية، لكن وقعت اشتباكات محدودة قبل خروج قوات الحلف بشكل كامل.
وانتشار النخبة جاء بعد اتفاق خفض التصعيد برعاية وفد سعودي رفيع يرأسه محمد القحطاني. ووفقاً للنخبة الحضرمية، فقد انسحب الحلف لتقوم هي بتأمين المواقع.
أما الحلف فقال إن قواته بدأت تنفيذ الاتفاق عند الساعة 6 صباحاً كما هو محدد، وأثناء الانسحاب تم الهجوم عليها مباشرة وبشكل مفاجئ من قِبل “قوات عسكرية تابعة لجهات متعددة”. وحمّل مصدر في الحلف المحافظَ مسؤولية ما يحدث، وطالب بالتدخل الفوري لوقف التصعيد.
أما رواية المنطقة العسكرية الثانية فهي أكثر حدة، فقد شنت المنطقة العسكرية الثانية هجوماً لفظياً غير مسبوق على بن حبريش، وقالت إنه في الساعة الرابعة فجراً قامت قوات “المدعو عمرو بن حبريش” بالهجوم على قوات النخبة، وصدت الأخيرة الهجوم ودفعت قوات الحلف إلى الفرار، ووصفت بن حبريش بـ”المتمرد” و”المطلوب للقضاء”، وأكدت السيطرة الكاملة على المواقع وتأمين الشركات.
البحسني: ما حدث تمرد أُنهي بإرادة الدولة
بدوره أصدر عضو المجلس الرئاسي فرج البحسني بياناً حاداً ضد حلف قبائل حضرموت، اعتبر فيه ما حدث “تمرداً” تم إنهاؤه بإرادة الدولة، وقال إن هيبة المؤسسات لا تخضع للمساومات، وأضاف أن حضرموت محصّنة من محاولة فرض أمر واقع، مشيداً بالنخبة الحضرمية بوصفها ركيزة الاستقرار. كما قال حسب قراءة بقش إن الدولة ردت على التمرد “بهدوء ظاهري، وصَرامة جوهرية”.
ووجه البحسني رسالته: “الدولة لا تُبتز، حضرموت لا تُهدد، وكل تمرد سيتلاشى”. ويمثل البيان إشارة إلى تجريد بن حبريش من أي غطاء رسمي.
معركة الروايات
يمكن تقسيم المواقف التي تتبَّعها بقش إلى ثلاث روايات رئيسية، رواية الحلف المتمثلة في تنفيذ الاتفاق ثم الهجوم على قواته، ورواية النخبة والمنطقة العسكرية الثانية المتمثلة في هجوم الحلف على مواقعها وأنها قامت فقط بالدفاع، وهي رواية تشمل نقاطاً مشتركة تلتقي عند اعتبار الخطوة هجوماً على الدولة، وتأمين الشركات باعتباره انتصاراً للدولة، وتسعى الرواية إلى ترسيخ فكرة أن ما حدث هو فرض النظام.
والرواية الثالثة هي رواية السلطة المحلية المحايدة ظاهرياً، التي دعت إلى الحفاظ على الممتلكات والتحلي بالمسؤولية، إلا أنها تقترب في باطنها من رواية النخبة وتتجنب تسمية أي طرف، وتحاول تسليط الضوء على تهدئة السكان دون كشف الخلافات الداخلية.
وتشير قراءة بقش إلى أن الاتفاق انهار خلال ساعات، بفعل غياب الثقة بين الطرفين، وبفعل هشاشة الاتفاق منذ البداية، إذ يبسط كل طرف نفوذاً فعلياً على الأرض، دون وجود ضامن قوي غير “الوفد السعودي”.
وثمة تنافس لا يزال قائماً على السيطرة على الشركات النفطية، فقطاع الشركات في المسيلة هو قلب اقتصاد حضرموت، أي إن من يسيطر عليه يمتلك النفوذ والتمويل وأوراق القوة.
بالنتيجة، هناك خسائر لحلف قبائل حضرموت تتمثل في سيطرة النخبة على مواقع الشركات، وبغطاء سياسي من البحسني، ما يمثل خسارة سياسية للحلف الذي تم تصويره كـ”متمرد”.
أما مكاسب السلطة المحلية فهو خروجها بصورة الطرف المسؤول وكسب دعم السعودية والقيادة السياسية.
ويتضح مما حدث أنه ليس حدثاً أمنياً معزولاً، بل حلقة جديدة في معركة النفوذ داخل حضرموت، حيث يتشابك المحلي بالإقليمي، وتتقاطع مصالح القوى، وتبقى الشركات النفطية هي مركز الثقل الذي يحدد مسار الصراع، في حين وصفت وسائل إعلام -منها دولية مثل دويتشه فيله الألمانية- أن ما حدث هو صراع بين السعودية والإمارات داخل أرض يمنية.


