حكومة مصر تعلن تحسن أمن البحر الأحمر وتستغرب عدم عودة شركات الشحن إلى السويس

في رسالة تهدف إلى طمأنة المجتمع الدولي وتنشيط أحد أهم الممرات الملاحية عالمياً، أكد رئيس مجلس الوزراء المصري، الدكتور مصطفى مدبولي، اليوم الأربعاء، أن الأشهر القليلة الماضية شهدت تحسناً ملموساً في أمن الملاحة بمنطقة البحر الأحمر.
وأشار في تصريحات تابعها بقش إلى توقف الهجمات التي كانت تستهدف السفن التجارية منذ شهر ديسمبر الماضي، ودعا إلى عودة حركة الشحن لطبيعتها عبر قناة السويس، وضخ استثمارات جديدة في منطقتها الاقتصادية.
جاءت تصريحات رئيس الوزراء خلال لقاء جمعه بنخبة من السفراء الأجانب المعتمدين لدى القاهرة، وذلك على هامش احتفال أقامته هيئة قناة السويس بمناسبة “يوم التفوق” في مدينة الإسماعيلية، بحضور عدد من الوزراء وكبار المسؤولين العسكريين والتنفيذيين المعنيين بإدارة القناة والمنطقة الاقتصادية. وهدف اللقاء إلى إطلاع الدبلوماسيين على الجهود المكثفة التي بذلتها مصر على مدار العقد الماضي لتطوير وتحديث مرفق القناة.
رئيس الوزراء شدد على المكانة الاستراتيجية لقناة السويس باعتبارها “شريان الملاحة الرئيسي للعالم”، مؤكداً أنها تمثل رمزاً للفخر والسيادة الوطنية المصرية التي دافعت عنها البلاد عبر تاريخها. وأشار إلى مشاريع التطوير الكبرى التي تم تنفيذها، لا سيما تلك المتعلقة بتوسعة وتعميق أجزاء من المجرى الملاحي لزيادة قدرته الاستيعابية وتعزيز كفاءته التشغيلية.
كانت النقطة المحورية في حديث رئيس الوزراء هي تأكيده على استعادة الاستقرار الأمني في ممر البحر الأحمر الحيوي، قائلاً إن الهجمات على السفن قد توقفت منذ نهاية العام الماضي. وبناءً على هذا التطور الإيجابي، حث مدبولي السفراء على نقل هذه الصورة المحدثة إلى حكوماتهم وشركاتهم، والعمل بفعالية على تشجيع خطوط الملاحة الدولية لاستئناف عبور سفنها عبر قناة السويس، مؤكداً على التطور الكبير في الخدمات الملاحية التي تقدمها القناة.
كما امتدت دعوته لتشمل حث الشركات الوطنية في بلدانهم على الاستفادة من الفرص الاستثمارية الواعدة والحوافز التنافسية التي توفرها المنطقة الاقتصادية لقناة السويس.
بنسبة 61%: خسائر قناة السويس
من جهته قال رئيس هيئة قناة السويس أسامة ربيع، إن إيرادات قناة السويس تراجعت في 2024 إلى 3.9 مليارات دولار، مقارنةً بـ10.2 مليارات دولار في 2023، بنسبة انخفاض 61%، متأثرةً باضطرابات الملاحة في البحر الأحمر.
وأوضح أن أعداد السفن في القناة انخفضت بنسبة 50%، وتراجعت الحمولات بنسبة 66%. وتفيد الإحصائيات الملاحية التي اطلع عليها بقش، بعبور 121.902 سفينة خلال الفترة (2019 – 2024) بحمولات صافية بلغت 7.154 مليار طن، مع إيرادات إجمالية قدرها 39.919 مليار دولار.
واستغرب رئيس هيئة قناة السويس من عدم عودة شركات الشحن العالمية لقناة السويس “رغم هدوء الأوضاع في البحر الأحمر”، وأكد أن الوضع في البحر أصبح آمناً، داعياً الشركات العالمية إلى العودة للممر الاستراتيجي.
تداعيات اضطرابات البحر الأحمر على التجارة العالمية
تأتي هذه التصريحات الحكومية في أعقاب فترة عصيبة شهدتها حركة الملاحة الدولية، حيث أدت الهجمات التي انطلقت من اليمن واستهدفت سفناً تجارية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب إلى تغيير جذري في مسارات الشحن العالمية. فقد اضطر العديد من كبرى شركات الشحن العالمية إلى تحويل مسار سفنها للدوران حول رأس الرجاء الصالح في أفريقيا، مما أدى إلى زيادة هائلة في تكاليف الشحن ومدد الرحلات، وأثر سلباً على سلاسل الإمداد العالمية وأسعار السلع في العديد من الدول.
وتُعدّ عائدات قناة السويس مصدراً رئيسياً للعملة الصعبة في مصر، حيث تدر مليارات الدولارات سنوياً على الخزانة العامة. وبالتالي، فإن تراجع حركة الملاحة بسبب التوترات الأمنية في البحر الأحمر قد شكل ضغطاً اقتصادياً كبيراً على البلاد. ولذلك، تمثل عودة انتظام حركة السفن عبر القناة أولوية قصوى للحكومة المصرية لاستعادة هذا المورد الحيوي ودعم استقرار الاقتصاد الوطني، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية العالمية الراهنة.
المنطقة الاقتصادية لقناة السويس: رافعة للتنمية
تُعتبر المنطقة الاقتصادية لقناة السويس مشروعاً محورياً ضمن رؤية مصر لتحقيق التنمية المستدامة وتنويع مصادر الدخل. تهدف المنطقة، بموقعها الاستراتيجي الذي يربط بين آسيا وأوروبا وإفريقيا، إلى جذب استثمارات ضخمة في قطاعات الصناعة والخدمات اللوجستية والتكنولوجيا والطاقة المتجددة.
ومن خلال توفير بنية تحتية متطورة وحزمة من الحوافز والتسهيلات الضريبية والجمركية، تسعى مصر لجعل هذه المنطقة مركزاً صناعياً ولوجستياً عالمياً قادراً على المنافسة وجذب رؤوس الأموال الأجنبية.
الأبعاد الجيوسياسية لأمن الممرات المائية
تؤكد التطورات الأخيرة في البحر الأحمر مجدداً على الأهمية الجيوسياسية للممرات المائية الرئيسية مثل قناة السويس ومضيق باب المندب.
فأمن هذه الممرات لا يؤثر فقط على حركة التجارة، بل يرتبط ارتباطاً وثيقاً بأمن الطاقة العالمي والاستقرار الإقليمي والدولي. ولذلك، فإن الجهود المبذولة لتأمين الملاحة في هذه المنطقة، والتي أشار إليها رئيس الوزراء المصري، تحظى باهتمام دولي واسع، وتعتبر جزءاً لا يتجزأ من الحفاظ على استقرار النظام الاقتصادي العالمي.