
تسلّط رسوم ترامب الجمركية الضوء على أضرار سيتكبدها الأمريكيون أنفسهم. على سبيل المثال، يخشى المزارعون الأمريكيون خسائر في قطاع الصادرات الزراعية البالغة قيمته 191 مليار دولار سنوياً، بسبب فرض الرسوم على كندا والمكسيك والصين والرسوم المحتملة على الاتحاد الأوروبي.
تزداد مخاوف المزارعين الأمريكيين -الذين تمثلهم جمعيات المزارعين- بسبب الرد الصيني الفوري على الرسوم الأمريكية. وفرضت الصين رسوماً انتقامية على المنتجات الزراعية الأمريكية بقيمة 21 مليار دولار، بينما ردّت كندا برسوم على واردات أمريكية بقيمة 30 مليار دولار كندي ( 20.84 مليار دولار أمريكي).
الزراعة نقطة ضعف أمريكية
تعني هذه الرسوم الانتقامية ارتفاع تكاليف الإنتاج وانخفاض القدرة التنافسية للمنتجات الأمريكية في الأسواق العالمية وفق متابعات بقش، بينما يكافح المزارعون الأمريكيون بالفعل مع تراجع أسعار المحاصيل وزيادة تكاليف الأسمدة والطاقة.
فمثلاً، شهد مزارعو فول الصويا الأمريكيون تراجعاً في الطلب الصيني، وهذا ترك فائضاً في السوق المحلية الأمريكية، وأدى إلى انخفاض حاد في الأسعار.
وقد بدأت الحرب التجارية بين أمريكا والصين عام 2018، حين فرض ترامب رسوماً جمركية بمليارات الدولارات على الواردات الصينية، بدعوى حماية الصناعات الأمريكية من الممارسات التجارية غير العادلة، لكن بكين ردّت بإجراءات مماثلة، واستهدفت بالتحديد المنتجات الزراعية. فاستهداف هذه المنتجات مثّل وسيلة للضغط السياسي على البيت الأبيض، نظراً لأهمية القطاع الزراعي في الولايات الانتخابية المؤثرة.
وفي هذه الأثناء، يحتاج المزارعون الأمريكيون إلى حماية صناعتهم من المنافسة الخارجية، إذ هم مهددون بالعزلة التجارية وما تخلّفه من مخاطر على الصناعة الزراعية الأمريكية، ما لم تتدخل الحكومة الأمريكية لدعم القطاع عبر حزم مساعدات أو سياسات تعويضية.
وكانت صحيفة غلوبال تايمز المدعومة من الدولة الصينية، ذكرت في تقرير حديث اطلع عليه بقش، أنّ “بكين تضع الصادرات الزراعية الأمريكية في مرمى نيرانها”.
وكمن يقتنص نقطة ضعف خصمه، تركّز الصين على المنتجات الزراعية والغذائية الأمريكية لتفرض عليها الرسوم الجمركية الصينية. حيث تُعتبر الصين أكبر سوق للمنتجات الزراعية الأمريكية.
وتقول جينيفيف دونيلون ماي، الباحثة في جمعية أكسفورد العالمية، إن أي رسوم جمركية على المنتجات الزراعية الأمريكية الرئيسية، مثل فول الصويا واللحوم والحبوب، قد تؤثر بشكل كبير على التجارة بين الولايات المتحدة والصين وكذلك المصدّرين والمزارعين الأمريكيين، مؤكدة أن القطاع الزراعي الأمريكي كان لديه الوقت للاستعداد لإدارة ترامب الثانية والحرب التجارية الثانية، ويجب عليه العثور على أسواق بديلة، لكن الواقع أكثر تعقيداً بكثير.
ومن المقرر أن تدخل الرسوم الصينية بنسبة 15% حيز التنفيذ الأسبوع المقبل على سلع مثل القمح والذرة والقطن والدجاج. ومن جانب آخر قدمت بكين، الثلاثاء، شكوى إلى منظمة التجارة العالمية ضد أمريكا بشأن الرسوم، ووصفتها بأنها إجراءات أحادية تنتهك قواعد منظمة التجارة العالمية بشكل خطير وتقوّض أساس التعاون الاقتصادي والتجاري بين الصين والولايات المتحدة.
أضرار على قطاعات أخرى
لعل ترامب يستشعر خطورة إجراءاته، لذلك -وعلى سبيل التهدئة- أعلن البيت الأبيض عن إعفاء شركات صناعة السيارات من الرسوم الجمركية المفروضة على كندا والمكسيك بنسبة 25% لمدة “شهر واحد” طالما أنهما يمتثلان لشروط اتفاقية التجارة الحرة الحالية.
وذكر البيت الأبيض أن ترامب منفتح أيضاً على الاستماع إلى المنتجات الأخرى التي يجب إعفاؤها من التعريفات الجمركية، والتي دخلت حيز التنفيذ يوم الثلاثاء.
بنفس الوقت يرى خبراء الاقتصاد في بنك الاستثمار الأمريكي “غولدمان ساكس” أن سياسة الرسوم الجمركية ستستفيد منها قطاعات أمريكية قليلة، مثل النفط والغاز وإنتاج الصلب والألمونيوم.
لكن في المقابل ستؤدي الرسوم الجمركية إلى رفع تكاليف الإنتاج في بعض الصناعات، فضلاً عن دفع الدول الأخرى للرد بإجراءات انتقامية ضد الصادرات الأمريكية، وهذه العوامل ستؤثر سلباً على الناتج المحلي الإجمالي وفقاً للبنك الأمريكي.
وذلك يضاف إلى أن الرسوم سترفع معدلات التضخم على المستهلكين الأمريكيين بدءاً من المواد الغذائية حتى الملابس والسيارات وغيرها من السلع.