الاقتصاد العالمي
أخر الأخبار

خطر محدق يهدد الجامعات الأمريكية بخسارة 43 مليار دولار: تراجع حاد غير مسبوق في اهتمام الطلاب الدوليين

شهدت مؤسسات التعليم العالي في الولايات المتحدة، منذ بداية عام 2025، تحولاً دراماتيكياً ينذر بعواقب وخيمة، تمثّل في هبوط قياسي لاهتمام طلاب الدراسات العليا الدوليين بالالتحاق بالجامعات الأمريكية. البيانات الصادرة عن منصة StudyPortals الهولندية كشفت عن تراجع مذهل بلغت نسبته 42% منذ الأسبوع الأول من يناير، وهي الفترة التي تزامنت مع سيطرة الحزب الجمهوري على الكونغرس الأمريكي واستعداد البلاد لتنصيب الرئيس دونالد ترامب في 24 يناير 2025.

يأتي هذا الانخفاض ليشكّل نقيضاً حاداً للنمو الذي شهدته السنوات الماضية؛ فوفقاً لتقرير صادر عن NAFSA (رابطة التربويين الدوليين) في نوفمبر الماضي، كانت أعداد الطلاب الدوليين في ارتفاع ملحوظ، حيث زادت بنسبة 6.6% بين عامي 2023 و2024، و11.5% في العام الذي سبقه.

الآثار الاقتصادية المحتملة لهذا التراجع مقلقة للغاية، حيث يُقدّر مساهمة الطلاب الدوليين في الاقتصاد الأمريكي بنحو 43 مليار دولار خلال العام الدراسي 2023-2024 وحده، ومعظمهم من طلاب الدراسات العليا. وتحذر NAFSA والخبراء من أن استمرار هذا الاتجاه يمكن أن يحرم الاقتصاد الأمريكي من عشرات المليارات من الدولارات.

في مفارقة لافتة، بينما يتضاءل اهتمام الطلاب الأجانب، يسجّل عدد الطلاب الأمريكيين الذين يبحثون عن فرص للدراسة خارج البلاد مستويات تاريخية مرتفعة، متجاوزاً الأحجام المعتادة لخمسة أضعاف تقريباً على منصة StudyPortals، وهو ما يشبه الفترة التي أعقبت انتخاب ترامب في نوفمبر 2024.

يعزو إدوين فان ريست، الرئيس التنفيذي لـ StudyPortals التي استخدمها ملايين الطلاب حول العالم، هذا الهبوط الحاد في الطلب على برامج الماجستير والدكتوراه إلى عدة عوامل، أبرزها الارتفاع الملحوظ في معدلات رفض تأشيرات الدخول للطلاب.

يحذر فان ريست من أن الولايات المتحدة لا تخاطر بخسارة مكاسب اقتصادية مباشرة فحسب، بل أيضاً بتدفق المواهب الحيوية التي لطالما كانت ركيزة أساسية في مجالات البحث وريادة الأعمال والقيادة المؤسسية.

مشهد سياسي ضبابي يربك الطلاب والمؤسسات

التحولات السياسية الأخيرة في واشنطن تلقي بظلال من عدم اليقين على مشهد التعليم العالي الأمريكي، مما يزيد من حيرة الطلاب الدوليين المحتملين. تؤكد “فانتا آو”، الرئيسة التنفيذية لـ NAFSA، أن منظمتها تعمل على فهم تداعيات السياسات الفيدرالية الجديدة، مشددة على حاجة الولايات المتحدة إلى مزيد من الوضوح لتوجيه الطلاب.

لا يقتصر التحدي على السياسات، بل يمتد ليشمل حالة عدم اليقين المالي الناتجة عن تخفيضات تمويل بمليارات الدولارات. يؤكد فان ريست أن الطلاب، خصوصاً الدوليين الذين يستثمرون مبالغ طائلة ويبتعدون عن أوطانهم، يحتاجون إلى ضمانات بشأن استقرار مستقبلهم الأكاديمي. أخبار تخفيضات التمويل الحكومي التي تنتشر عالمياً لا توفر هذا الشعور بالاستقرار.

يعقد هيكل تمويل الأبحاث الجامعية في الولايات المتحدة الوضع، حيث لا يوجد وزارة تعليم عالي مركزية، بل يأتي التمويل من وكالات حكومية متعددة. كشفت تقارير مبكرة في يناير عن تجميد إدارة ترامب لتمويل المعاهد الوطنية للصحة (NIH) -وهو قرار تم التراجع عنه لاحقاً- لكنه ألقى بظلاله على آلاف الباحثين. تبع ذلك أوامر قضائية ضد محاولات لتحديد سقف للتكاليف غير المباشرة للأبحاث، مما أثار مخاوف جادة. حذّر قادة من رابطة الكليات الطبية الأمريكية من أن هذه الإجراءات ستؤدي حرفياً إلى “انطفاء الأضواء في المختبرات” وفقدان وظائف للباحثين والموظفين.

