
لا تزال الأزمة الاقتصادية في مصر، والتي بدأت في العام 2022 واشتدت اعتباراً من 2023 نتيجة لشحة الدولار، تفرض تداعياتها على الصعيد الاقتصادي المصري والقطاع المصرفي، إذ لا يكاد الاقتصاد يلتقط أنفاسه في مقام ما، حتى تطرأ أزمة أخرى في مقام آخر.
هذه المرة تقوم الحكومة المصرية بتحركات لبيع أحد أكبر البنوك في البلاد، وهو “بنك القاهرة”، لمستثمرين من الإمارات. ووفق مراجعات بقش، يُعد بنك القاهرة ثالث أكبر بنك حكومي مصري، ويملك شبكة من 248 فرعاً، و1640 جهاز صراف آلي منتشرة في أنحاء البلاد، ويخدم قاعدة عملاء ضخمة تضم أكثر من 3 ملايين عميل.
وتؤكد التقارير أن هناك مفاوضات تجريها الحكومة لبيع البنك الشهير، والذي يُعتبر عموداً من أعمدة القطاع المصرفي بمصر، وهو ما أثار قلقاً في أوساط الاقتصاديين.
بيع البنك بأقل من قيمته
يجري العمل على بيع بنك القاهرة لصالح “بنك الإمارات دبي الوطني”، إذ يتم التفاوض معه للاستحواذ على حصة الدولة المصرية في البنك، خلال 45 يوماً، بقيمة تتجاوز مليار دولار وفق اطلاع بقش، وفي حال عدم تلقي عرض مالي مناسب من المستثمري خلال الربع الثاني من 2025، من المحتمل أن تُنفذ خطةً لطرح البنك في البورصة المصرية، عبر تعيين مستشار مالي للإشراف على عملية الطرح في البورصة.
وثمة حملة اعتراضات كبيرة بسبب أنه سيتم بيع البنك “بأقل من قيمته”، لكن صحيفة المصري اليوم نقلت عن مصادرها قولهم بأن ما أثير بشأن تقييم بنك القاهرة بقيمة أقل من القيمة الفعلية عارٍ من الصحة، وأن المؤسسات الدولية المتخصصة تجري تقييم البنوك من خلال 3 طرق معروفة.
الطريقة الأولى للتقييم هي طريقة التدفقات النقدية المخصومة (Discounted Cash Flow – DCF)، وتعتمد على تقدير التدفقات النقدية المستقبلية للبنك وخصمها إلى قيمتها الحالية باستخدام معدل خصم يناسب المخاطر.
أما الطريقة الثانية هي طريقة النسبة (Comparable Company Analysis) وتتضمن مقارنة البنك مع بنوك أخرى مشابهة في السوق بناءً على نسب تقييم محددة مثل نسبة السعر إلى الربح (P/E) أو نسبة السعر إلى القيمة الدفترية (P/B).
وعن الطريقة الثالثة للتقييم فهي طريقة الأصول (Asset-Based Approach) وتركز على تقييم الأصول الموجودة على ميزانية البنك، إذ يتم احتساب القيمة السوقية للأصول الخصوصية مع خصم الالتزامات.
وقد يتأثر تقييمُ البنك بـ”سعر الصرف”، خصوصاً إذا كانت لديه تعاملات دولية أو استثمارات في عملات أجنبية، ففي حال انخفاض سعر الصرف قد تتأثر القيمة الإجمالية للأصول المقومة بالعملات الأجنبية سلباً، وهو ما سيقلل من القيمة التقديرية للبنك، وفي المقابل إذا ارتفع سعر الصرف فقد تزداد قيمة الأصول المقومة بالعملات الأجنبية.
دعوى عاجلة ضد الرئاسة: وقف البيع بشكل عاجل
رفعت مجموعة من المحامين المصريين دعوى قضائية عاجلة أمام محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة في مصر، للمطالبة بإيقاف إجراءات بيع بنك القاهرة لمستثمرين من الإمارات.
الدعوى موجهة ضد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، ورئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي، ومحافظ البنك المركزي المصري حسن عبدالله، ما يشير إلى كون القضية كبيرة وتحمل في طياتها نتائج وخيمة اقتصادياً.
كما رأت الدعوى أن بيع بنك القاهرة للمستثمرين الإماراتيين له تداعيات محتملة على الأمن الاقتصادي القومي، ويؤثر أيضاً على استقلالية القطاع المصرفي.
طالب المحامون بإيقاف بيع بنك القاهرة بشكل عاجل، وإلغاء قرار البيع نهائياً، وإعادة البنك إلى ملكية الدولة المصرية، وكذلك الالتزام بمبادئ الشفافية في إجراءات بيع المؤسسات المالية الكبرى، مع ضمان تحقيق المصلحة الوطنية العليا.
ويُعتبر بيع بنك القاهرة العريق، وفقاً للدعوى، خبراً “مفجعاً” للمصريين، لما يمثّله البنك من مكانة رمزية كبيرة ودوره في تمويل المشاريع.
فالبنك حسب اطلاع بقش على تفاصيل الدعوى نجح في إدارة عدد من الملفات الحيوية في السياسة النقدية المصرية، منها تطوير قطاع الرقابة والإشراف في البنك المركزي المصري، والإشراف على تطوير الشؤون المصرفية، وتجميع مخاطر الائتمان والمخاطر الكلية.
وأضافت الدعوى أن البنك قام أيضاً بإدخال وتطوير نظم الإنذار المبكر واختبارات الضغوط، لتكون جزءاً أساسياً من أدوات الرقابة الاحترازية للبنك المركزي المصري.
بنوك مصرية للبيع
بنك القاهرة ليس الوحيد الذي تريد الحكومة المصرية بيعه، فهناك أيضاً -على سبيل المثال- “بنك الإسكندرية” الذي تأسس عام 1957 كشركة مساهمة مصرية، ويملك أكثر من 175 فرعاً في أنحاء مصر، ويعمل به أكثر من 4200 موظف.
وحسب قراءة بقش، فإن موضوع بيع بنك الإسكندرية يعود إلى العام 2023، حيث تقدمت بنوك استثمار عالمية ومحلية بعروض لشراء حصة الحكومة من البنك.
وتأتي مساعي البيع ضمن أهداف توسيع قاعدة مشاركة “القطاع الخاص”.
وفي العام الماضي، بدأت مصر بيع حصة من أسهم “المصرف المتحد المصري” عبر طرح حصة للاكتتاب العام في البورصة، وكان الطرح الأول منذ عام 2021 وفق متابعات بقش، مستهدفاً جمع 110 ملايين دولار. كما بدأ الطرح العام للأفراد من 27 نوفمبر حتى 03 ديسمبر 2024.
ويعود الموضوع برمّته إلى إعلان الحكومة المصرية، في فبراير 2023، عن طرح 32 شركة مملوكة للدولة على مستثمرين استراتيجيين، وللطرح العام في البورصة المصرية، في إطار ما سُمّي ببرنامج الطروح الحكومية.
وجاء هذا البرنامج بالأساس بعد ضغوط صندوق النقد الدولي على مصر مقابل تقديم قروض لها لانتشالها من أزمتها الاقتصادية التي شهدت شحة حادة في النقد الأجنبي في أعقاب وباء كورونا والحرب الأوكرانية.
ويُشار إلى أن صندوق النقد أعلن مؤخراً عن صرف شريحة جديدة -هي الشريحة الرابعة- لمصر بقيمة 1.2 مليار دولار من إجمالي قرضٍ متفق عليه يبلغ 8 مليارات دولار. كما أعلن الصندوق في نفس الوقت عن منح مصر تمويلاً إضافياً بقيمة 1.3 مليار دولار ستُصرف على شرائح.
وكانت مصر في نوفمبر 2022، اتفقت مع الصندوق على برنامج إصلاحات اقتصادية مقابل قرض مشروط قيمته 3 مليارات دولار حسب متابعة بقش، قبل أن تتم توسعة القرض إلى 8 مليارات دولار في مارس 2024.