الاقتصاد العالمي
أخر الأخبار

رسوم ترامب الجديدة.. تفاصيل الحرب العالمية العاصفة

أحدثت الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” في 02 أبريل الجاري، والتي دخلت حيّز التنفيذ اليوم السبت، هزةً في الأسواق العالمية وسلَّطت الضوء على أكثر الدول تضرراً، كما أثارت رد فعل انتقامياً من الصين التي فُرضت عليها رسوم بنسبة 34%.

وأغلقت سوق الأسهم في أمريكا الأسبوع الماضي على أكبر هبوط حاد منذ عام 2020، إذ خسر مؤشر “داو جونز” 2,231 نقطة، وهبط مؤشر “ستاندرد آند بورز 500” بنسبة 6%، بسبب فزع المستثمرين من تأثيرات رسوم ترامب، ويمثل الأسبوع الماضي أسوأ أسبوع لسوق الأسهم منذ ذلك العام، والمرة الرابعة فقط في التاريخ التي يخسر فيها مؤشر “داو جونز” 2,000 نقطة في يوم واحد.

وبلغت إجمالي خسائر أسواق الأسهم 6.4 تريليونات دولار خلال اليومين الأخيرين من الأسبوع فقط، حسب اطلاع بقش على صحيفة “وول ستريت جورنال”، وكان يوم أمس الجمعة قد بدأ بالفعل بشكل سيء بالنسبة لمؤشر “داو جونز”، كما لم يكن أداء بورصة “ناسداك” أفضل وأنهى اليوم بخسارة 962 نقطة.

وتتفاعل “وول ستريت” بشكل سلبي، حيث تستمر المخاوف بشأن تعريفات ترامب في تأجيج مخاوف الركود.

الرسوم المفروضة: أكبر تصعيد منذ 100 سنة

ترامب أعلن عن رسوم جمركية شاملة على واردات الولايات المتحدة من نحو 184 دولة وجزيرة، بغرض معلن هو تقليل العجز الأمريكي وتشجيع التصنيع في أمريكا. وتفاوتت النسب بين 10% و49%، فقد فُرضت الرسوم على أغلب الدول بنسبة 10% منها الدول العربية، وقد دخلت الرسوم حيز التنفيذ بدءاً من اليوم السبت 05 أبريل.

الرسوم الأعلى من 10% فُرضت على السلع من حوالي 60 دولة وتكتلاً تجارياً، مثل الصين و الاتحاد الأوروبي، فقد فُرضت رسوم إضافية على الصين بنسبة 34%، وعلى الاتحاد الأوروبي بنسبة 20%. ويُعد ذلك هو التصعيد الاقتصادي الأكبر منذ نحو 100 سنة.

وتعني الرسوم الإضافية على الصين أنها تواجه الآن تعريفة جمركية بنسبة 54% على السلع المستوردة إلى الولايات المتحدة، لكن رغم ذلك قال ترامب إنه سيكون على استعداد لخفض الرسوم على الصين لإبرام صفقة شراء تطبيق “تيك توك” الصيني من شركة “بايت دانس”، والذي يستخدمه 170 مليون أمريكي.

وترى الدول بما فيها الحليفة لأمريكا، أن رسوم ترامب لا يمكن السكوت عليها، وهو ما يدفع محللين إلى القول بأن ذلك يمهد الطريق لحرب تجارية عالمية متبادلة قد تخرج عن السيطرة، ومن شأن ذلك أن يفاقم التضخم ويزيد من الأعباء على المستهلكين الأمريكيين الذين يعانون بالأساس من ضائقة مالية وفقاً لتأكيد شبكة CNN الأمريكية.

وقد أقرّ وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو بأن “الأسواق تنهار” بسبب فرض رسوم ترامب الشاملة، لكنه زعم أن الأسواق ستتكيف مع الرسوم، حيث إن “الشركات حول العالم تحتاج فقط إلى معرفة القواعد، وبمجرد أن تعرف ما هي تلك القواعد، ستتأقلم معها” حد تعبيره.

ونجت المكسيك هذه المرة من الجولة الأخيرة لرسوم ترامب التي طالت عشرات الشركاء التجاريين لأمريكا، وقالت الرئيسة المكسيكية إن بلادها استفادت من اتفاقية التجارة الحرة الثلاثية التي تجمع بين المكسيك وكندا والولايات المتحدة، والتي أُبرمت خلال الولاية الأولى لترامب، معتبرةً أن هذه الاتفاقية تُعد درع حماية للمكسيك ضد التعريفة الأساسية الجديدة البالغة 10%.

الدول ترد والتوتر يزداد

الصين ردت بفرض رسوم جمركية على جميع السلع الأمريكية بنسبة 34% أيضاً، بدءاً من 10 أبريل الجاري، كما فرضت قيوداً على نحو 30 منظمة أمريكية معظمها في الصناعات المتعلقة بالدفاع، رداً على رسوم ترامب على بكين.

ودعت بكين واشنطن إلى “تشاور متساوٍ” والتوقف عن “استخدام الرسوم الجمركية كسلاح لقمع الاقتصاد الصيني”، وتم تعليق صفقة بيع “تيك توك”، وأكدت “بايت دانس” أن الخلافات لا تزال قائمة حول الصفقة، وأنها تجري محادثات مع الحكومة الأمريكية “لكن لم يتم التوصل إلى اتفاق”.

وتتهم واشنطن بكين بأنها “لا تستهلك شيئاً، وكل ما تفعله الصين هو التصدير وإغراق الأسواق وتشويهها، إضافة إلى كل الرسوم الجمركية والحواجز التي يضعها الصينيون” حسب تصريحاته الأخيرة التي تابعها بقش والتي قالها بعد أن فرضت الصين رسومها الجديدة على الولايات المتحدة.