الآثار الملموسة لتخفيضات التمويل بدأت تظهر بوضوح في مؤسسات مختلفة. جامعة ولاية تينيسي (TSU)، على سبيل المثال، تواجه احتمال تجميد أو تعليق منح فيدرالية بقيمة 115 مليون دولار من وزارة الزراعة، مما يهدد وظائف عشرات الموظفين، ويأتي ذلك في سياق تقارير سابقة عن نقص تمويل كبير عانت منه الجامعة. كما خفضت وزارة الزراعة 78% من أموال الأبحاث في جامعة ويسكونسن-ماديسون، مما يقوض جهود البحث الزراعي الحيوية لمواجهة تحديات مثل مكافحة الآفات والطقس القاسي.

في استجابة مباشرة لهذه الضبابية المالية، أعلنت جامعات كبرى مثل هارفارد وستانفورد ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وغيرها عن تجميد أو توقيف التعيينات. كما شهدت العشرات من الجامعات المرموقة تراجعاً أو تعليقاً أو تجميداً في قبول برامج الدراسات العليا، بل وصل الأمر إلى سحب خطابات القبول في بعض الحالات، مثلما حدث في كلية الطب بجامعة ماساتشوستس تشان.

تسلط قضية الباحثة دانييلا فوديرا في جامعة كولومبيا الضوء على التأثير الشخصي لهذه التخفيضات. فقد أدى قرار وزارة التعليم بسحب منحة ضخمة من كولومبيا، بسبب مخاوف تتعلق بمعاداة السامية، إلى إنهاء بحث الدكتوراه الخاص بفوديرا حول سرطان الرحم، على الرغم من عدم وجود صلة بين بحثها وقضايا الاحتجاج. اعتبرت فوديرا هذا القرار مثالاً على “النفاق” واستهداف الباحثين.

يؤكد توماس بي كيمبيس، المدير التنفيذي للجمعية الوطنية لزملاء ما بعد الدكتوراه، على وضع هؤلاء الباحثين الهش بشكل خاص، فهم في بداية حياتهم المهنية ويعتمدون بشكل كبير على التمويل. يصف قطع التمويل عنهم بأنه أشبه بـ “إصدار أمر للمزارعين بترك حقولهم بائرة قبل الحصاد”.

تعكس جامعة وست فيرجينيا الوضع الحالي بالحد من القبول في برامج الدكتوراه بسبب عدم وصول منحة متوقعة من المعاهد الوطنية للصحة. تشرح الجامعة أن دعم التكاليف غير المباشرة للأبحاث ضروري للحفاظ على البنية التحتية، وبدونه تتعرض البرامج البحثية للخطر، مما يهدد “الازدهار الوطني المستمر”.

سمعة أمريكا على المحك وتنافس دولي متزايد

ينظر الخبراء بقلق بالغ إلى تداعيات هذا المشهد على سمعة الولايات المتحدة كوجهة عالمية للدراسات العليا. بينما تقدم الجامعات الأمريكية تعليماً عالي الجودة وتستفيد من مساهمات الطلاب الدوليين، تشير فانتا آو إلى أن الساحة الدولية لم تعد تقتصر على “الأربعة الكبار” التقليديين (الولايات المتحدة، المملكة المتحدة، كندا، أستراليا)، بل أصبحت هناك “العشرون الكبار”، مما يعني أن الطلاب لديهم خيارات متعددة وجذابة.

الخوف هو أن يؤدي هذا الارتباك والغموض إلى إرسال رسالة بأن أمريكا أصبحت أقل ترحيباً وانغلاقاً على نفسها. يفاقم هذا القلق مخاوف فان ريست من احتمال تقليص عدد تأشيرات الطلاب، وهي أخبار تنتشر بسرعة في العصر الرقمي وتؤثر بشكل مباشر على أحلام الطلاب وعائلاتهم القلقة.

يؤكد فان ريست أن الطلاب وأولياء أمورهم حول العالم يشعرون بالقلق وخيبة الأمل، على الرغم من أن الولايات المتحدة لا تزال تضم العديد من أفضل الجامعات وملهمة لأحلام بناء مستقبل في بيئة رائدة للابتكار وريادة الأعمال. ومع ذلك، بدأت العائلات تشكك في جدوى أو حتى رغبة القدوم إلى الولايات المتحدة، وتفضل وجهات توحي بمزيد من الاستقرار والترحيب مثل أوروبا أو آسيا.

يُعد فقدان المواهب تحدياً وجودياً للولايات المتحدة. يشير كيمبيس إلى أن حوالي 58% من زملاء ما بعد الدكتوراه في أمريكا هم من الخارج، وهم يشكلون “المعيار الذهبي” للبحث العالمي. إن تقليص أعدادهم، خاصة وأن الكثيرين منهم يشعرون بالخطر بالفعل بسبب وضعهم الهجري، يعني التنازل عن موقع القيادة الأمريكية في البحث العلمي لصالح منافسين اقتصاديين وعسكريين.

باختصار، تواجه الجامعات الأمريكية أزمة متعددة الأوجه؛ تراجع في الطلب الدولي، سياسات حكومية غير واضحة، وتخفيضات تمويل تهدد البنية التحتية البحثية ووظائف الباحثين. إن قدرة الولايات المتحدة على استقطاب المواهب العالمية والحفاظ على ريادتها العلمية والأكاديمية أصبحت على المحك، وتتطلب معالجة سريعة وحاسمة لهذه التحديات المتصاعدة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى