
تقارير | بقش
دق مركز الأبحاث التابع للكنيست الإسرائيلي (البرلمان) ناقوس الخطر بسبب نزوح الإسرائيليين خارج إسرائيل لأسباب اقتصادية وسياسية مرتبطة بالحرب وما قبلها (الصراع حول الإصلاحات القضائية).
وفقاً للتقرير الذي اطلع مرصد “بقش” على تفاصيله، غادر أكثر من 125 ألف مواطن إسرائيلي في الفترة بين مطلع عام 2022 ومنتصف عام 2024، ووصف التقرير ذلك بأنه ليس موجة هجرة فحسب بل “تسونامي من الإسرائيليين الذين يختارون مغادرة البلاد”.
وأسباب هذا “التسونامي” تعود إلى الحرب التي بدأت في 07 أكتوبر 2023، والاضطرابات السياسية التي بلغت ذروتها في احتجاجات حاشدة ضد خطة الحكومة الإسرائيلية لإصلاح القضاء عام 2023، إضافةً إلى التداعيات الاقتصادية للحرب الروسية-الأوكرانية.
وفي التفاصيل توضح الأرقام وضعاً كارثياً بسبب الهجرة الجماعية، ففي عام 2022 غادر أكثر من 59 ألف إسرائيلي، وفي 2023 بلغ عدد المغادرين أكثر من 82,800 شخص، أما في 2024 “من يناير حتى أغسطس” غادر نحو 50 ألف شخص تقريباً.
وبالمقابل، بلغ عدد العائدين إلى إسرائيل، من المقيمين في الخارج، نحو 29,600 شخص فقط في 2022، ونحو 24,200 شخص في 2023، و12,100 شخص في الأشهر الثمانية الأولى من 2024.
وللمقارنة، كان متوسط عدد المهاجرين الإسرائيليين على المدى الطويل بين عامي 2009 و2021 نحو 40,500 شخص سنوياً.
لماذا النزوح الجماعي؟
العوامل التي ساهمت في النزوح تشمل الحرب، والاضطرابات السياسية الداخلية خاصة الاحتجاجات ضد خطة الحكومة لإصلاح القضاء عام 2023، والتبعات الاقتصادية للحرب الروسية-الأوكرانية.
وتقول ليلاخ ليف، من كلية أورانيم، إن الدافع الأساسي في العقود السابقة كان البحث عن فرص التعليم والنجاح المهني، أما اليوم فالأسباب الأمنية – السياسية هي المحرك الرئيسي.
كما ذكر التقرير أن طلبات الإسرائيليين لإلغاء إقامتهم في البلاد تضاعفت أكثر من ثلاث مرات، من متوسط نحو 2,500 طلب قبل عام 2021، إلى نحو 8,400 طلب في 2024.
ويشير تقرير من صحيفة هآرتس العبرية إلى أن عدد المغادرين أكثر من ضعف ما كان عليه منذ تولي حكومة أكثر يمينية في إسرائيل منذ عام 2023، حسب اطلاع بقش، ومن جانب آخر يقول تقرير من منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إن هجرة مواطني إسرائيل ارتفعت بنسبة 8% في عام 2022، بما يقارب 9,800 شخص، نحو الولايات المتحدة وألمانيا وكندا.
وتمثل ظاهرة النزوح الجماعي من إسرائيل نقطة تحول من حيث العدد غير المسبوق من الإسرائيليين الذين يقررون المغادرة، ليس فقط بحثاً عن فرص أفضل، بل بدوافع مرتبطة بالأمن والاستقرار والسياسة الداخلية، وبظروف اقتصادية متدهورة أو متوقعة.
عواقب وخيمة على الاقتصاد الإسرائيلي
نزوح أعداد كبيرة من المواطنين، خاصة من الفئة العمرية الشابة (20-39 عاماً) كما تفيد التقارير، يعني خسارة رأس مال بشري مهم، من عمالة متمكنة ومؤهلة وكوادر متعلمة.
ويثير هذا النزوح خطر ما يوصف بـ”هجرة الأدمغة”، إذ إن بعض الأكاديميين والأطباء والمهندسين، قد يظلّون في الخارج أو ينتقلون نهائياً، ما يؤثر على القدرات التكنولوجية والتعليمية.
ومن الناحية الديموغرافية، فإن تغير ميزان الهجرة من إيجابي إلى سلبي يدل على تعديل في نمو السكان، قد يؤثر في قوة العمل مستقبلاً، وفي مستويات الاستهلاك، وفي قدرة البلاد على النمو الاقتصادي.
وسيؤدي انخفاض عدد القوى العاملة المؤهلة إلى نقصان في الإنتاجية، وبالتالي تباطؤ في النمو الاقتصادي على المدى المتوسط والطويل.
وتفيد التقارير الإسرائيلية إلى أن تكاليف الحرب بين 2023-2025 قد تصل إلى نحو 55.6 مليار دولار، ما يعادل نحو 10% من اقتصاد إسرائيل تقريباً.
ويؤكد تكرر خروج فئات مؤهلة من إسرائيل على التغيير الهيكلي في الاقتصاد المتدهور بالأساس، حيث يُتوقّع انخفاض الابتكار وتراجع التنافسية الدولية وتمدّد الفئات السكانية التي قد تكون أكثر اعتماداً على الدولة أو أقل إنتاجية، ما يؤدي إلى ضعف النمو.
وسيزيد استمرار حالة الاستقرار السياسي المنخفض من الميل للمغادرة، كما يؤدي تراجع النمو السكاني والنوعي إلى ضغط أكبر على المالية العامة، ما يتطلّب إنفاقاً أعلى وضمانات اجتماعية.
وربما تحتاج إسرائيل إلى خطة شاملة لكبح النزوح وتحفيز العودة، فبحسب التقرير الإسرائيلي فإن الحكومة لا تمتلك حالياً خطة واضحة للتعامل مع هذه الظاهرة المتفاقمة، وينبغي وضع استراتيجية شاملة تتضمن بيانات واضحة لمن يغادرون، ولماذا يغادرون وأين يذهبون، وكيف يمكن جذبهم للعودة أو على الأقل الحفاظ على ارتباطهم بالاقتصاد الإسرائيلي.
كما تحتاج إسرائيل إلى حماية رأس المال البشري والتكنولوجي، من خلال استهداف الفئات الشابة والعاملة في التقنيات، بالتشجيع على البقاء والابتكار، وتأسيس شركات داخل إسرائيل، أو التعاون مع الشركات العالمية بمقرات في إسرائيل.
وفي المحصلة تخلص قراءة بقش إلى موجة الهجرة الإسرائيلية تكشف عن أزمة عميقة تتجاوز حدود الأرقام والإحصاءات، فهي تعبير صارخ عن تآكل الثقة في المستقبل الداخلي لإسرائيل، وعن شعور متزايد بعدم الاستقرار والاختناق السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
وفي حال استمرار مسار الهجرة غير المسبوق، فإن النتائج ستكون ضارة للغاية على المدى البعيد، إذ ستشهد إسرائيل مزيداً من تراجع النمو وانكماش قاعدة الضرائب وتقلّص الاستثمارات الأجنبية، وتآكل صورة إسرائيل وسمعتها الدولية.