خسارة 100 مليار دولار في ساعات… تغريدة واحدة من مالكة “تشات جي بي تي” تربك عرش “غوغل”

منوعات | بقش
في واقعة تكشف هشاشة عمالقة التقنية أمام نبض الأسواق، فقدت شركة ألفابت، المالكة لمحرك البحث غوغل، أكثر من 100 مليار دولار من قيمتها السوقية في غضون ساعات قليلة، بعد تغريدة قصيرة من شركة أوبن أي آي.
المنشور، الذي لم يتجاوز ست ثوانٍ، كان كافياً لإطلاق واحدة من أكثر الهزات المفاجئة في وول ستريت، بعدما أعلنت الشركة المطوِّرة لـ”شات جي بي تي” وفق متابعات بقش عن متصفح جديد يحمل اسم أطلس (Atlas)، يشكّل تهديداً مباشراً لهيمنة غوغل كروم على عالم الإنترنت.
ورغم تعافي أسهم “ألفابت” تدريجياً بنهاية اليوم، إلا أن الحدث كان أشبه بصفعة رمزية في وجه “غوغل”، إذ أظهر أن السيطرة على الإنترنت لم تعد بيد من يملك محرك البحث، بل من يملك الذكاء الذي يفسّر ما يبحث عنه المستخدم.
أطلس يدخل المشهد.. الإنترنت بصوت شات جي بي تي
قدّمت “أوبن أي آي” خلال بث مباشر متصفحها الجديد “أطلس”، وهو أول متصفح ويب مدمج بالكامل بالذكاء الاصطناعي.
ووفق اطلاع مرصد “بقش”، يتيح “أطلس” للمستخدمين التواصل مع “شات جي بي تي” مباشرة أثناء تصفحهم لأي موقع، من خلال زرّ صغير في الزاوية يُسمّى “اسأل شات جي بي تي”، ليقدّم إجابات فورية، ويكتب الملخصات، وينفّذ المهام دون الحاجة لمغادرة الصفحة.
الميزة الأبرز كانت ما سمّته الشركة “وضع الوكيل”، حيث يستطيع الذكاء الاصطناعي تصفّح المواقع، والبحث عن المعلومات بنفسه، والعودة بالنتائج، بينما يكتفي المستخدم بالمشاهدة أو المتابعة.
قال الرئيس التنفيذي للشركة سام ألتمان خلال العرض: “مع أطلس، يمكن لشات جي بي تي أن يرافقك عبر الويب، ويفهم ما تريد القيام به، وينجز المهام نيابةً عنك دون أن تنسخ أو تلصق شيئاً”.
بهذه الرؤية، تحاول “أوبن أي آي” تحويل الذكاء الاصطناعي من أداة تفاعلية إلى شريك رقمي فعّال، يعيش داخل المتصفح ذاته.
خسارة المئة مليار: تغريدة تهز وول ستريت
بعد ساعات من نشر الفيديو التشويقي على منصة إكس (تويتر سابقاً)، اهتزت أسواق المال.
هبط سهم شركة ألفابت من 252.68 دولاراً إلى 246.15 دولاراً خلال 15 دقيقة فقط، ما يعادل خسارة تفوق مئة مليار دولار من القيمة السوقية.
ورغم أن السهم تعافى تدريجياً وأغلق عند 250.46 دولاراً، إلا أن الانخفاض بنسبة 2.37% كان كافياً لإشعال القلق بين المستثمرين.
السبب لم يكن في مضمون الفيديو نفسه، بل في رمزيته: للمرة الأولى منذ عقدين، تواجه “غوغل” منافساً يهدد جوهرها، البحث نفسه.
ومع قاعدة جماهيرية تتجاوز 700 مليون مستخدم لتطبيق “شات جي بي تي”، باتت “أوبن أي آي” قادرة على دفع الأسواق إلى التفاعل الفوري مع أي إعلان تُصدره.
أكّد سام ألتمان حسب قراءة بقش أن النسخة التجريبية من “أطلس” أصبحت متاحة مجاناً لمستخدمي أجهزة آبل، بينما سيتاح “وضع الوكيل” حصرياً للمشتركين في نسخ بلاس (Plus) وبرو (Pro) المدفوعة من “شات جي بي تي”.
وأضاف أن الشركة تعمل على توسيع نطاق المتصفح ليشمل أنظمة ويندوز والهواتف المحمولة “في أقرب وقت ممكن”، دون تحديد موعد نهائي.
العروض التوضيحية التي قُدمت خلال البث كشفت تشابهاً كبيراً بين “أطلس” ومتصفحي غوغل كروم ومايكروسوفت إيدج، لكن الاختلاف الجوهري يكمن في الفكرة: في حين تبني “غوغل” ذكاءها داخل متصفحها، تبني “أوبن أي آي” متصفحها داخل الذكاء نفسه.
هذا التحوّل المفاهيمي يجعل من “أطلس” أكثر من مجرد منافس تقني، بل محاولة لاحتلال نافذة الدخول إلى الإنترنت التي احتكرتها “غوغل” لعقود.
سباق المليارات: المنافسة تشتعل في وادي السيليكون
يرى محلل التكنولوجيا في مؤسسة “إي ماركتر” جاكوب بورن أن متصفح “أوبن أي آي” يضع ضغطاً مباشراً على “غوغل”، ويُجبرها على تسريع تطوير قدراتها في الذكاء الاصطناعي.
وقال بورن: “هذه الخطوة تعمّق سباق الذكاء الاصطناعي، حيث تتنافس شركات مثل أمازون وميتا ومايكروسوفت و(إكس أي آي) التابعة لإيلون ماسك على من يسيطر على نقطة الاتصال الأولى لمستخدمي الإنترنت”.
ومع أن “غوغل” تملك ميزة هائلة من حيث البنية التحتية وعدد المستخدمين، إلا أن “أوبن أي آي” تستفيد من الزخم الشعبي الهائل الذي صنعه “شات جي بي تي”. التحدي الحقيقي، بحسب بورن، هو ما إذا كان “أطلس” سيستطيع تحمّل الضغط التشغيلي نفسه الذي تواجهه “غوغل” يومياً عندما يستخدم مليارات الأشخاص محركها ومنصاتها في الوقت ذاته.
الحدث لم يكن مجرّد إعلان منتج جديد، بل مؤشر على تحوّل موازين القوى الرقمية.
فقد أصبح الذكاء الاصطناعي قادراً على تهديد عمالقة الإنترنت بتغريدة واحدة، مذكّراً العالم أن المستقبل لا ينتمي لمن يملك أكبر قاعدة بيانات، بل لمن يملك خوارزمية أكثر فهماً للمستخدم.
خسارة “غوغل” المليارية قد تُستعاد خلال أيام، لكن الخسارة الرمزية أعمق بكثير: لم تعد الشركة المرجعية الوحيدة للبحث على الويب، بل تواجه منافساً يستطيع إعادة تعريف مفهوم التصفّح ذاته.
وبينما تسابق “غوغل” الزمن لتلحق بثورة الذكاء التفاعلي، تمضي “أوبن أي آي” نحو هدفها بثقة: أن يصبح “شات جي بي تي” الرفيق الدائم للمستخدم، لا مجرد موقع أو تطبيق.
في النهاية، لم تغيّر تغريدة واحدة السوق فحسب، بل أعلنت ولادة مرحلة جديدة في الإنترنت، مرحلةٍ قد تختصرها جملة واحدة: الذكاء الاصطناعي لم يعد يبحث عن المعلومات — بل صار هو من يكتبها.