رصد مختصر للمواقف العالمية الجريئة.. هذه أبرز الدول التي عزلت إسرائيل عن خارطة الاستثمار

تقارير | بقش
تتعدد الدول والصناديق الاستثمارية التي سحبت أموالها من إسرائيل بسبب حرب الإبادة على غزة، آخرها صندوق تقاعد المعلمين الدنماركي الذي ألغى مؤخراً الأصول الإسرائيلية من محفظته الاستثمارية، بما في ذلك الشركات المملوكة أو الخاضعة لسيطرة الحكومة.
قبل هذا الصندوق كان صندوق الثروة السيادي النرويجي، الأكبر في العالم بقيمة أصول تقدَّر بنحو تريليوني دولار، اتخذ نفس الخطوة وقام بسحب استثماراته من الكيان. ومثل هذه التطورات تفرض أسئلة كثيرة حول مدى تأثير هذه السحوبات الصارمة والمواقف الدولية الحادة تجاه الإسرائيليين.
الصناديق التي سحبت استثماراتها
يتصدر صندوق الثروة السيادي النرويجي رأس قائمة الصناديق العالمية التي سحبت استثماراتها، وهو أكبر صندوق استثماري في العالم. وفي أغسطس الماضي، سحب الصندوق جميع الاستثمارات في الشركات الإسرائيلية، التي كانت تُدار من قبل مديرين خارجيين، ونَقَلها إلى الداخل، إثر مراجعة عاجلة للاستثمارات وفق متابعة بقش. وباع الصندوق حصصه في 11 شركة إسرائيلية، وكان يمتلك بنهاية 2024 استثمارات في 65 شركة إسرائيلية تُقدر قيمتها بنحو 1.95 مليار دولار.
ثم يأتي ثانياً صندوق التقاعد النرويجي، الأكبر في النرويج. هذا الصندوق أعلن في يونيو الماضي عن وقف التعامل مع شركتي “أوشكوش” الأمريكية و”تيسنكروب” الألمانية، لأنهما تبيعان معدات للجيش الإسرائيلي لأن هذه المعدات ربما تُستخدم في الحرب على غزة.
وثالثاً صندوق التقاعد الدنماركي، الذي استبعد أصول إسرائيل من محفظته الاستثمارية، وتبلغ قيمة الصندوق 24.77 مليار دولار، ويدير معاشات المدرسين وأساتذة الجامعات في الدنمارك.
ثم صندوق تقاعد المربين الدانماركي، الذي سحب في أغسطس استثماراته من آخر 3 شركات في محفظته، ولها روابط بإسرائيل، وهي مجموعة إكسبيديا وشركة بوكينغ هولدنغ وشركة إير بي إن بي.
كما قام صندوق الاستثمار السيادي الأيرلندي (ISIF) بسحب استثماراته في أبريل 2024 من ست شركات إسرائيلية، وتبلغ قيمة هذا الصندوق 17.5 مليار دولار.
دول أوقفت الاستثمارات
في قائمة الدول، التي راجعها مرصد “بقش”، تتصدر إسبانيا الموقف الجريء. فقد اتخذت إجراءات اقتصادية ودبلوماسية غير مسبوقة ضد إسرائيل، مثل حظر شامل على تصدير واستيراد الأسلحة والمواد الدفاعية والتكنولوجيا ذات الاستخدام المزدوج، وحظر استخدام الموانئ والمطارات الإسبانية لعبور أي معدات أو كميات وقود يمكن أن تُستخدم في الأغراض العسكرية داخل إسرائيل، وحظر استيراد منتجات المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية والإعلان عنها في السوق الإسبانية.
وألغت إسبانيا أيضاً عقوداً عسكرية مهمة ترتبط بشركات إسرائيلية، منها صفقة أسلحة تقدر بـ700 مليون يورو (819 مليون دولار)، وصفقة ذخيرة بقيمة 6.6 ملايين يورو (7.7 ملايين دولار)، نظراً للضغوط السياسية والشعبية الواسعة في الداخل الإسباني.
هولندا ثانياً، فإجراءاتها الاقتصادية ضد إسرائيل شملت تشديد الرقابة على صادرات السلع العسكرية والتكنولوجيا ذات الاستخدام المزدوج، وأوقفت كلياً منح التراخيص العامة لتصدير الأسلحة. وأعلن الهولنديون خططاً لفرض حظر على استيراد السلع المنتجة في المستوطنات الإسرائيلية بالضفة الغربية، وساهموا في الدفع داخل الاتحاد الأوروبي لتعليق بعض المزايا التجارية الممنوحة لإسرائيل، وفرضوا حظر سفر على عدد من الوزراء الإسرائيليين.
أما أيرلندا، التي تقود موقفاً غاضباً غير مسبوق، فسحبت استثمارات مع إسرائيل خلال العامين الماضيين. أعلن الصندوق السيادي الأيرلندي (ISIF) في أبريل 2024 سحب استثماراته التي تبلغ نحو 2.95 مليون يورو (3.45 ملايين دولار) من 6 شركات إسرائيلية، بينها بنوك كبرى مثل بنك هبوعليم وبنك لئومي.
وعملت الحكومة الأيرلندية في مايو الماضي على تشريع قانون جديد يُعرف بـ”قانون حظر استيراد بضائع المستوطنات”، يُجرّم إدخال منتجات المستوطنات الإسرائيلية إلى السوق الأيرلندية باعتبارها “مخالفة جمركية”. كما دعمت أيرلندا مقترحات المفوضية الأوروبية لتقييد بعض المزايا التجارية الممنوحة لإسرائيل.
وتشير التقارير إلى أن تركيا علقت في مايو 2024 الصادرات والواردات مع إسرائيل، وقالت وزارة التجارة التركية إنها أوقفت كل الصادرات والواردات من وإلى إسرائيل، رغم أن بيانات حركة الشحن التجاري أبرزت استمرار التجارة بين الموانئ التركية والإسرائيلية دون توقف.
وبدورها فرضت سلوفينيا حظراً كاملاً على تجارة الأسلحة مع إسرائيل يشمل التصدير والاستيراد والمرور، كما حظرت استيراد منتجات المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، وطالبت بتعليق اتفاقيات الشراكة الأوروبية مع إسرائيل والتلويح بإجراءات تجارية ومالية أخرى إذا استمر العدوان على غزة والضفة.
عقوبات على إسرائيل
في يوليو الماضي، أعلنت مجموعة لاهاي لمحاسبة إسرائيل في اجتماع طارئ عقدته بكولومبيا، عن انضمام 12 دولة لاتخاذ عقوبات ضد إسرائيل، بهدف قطع تدفق الأسلحة والذخائر والمعدات العسكرية، وهذه الدول وفق تقارير “بقش” هي: بوليفيا، كولومبيا، كوبا، إندونيسيا، العراق، ليبيا، ماليزيا، ناميبيا، نيكاراغوا، سلطنة عمان، سانت فنسنت وجزر غرينادين، وجنوب أفريقيا.
اتفقت هذه الدول على ست نقاط رئيسة كإطار لعقوباتها، وهي حظر توريد أو نقل الأسلحة والذخائر والوقود العسكري والمعدات المرتبطة إلى إسرائيل، وحظر عبور السفن التي تحمل هذه المواد إلى إسرائيل أو استقبالها في موانئ هذه البلاد، وحظر استخدام سفن ترفع علم تلك الدول لنقل الأسلحة أو الذخائر إلى إسرائيل، ومساءلة من يخالف ذلك.
كما اتفقت على مراجعة العقود العامة لمنع تمويل أو أي تعاون مؤسسي يدعم الاحتلال غير القانوني للأراضي الفلسطينية المحتلة، والالتزام بفتح تحقيق وملاحقة سياسية في الجرائم الدولية المرتبطة بهذه الصراعات، ودعم مبدأ “الاختصاص القضائي العالمي” لمعاقبة الفاعلين بغض النظر عن مكان ارتكاب الجريمة.
فأس العزلة على رأس إسرائيل
حسب تحليلات “بقش” التي تناولت الملف طوال الفترة الماضية، يعني سحب الاستثمارات الدولية خروج رؤوس الأموال الأجنبية من السوق الإسرائيلي، ما يؤدي إلى تراجع السيولة، وهبوط قيم الأسهم، وتهاوي قيمة الشيكل، وزيادة كلفة التمويل، وهذا يضر بقطاع التكنولوجيا الفائقة الاستراتيجي والمهم لإسرائيل الذي يعتمد بشكل كبير على الاستثمارات الخارجية، ويؤدي أيضاً إلى هجرة الشركات الناشئة والمستثمرين نحو أسواق أكثر استقراراً.
وتؤثر العقوبات الاقتصادية على التجارة الخارجية الإسرائيلية بشكل عميق أشبه بوقوع فأس على رأس إسرائيل المعزولة، خصوصاً في الصادرات (الأسلحة، التكنولوجيا، الألماس، المنتجات الزراعية). ومع العقوبات تتراجع الصادرات ويزداد عجز الميزان التجاري، كما ترتفع أسعار الواردات بسبب صعوبة الحصول على أسواق بديلة أو ارتفاع كلفة الشحن.
وفي التأثيرات الكلية يكبّد ذلك إسرائيل انخفاضَ النمو الاقتصادي، وتراجعَ الاحتياطي النقدي، وارتفاعَ التضخم والبطالة الإسرائيليَّين، وزيادة العبء على الموازنة العامة (خصوصاً مع ارتفاع الإنفاق العسكري)، وهذه العوامل مجتمعة تُفقد إسرائيل جاذبيتها كوجهة استثمارية وتُضعف مكانتها في الاقتصاد العالمي.
بالنتيجة، لا يقتصر أثر سحب الاستثمارات الدولية وفرض العقوبات على إسرائيل على اهتزاز الأسواق المالية أو تراجع قطاع التكنولوجيا فقط، بل يمتد ليشكل تهديداً مباشراً لاستقرار الاقتصاد الإسرائيلي ككل، فمع تقلص التدفقات الاستثمارية وتراجع الصادرات وارتفاع الأعباء الداخلية، تصبح إسرائيل أمام معادلة صعبة، فإما أن تقدم تنازلات سياسية لوقف نزيف اقتصادها، أو أن تواجه مساراً طويلاً من التراجع الاقتصادي وتفقد ميزتها التنافسية في المنطقة والعالم.