من جانب آخر أعلنت دول عدة الرد على رسوم ترامب الجمركية، وأكدت غرفة التجارة الدولية وجود خطر منهجي واضح على النظام التجاري العالمي إذا بلغت التوترات التجارية ذروتها.

وتعهد الأوروبيون بالرد بعد دراسة تأثير الرسوم الجمركية الجديدة على بلدانهم. وقالت رئيسة الاتحاد السويسري “كارين كيلر-سوتر” إن سويسرا ستحدد الخطوات التالية بسرعة.

وحسب رئيسة المفوضية الأوروبية “الذراع التنفيذي للاتحاد الأوروبي”، فإن رسوم ترامب تشكل ضربة كبيرة للاقتصاد العالمي، وأكدت أن أوروبا مستعدة للرد وتعمل على حزمة جديدة من التدابير المضادة في حال فشل المفاوضات مع إدارة ترامب.

وذكرت فرنسا أنها تعتزم في ردها على رسوم ترامب، استهداف الخدمات الرقمية الأمريكية. أما في ألمانيا فقد دعا اتحاد صناعة السيارات بالرد بقوة لأن الرسوم ستسبب خسائر فادحة، في حين طالبت صناعة الكيميائيات الألمانية التي تُعتبر أمريكا أكبر مستورد لمنتجاتها، بالتحلي بالهدوء في الرد على رسوم ترامب “لأن التصعيد سيؤدي إلى تفاقم الضرر”.

واعتبرت إيطاليا أن اندلاع حرب تجارية سيؤدي إلى إضعاف الغرب، وهو ما يقترب من تصريحات الدنمارك التي قال وزير خارجيتها: “لا أفهم لماذا تريد الولايات المتحدة شنّ حرب تجارية على أوروبا، لا أحد ينتصر، الجميع خاسرون”، لكنه أضاف أن أوروبا ستقوم بالرد بشكل قوي ومتناسب.

وتريد بريطانيا من جهتها الالتزام بالتوصّل لاتفاق مع الولايات المتحدة “لتخفيف” تأثير الرسوم الجمركية الأمريكية الجديدة، وأكدت أنها لا تنوي اتخاذ إجراءات انتقامية فوراً.

كما قالت كندا إن الرسوم الجديدة ستغير النظام التجاري الدولي بشكل جذري، وإنها ستحارب هذه الرسوم الجمركية بإجراءات مضادة.

وبالفعل أعلنت كندا عن فرض رسوم مضادة على بعض وارداتها من السيارات من أمريكا رداً على تطبيق قرار ترامب بفرض رسوم بنسبة 25% على السيارات المستوردة.

وفي أمريكا اللاتينية، أقرت البرازيل (فُرضت عليها رسوم بنسبة 10%) قانوناً يتيح للحكومة اتخاذ إجراءات للرد على أي قيود تجارية تعرقل الصادرات البرازيلية للبلاد.

أكبر 10 دول تضرراً

تتصدر الصين قائمة الدول المتضررة، إذ تصل تجارة السلع الأمريكية إلى أكثر من 582 مليار دولار وفق مراجعة بقش للبيانات، وتليها فيتنام التي فُرضت عليها الرسوم الأمريكية بنسبة 46%، وتبلغ تجارة السلع الأمريكية معها 149.6 مليار دولار.

وثالثاً تأتي تايلاند التي فُرضت عليها رسوم بنسبة 36%، ويبلغ إجمالي تجارة السلع الأمريكية معها 81 مليار دولار. وفي المرتبة الرابعة الأكثر تضرراً تأتي تايوان المفروضة عليها رسوم ترامب بنسبة 32%، وتبلغ تجارة السلع 158.6 مليار دولار، وخامساً تأتي إندونيسيا برسوم جمركية عليها تبلغ 32% وتبلغ تجارتها 38.3 مليار دولار.

وسادساً تتضرر سويسرا من الرسوم الأمريكية البالغة 31%، وسابعاً جنوب أفريقيا برسوم 30%، ثم الهند برسوم 26%، و كوريا الجنوبية بـ25%، واليابان التي فُرضت عليها الرسوم بنسبة 24%.

المواطن الأمريكي الخاسر الأكبر

وصف ترامب يوم فرض الرسوم بأنه “يوم التحرير”، ولعل يوم التحرير سيعود بالسوء الأكبر على المواطن الأمريكي.

إذ يؤكد خبراء اقتصاديون أن أمريكا والمواطن الأمريكي من أكبر المتضررين من رسوم ترامب الجمركية، وتسيطر المخاوف على الشركات الأمريكية من التأثير الواسع للرسوم، وتحذر من أن ارتفاع التكاليف سينتقل إلى العملاء بلا شك.

ومن ذلك تصريح نيل برادلي، وهو كبير مسؤولي السياسات في غرفة التجارة الأمريكية، والذي قال إن الرسوم الجمركية الشاملة تُمثل “زيادة ضريبية سترفع الأسعار على المستهلكين الأمريكيين وتضر بالاقتصاد”.

هذا ويُنظر إلى الرسوم الجمركية على أنها تهدد بـ”تدمير نظام التجارة الحرة العالمي” الذي تقوده أمريكا منذ الحرب العالمية الثانية، وفي الأشهر القليلة المقبلة يُنتظر ارتفاع الأسعار وإضعاف الطلب، فضلاً عن أداء أسوأ للاقتصاد العالمي والأمريكي وإحداث المزيد من عدم اليقين الاقتصادي، وربما التوجه إلى ركود عالمي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى