
الاقتصاد العالمي | بقش
يشتد الجدل في الولايات المتحدة بشأن مشروع قانون ترامب الذي تجري مناقشته في مجلس الشيوخ الأمريكي، بينما يزداد الصراع بين ترامب والملياردير إيلون ماسك الذي كان يوماً جزءاً من إدارة ترامب ورئيساً لإدارة الكفاءة الحكومية، إلا أن فريق الكفاءة نفسه الذي كان يقوده ماسك ربما يسلط سخطه على شركات ماسك وإنتاجاتها في الولايات المتحدة، بأوامر مباشرة من ترامب.
وهذا الصراع يأتي على خلفية دعوة إيلون ماسك للمواطنين الأمريكيين إلى الضغط على المشرعين لرفض مشروع قانون ترامب المرتبط بالضرائب والإنفاق، والذي أثار جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والاقتصادية، لكون مشروع القانون يهدد بإفلاس أمريكا كما يرى ماسك، معتبراً أنه يرفع سقف الدين دون تقليص كافٍ في الإنفاق، ما سيؤدي برأيه إلى زيادة العجز وتسريع نمو الدين الوطني.
وفي الوقت الحالي تتم مناقشة مشروع القانون في مجلس الشيوخ، وإذا تم تمريره هناك، سيُحال إلى مجلس النواب للموافقة النهائية.
“اقتتال داخلي” لتمرير مشروع القانون
وفق اطلاع بقش على هذا الملف الأكثر حساسية في أمريكا اليوم، يريد ترامب تمرير مشروع القانون قبل عطلة عيد الاستقلال في 04 يوليو الجاري، ولا يزال الجمهوريون في مجلس الشيوخ الأمريكي يحاولون تمرير مشروع القانون لخفض الضرائب والإنفاق، الذي سيضيف 3.3 تريليونات دولار إلى الدين العام الأمريكي، أي أكثر بمقدار 800 مليار دولار من النسخة التي تم تمريرها الشهر الماضي في مجلس النواب، في الوقت الذي تجري فيه مخاوف من تراكم الديون البالغة حالياً بالفعل 36.2 تريليون دولار.
وقال زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ، تشاك شومر، في خطاب ألقاه أمام مجلس الشيوخ: “هذا القانون، كما قلنا منذ أشهر، يسرق الرعاية الصحية للناس، ويرفع فاتورة الكهرباء لدفع الإعفاءات الضريبية للمليارديرات”.
لكن يرى أعضاء آخرون في الكونغرس أن التخفيضات الضريبية ستساعد العائلات والشركات الصغيرة.
ويصف ترامب مشروع القانون بـ”الكبير والجميل”، وكان قد تعهد خلال حملته الانتخابية بإلغاء الضرائب المفروضة على دخل الضمان الاجتماعي، وهي مدفوعات شهرية تُقدّم للأشخاص ذوي الإعاقة وكبار السن. لكن مشروع القانون في مجلس النواب لم يفِ بهذا التعهّد، واقتصر على رفع مؤقت للخصم الضريبي المعياري بما يصل إلى 4 آلاف دولار للأفراد الذين تبلغ أعمارهم 65 عاماً أو أكثر.
ومن أجل تمويل التخفيضات الضريبية في مجالات أخرى، أضاف الجمهوريون مزيداً من القيود والمتطلبات على برنامج “ميديكيد”، وهو برنامج الرعاية الصحية الذي يعتمد عليه الملايين من كبار السن وذوي الإعاقة وذوي الدخل المنخفض. وشكّلت التعديلات المقترحة على بند “ميديكيد”، الذي يُعد من أكبر بنود الإنفاق الفيدرالي، محوراً رئيسياً للجدل السياسي. ومن هذه التعديلات، فرض شروط عمل جديدة على البالغين من غير ذوي الإعاقة الذين لا يعولون أطفالاً.
ترامب يهدد ماسك: لا مزيد من الدعم الحكومي
اليوم الثلاثاء هاجم ترامب ماسك، وقال إنه يعتمد على الدعم الحكومي الأمريكي، قائلاً: “ربما يحصل إيلون على دعم أكثر من أي إنسان في التاريخ، وبفارق كبير، وبدون الدعم ربما كان سيضطر إيلون إلى وقف أعماله والعودة إلى موطنه في جنوب أفريقيا”.
ودعا ترامب إدارة الكفاءة الحكومية إلى دراسة خفض الدعم الذي تتلقاه شركات إيلون ماسك من أجل توفير أموال الحكومة الفيدرالية، وقال ترامب: “لا مزيد من إطلاق الصواريخ، أو الأقمار الصناعية، أو إنتاج السيارات الكهربائية، وستوفر بلادنا ثروة طائلة. ربما ينبغي علينا جعل إدارة الكفاءة الحكومية تلقي نظرة فاحصة وجادة حول هذا الأمر؟ إنها أموال طائلة يمكن توفيرها”.
تصريحات ترامب هذه التي اطلع عليها بقش جاءت رداً مباشراً على انتقادات ماسك لمشروع قانون الإنفاق الذي يتضمن بالأساس خفضاً كبيراً للدعم المخصص للسيارات الكهربائية، وهو ما وصفه ماسك سابقاً بأنه “يضرّ بمستقبل الصناعة ويمنح الأفضلية لصناعات الماضي”.
وتعكس تصريحات الرئيس الأمريكي تحولاً سياسياً واضحاً في الخطاب الجمهوري تجاه الصناعات النظيفة، ففي حين استفادت شركات مثل “تسلا” و”سبيس إكس” لعقود من حوافز بيئية ودعم الابتكار، يعيد ترامب ترتيب أولويات الموازنة نحو ما يسميه “الصناعات الحقيقية”، أي الوقود الأحفوري، والمصانع، والبنية التحتية التقليدية. ويأتي هذا ضمن حملته لإعادة رسم السياسات الصناعية الأمريكية لصالح ما يسميه “الطبقة العاملة التي تضررت من العولمة والتكنولوجيا”.
وكان ماسك قد هاجم مشروع القانون يوم أمس الإثنين، وقال إن كل عضو في الكونغرس خاض حملته الانتخابية على أساس خفض الإنفاق الحكومي ثم صوّت فوراً لصالح أكبر زيادة في الدين في التاريخ، ينبغي أن يشعر “بالخزي والعار”. وأضاف: “وسيفقدون مقاعدهم في الانتخابات التمهيدية العام المقبل، ولو كان هذا آخر شيء أفعله في حياتي”.
وفي منشور آخر، هاجم ماسك ما وصفه بـ”الحزب الواحد الديمقراطي-الجمهوري”، قائلاً إنه “إذا تم تمرير مشروع قانون الإنفاق المجنون هذا، فسيتم تأسيس حزب أمريكا في اليوم التالي”. وتابع: “حان الوقت لتشكيل حزب سياسي جديد يهتم فعلياً بالشعب”.
الدعم الحكومي لشركات “ماسك”
كشف تحقيقان صحافيان موسعان نُشرا العام الجاري بحسب متابعات بقش، الأول في صحيفة واشنطن بوست في فبراير الماضي، والثاني في شبكة فوكس بيزنس في يونيو المنصرم، عن أن شركات إيلون ماسك، وعلى رأسها “تسلا” و”سبيس إكس”، تلقت ما لا يقل عن 38 مليار دولار من أموال الحكومة الأمريكية خلال العقدين الماضيين. ووفق ما نُشر فإنه تم تخصيص نحو ثلثي هذا المبلغ في السنوات الخمس الأخيرة فقط، وسط توسع كبير في العقود الدفاعية والبيئية، مما يسلّط الضوء على التناقض بين الخطاب السياسي المحافظ ضد الإعانات، وبين واقع الاعتماد المتزايد عليها من قبل بعض رموز القطاع الخاص.
وفي 2024 حصلت شركات ماسك على ما لا يقل عن 6.3 مليارات دولار من عقود ومساعدات حكومية فيدرالية ومحلية. وتلقت “سبيس إكس” تمويلاً سنوياً لا يقل عن مليار دولار منذ عام 2016، ارتفع إلى ما بين 2 و4 مليارات دولار سنوياً خلال الفترة من 2021 إلى 2024، مقابل تطوير صواريخ، منصات إطلاق، وأقمار صناعية لصالح محطة الفضاء “ناسا”، وزارة الدفاع، ووكالات استخباراتية، من بينها عقد سري بقيمة 1.8 مليار دولار لتطوير أقمار تجسس لصالح “National Reconnaissance Office”.
كما استفادت شركة “تسلا” للسيارات الكهربائية من أكثر من 11.4 مليار دولار من الاعتمادات التنظيمية الفيدرالية والولائية منذ عام 2014، شملت حوافز السيارات الكهربائية وبرامج الطاقة النظيفة، وقد شكلت هذه الاعتمادات نسبة حاسمة من أرباح الشركة في سنواتها الأولى، خاصة خلال عام 2020 الذي كانت فيه الشركة ستخسر 718 مليون دولار لولا هذه الاعتمادات.
وتقول واشنطن بوست إن هذه الأموال لم تكن محصورة فقط في العقود الدفاعية أو البيئية وفق قراءة بقش، بل شملت أيضاً قروضاً مباشرة، من بينها قرض منخفض الفائدة من وزارة الطاقة بقيمة 465 مليون دولار في 2010، ساعد “تسلا” على تصنيع أولى سياراتها الفاخرة “Model S”. إضافة إلى تلقي شركات ماسك إعانات من حكومات محلية في ولايات مثل كاليفورنيا ونيفادا ونيويورك، بما يفوق 3.5 مليارات دولار إضافية، من أجل بناء مصانع ومراكز إنتاج البطاريات.
رغم ذلك يتم اتهام مشاريع ماسك بعدم الوفاء بتعهداتها، كما حدث مع مشروع “سولار سيتي” في نيويورك، الذي فشل في الوصول إلى عدد الوظائف المتفق عليه. كما أن ماسك نفسه الذي دعا إلى إنهاء حوافز السيارات الكهربائية للمستهلكين، لم يُطالب بوقف الاعتمادات التنظيمية التي تعتمد عليها “تسلا” مالياً، كما لم يتحدث صراحة عن العقود الدفاعية الضخمة التي تغذي توسع “سبيس إكس”، بحسب الصحيفة الأمريكية.
من جانب آخر، يحاول ترامب الترويج لمشروع قانونه، من خلال إلغاء الضرائب على الإكراميات وأجور العمل الإضافي، وخصم فوائد قروض السيارات من الضرائب، لكن فقط السيارات المصنوعة في الولايات المتحدة، إضافة إلى تخفيضات ضريبية على الطاقة النظيفة. وبينما يجب على مجلس الشيوخ الاتفاق على النسخة النهائية من مشروع القانون قبل إحالته للتصويت، كما يجب أن تتضمن النسخة النهائية بعض التعديلات على مشروع مجلس النواب الأصلي، فإنه سيُعاد إلى مجلس النواب للتصويت عليه مجدداً، حيث من المتوقع أن يواجه تحديات إضافية.