
ثمة تفاؤل بأن يتدخل مجلس الاحتياطي الفيدرالي “البنك المركزي الأمريكي” لكبح الأضرار في الأسواق الأمريكية والتي تحدث، وستشتد مستقبلاً، بسبب الرسوم الجمركية الشاملة التي تفرضها إدارة ترامب، إلا أن هذا التفاؤل يبدو “مفرطاً” في تقدير وكالة بلومبيرغ.
ومن وجهة نظر الكاتب لدى بلومبيرغ، بيل دادلي، وهو رئيس سابق لبنك الاحتياطي الفيدرالي “المركزي الأمريكي” في نيويورك، فإن سياسات ترامب “فوضوية”. فهذه الرسوم الجمركية المرتفعة التي يفرضها على كندا والمكسيك والصين تؤثر على التضخم الأمريكي ونمو الاقتصاد.
ويشرح في تحليله الذي اطلع عليه بقش، أن ارتفاع أسعار السلع المستوردة يفتح المجال أمام المنتجين المحليين ليرفعوا بدورهم أسعار سلعهم، وذلك يضغط على إنفاق المستهلكين، وإلى جانب ذلك فإنّ عدم اليقين حول حجم الرسوم وأمدها، إضافةً إلى الإجراءات الانتقامية المحتملة من الدول الأخرى، ستدفع الشركات للتريث في خطط التوظيف والاستثمار.
ثغرتان أساسيتان: النمو والتضخم في مهب الرسوم
بيل دادلي، وهو أيضاً مدير غير تنفيذي في “سويس بنك يو بي إس” وعضو في المجلس الاستشاري لشركة Coinbase Global الأمريكية لتبادل العملات الرقمية، يقول إن الأسواق مقتنعة حتى الآن بأن اليد الطولى ستكون “للنمو الأمريكي”.
وفي حين تتراجع أسواق الأسهم بشكل حاد، كثُرت التوقعات بأن يخفّض بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة، وهو ما يؤشر إلى اعتقاد سائد بأن ارتفاع الأسعار الناتج عن الرسوم الجمركية لن يقيد قرارات البنك المركزي الأمريكي.
وحسب هذا المنطق، سيرى بنك الاحتياطي الفيدرالي زيادةَ التضخم “عابرة”، وسيتجه إلى خفض الفائدة لدعم الاقتصاد.
هذه النظرة تعتريها ثغرتان أساسيتان وفق اطلاع بقش على تحليل الكاتب. الثغرة الأولى هي أن تباطؤ النمو لن يقود إلى توازن كبير بين الوظائف والعمالة أو إلى ضغط باتجاه خفض الأجور.
وستُضاف فقط 50 ألف وظيفة شهرياً إلى الاقتصاد الأمريكي للحفاظ على استقرار البطالة، مقارنةً مع ضرورة إحداث ما بين 200 ألف وظيفة شهرياً في السنوات الماضية، وسط التراجع الحاد في الهجرة غير الشرعية وسياسات ترامب بخصوص زيادة عمليات الترحيل للمهاجرين، إلى جانب بطء تنامي القوى العاملة محلية المنشأ في سن العمل.
الثغرة الثانية هي صعوبة تجاهل بنك الاحتياطي الفيدرالي ارتفاع الأسعار الذي سينجم عن رفع الرسوم الجمركية إذا ما أدى ذلك إلى زيادة التوقعات بارتفاع التضخم.
وهذه معضلة لم تكن موجودة خلال فترة رئاسة ترامب الأولى، حين كانت سياساته أقل حدة، وكان التضخم دون هدف الاحتياطي الفيدرالي وهو 2%. أما هذه المرة، فحجم زيادة الرسوم الجمركية أكبر بكثير.
والأمر الأسوأ هو أن هذه الزيادات في الرسوم الجمركية قد تؤخر تحقيق البنك المركزي الأمريكي لهدفه المعلن منذ وقت طويل بخفض التضخم إلى مستوى 2%.
والتوقعات تشير إلى ارتفاعٍ أصلاً، فقد توقع استطلاع جامعة ميشيغان لآراء المستهلكين في فبراير الماضي أن يبلغ متوسط التضخم 3.5% على مدى خمس إلى عشر سنوات مقبلة، وهو أعلى مستوى منذ عام 1995.
ومن ناحية أخرى أشار استطلاع جامعة ميشيغان للمشاعر الاقتصادية، إلى انخفاض ثقة المستهلكين الأمريكيين إلى أدنى مستوياتها منذ نحو عامين ونصف، بسبب هذه الرسوم، ورأى 48% من المشاركين في الاستطلاع أن الرسوم على الشركاء التجاريين، مثل الصين والاتحاد الأوروبي، ستؤدي إلى ارتفاع الأسعار، مما دفع توقعات التضخم على المدى القصير (12 شهراً) إلى 4.9%، وهي الأعلى منذ نهاية 2022.
لا مجال للتفاؤل
احتمالات نمو منخفض، وارتفاع في الأسعار، ورفع توقعات التضخم، كل هذه عوامل لا تبشر بأي خير للأسواق الأمريكية. وبالتالي، لا تترك مجالاً للتفاؤل في التوقعات.
فالنمو المتباطئ يعني الضغط على الأرباح وإضعاف أداء الأسهم في السوق. كما أن تردُّد بنك الاحتياطي الفيدرالي في خفض أسعار الفائدة سيضر بالسندات الأمريكية، فضلاً عن أن تزايُد عدم اليقين وارتفاع المخاطر يؤثران سلباً على الأسهم والسندات معاً.
يتوقع الكاتب دادلي، أن تنعكس هذه التوقعات الاقتصادية غير المتفائلة في تقرير بنك الاحتياطي الفيدرالي الذي سيصدر بعد اجتماع السياسة النقدية الأسبوع المقبل.
فعلى الأرجح سيتم خفض توقعات نمو الناتج المحلي الإجمالي ورفع توقعات التضخم، وقد تبقى توقعات البطالة على حالها، بسبب اقتران تباطؤ نمو القوة العاملة بانخفاض معدلات التوظيف.
والسيناريو الأوسط الذي يبقى مطروحاً، هو أن يتم خفض أسعار الفائدة مرتين بمقدار 25 نقطة أساس، فمجرد توقُّع خفض الفائدة لمرة واحدة فقط سيتطلب تحولاً كبيراً في آراء الكثير من المسؤولين، لكن هذا الأمر مستبعد مع تفاقم عدم اليقين والحساسيات السياسية التي تخلّفها سياسات ترامب.