الاقتصاد اليمني
أخر الأخبار

رفض محلي لإغلاق ميناء نشطون بالمهرة.. تناقض واضح في “التفاهمات الرئاسية”

الاقتصاد اليمني | بقش

لا تزال محافظة المهرة تعيش حالة من التباين السياسي والإداري بين السلطة المحلية والمجلس الرئاسي، بدءاً من ملف توريد الإيرادات إلى بنك عدن المركزي وصولاً إلى إغلاق ميناء “نشطون” وفق القرار الرئاسي رقم (11) لعام 2025، وسط تضارب واضح في المواقف والتصريحات.

فخلال اجتماع “استثنائي” اليوم الإثنين للمجلس المحلي والمكتب التنفيذي بمحافظة المهرة، شدد المحافظ محمد علي ياسر على أهمية استمرار “ميناء نشطون” كمنفذ تجاري واقتصادي حيوي يخدم المحافظة واليمن عموماً، مؤكداً ضرورة الحفاظ على دوره في دعم الحركة التجارية وتوفير الموارد المحلية، في رفضٍ رسمي لإغلاقه كما جاء في نص القرار الرئاسي الصادر في 28 أكتوبر 2025.

ويعبّر هذا الموقف عن إصرار السلطة المحلية بالمهرة على الإبقاء على سيطرتها الاقتصادية والإدارية على الميناء الذي اعتبرته حكومة عدن من “الموانئ المستحدَثة”.

هذا الرفض لإغلاق ميناء نشطون جاء بالتزامن مع تصريحات لمصادر مطلعة تحدثت عن “تفاهمات رئاسية” مع محافظ المهرة في إقناعه بالتجاوب مع قرار المجلس لتوريد كافة عوائد المنافذ الجمركية إلى بنك عدن المركزي اعتباراً من شهر نوفمبر الجاري، وفق اطلاع بقش على ما نشره الصحفي الاقتصادي ماجد الداعري، رئيس تحرير صحيفة مراقبون برس.

والحديث عن “التفاهمات الرئاسية” اليوم يأتي بعد أن رفضت السلطة المحلية في المهرة تنفيذ القرار القاضي بتوريد الإيرادات إلى المركزي وعدم تدخل المحافظين في شؤون المنافذ، وأصدرت توجيهات جديدة بتوريد ضريبة المبيعات، وحافز التحصل بنسبة (1%)، وإيرادات صندوق المعاقين، إضافة إلى نسبة 70% من الرسوم الجمركية وضريبة الأرباح التجارية إلى حسابات المحافظة المحلية وفق متابعات بقش.

هذا التناقض بين ما أُعلن رسمياً في المهرة، وما أكدته المصادر الحكومية عن نجاح التفاهمات، يكشف غياب التنسيق الفعلي بين المستويين المركزي والمحلي، ويطرح تساؤلات حول مدى قدرة المجلس الرئاسي على فرض قراراته في المحافظات.

وكان رئيس وزراء حكومة عدن، سالم صالح بن بريك، رفع مذكرة رسمية، أمس الأحد، إلى رئيس وأعضاء المجلس الرئاسي، عبّر فيها عن رفضه القاطع لتصرفات محافظ المهرة، وأوضح بن بريك في مذكرته التي اطلع عليها بقش أن المحافظ امتنع عن تنفيذ القرار الرئاسي وتدخَّل بشكل مباشر في أعمال المنافذ الجمركية، بما فيها جمركا شحن وصرفيت، وهو تجاوُز للصلاحيات القانونية.

وأشار بن بريك إلى أن السلطة المحلية في المهرة، ممثلة بالمحافظ ووكلائه وعدد من مديري المكاتب التنفيذية، منعت موظفي الجمارك من توريد الإيرادات إلى الحسابات الحكومية المعتمدة لدى البنك المركزي، وهددتهم بالسجن والطرد واستبدالهم بطواقم بديلة في حال عدم الامتثال لتوجيهات السلطة المحلية.

ميناء نشطون.. بين القرار الرئاسي والواقع

يمثل ميناء نشطون شرياناً اقتصادياً رئيسياً لمحافظة المهرة، إذ يعد المنفذ البحري التجاري الوحيد الذي تعتمد عليه المحافظة في عمليات الاستيراد والتصدير المحلية، وتعتبره السلطات المحلية ركيزة أساسية للاستقرار المالي والاقتصادي في المحافظة، الأمر الذي يفسر تمسكها بإدارته كمورد مستقل بعيداً عن المركز.

في المقابل، يرى المجلس الرئاسي أن استمرار العمل وفق هذا النمط يكرس الانقسام المالي ويضعف الإيرادات العامة، في وقت تسعى فيه الحكومة إلى توحيد السياسة المالية ضمن خطة الإصلاحات الشاملة.

ومع صدور القرار الرئاسي رقم (11) لعام 2025 القاضي بربط المنافذ الجمركية والبنكية في المحافظات ببنك عدن المركزي، لم تنفذ السلطات المحلية بنود القرار، وهو ما وُصف بأنه تمرد مالي من جانب السلطة المحلية التي قامت بإلزام إدارة المنافذ بتوريد الإيرادات إلى حسابات السلطة المحلية بالمحافظة.

فشل في فرض هيبة الدولة

رغم الحديث عن التفاهمات، إلا أن إبقاء ميناء نشطون خارج معادلة القرار الرئاسي، يعكس فشل المجلس الرئاسي في فرض سلطته بالقوة الإدارية أو المؤسسية، واضطراره إلى اعتماد سياسة المراضاة والتنازلات لتجنب صدام مباشر مع السلطة المحلية في المهرة.

هذا ما تناوله الصحفي الداعري، حيث أشار إلى أن تجاوب المحافظ جاء اضطرارياً لتفادي قرار إقالته، وليس عن قناعة سياسية أو التزام مؤسسي، وهو ما يعني، على حدّ تعبيره، أن هيبة الدولة انكسرت وشرعية المجلس تبخرت في منفذي شحن وصرفيت، في إشارة إلى تكرار نمط ضعف السلطة المركزية أمام النفوذ المحلي.

واللافت أن المجلس الرئاسي لم يتمكن حتى الآن من فرض تطبيق القرار بشكل موحد في جميع المنافذ اليمنية، ما يعكس أزمة هيكلية في العلاقة بين المركز والأطراف، ويؤكد أن الولاءات المحلية لا تزال تتغلب على سلطة الدولة.

وتُظهر الأزمة الحالية في المهرة أن السلطات المحلية ربما تتعامل مع القرارات المركزية بمنطق التفاوض وليس الالتزام، ما يُضعف أداء الحكومة في تنفيذ سياساتها المالية والإصلاحية.

ويؤدي استمرار هذا النهج إلى ترسيخ نموذج الحكم اللامركزي غير المنضبط، حيث تتحول المحافظات إلى كيانات شبه مستقلة تتحكم في مواردها بمعزل عن السلطة المركزية وفقاً للتحليلات، وهو ما يفتح الباب أمام مزيد من التشرذم السياسي والانقسام الإداري في بلد يعاني أصلاً من تعدد مراكز النفوذ.

وحتى لحظة كتابة هذا التقرير، لم تعلق حكومة عدن رسمياً على ما جاء في الاجتماع الاستثنائي للسلطة المحلية بالمهرة، والذي نشر عنه مكتب الإعلام الرسمي التابع للسلطة.

وتمثل قضية ميناء نشطون اختباراً لمدى قدرة المجلس الرئاسي على فرض قراراته، في الوقت الذي تبدو فيه التفاهمات البديلة عن الإجراءات الصارمة -التي نصّ عليها القرار- سبباً إضافياً لتعميق الأزمة المؤسسية التي تعاني منها الحكومة، وسط استمرار أولويات النفوذ.

زر الذهاب إلى الأعلى