الاقتصاد العالمي
أخر الأخبار

سباق المعادن النادرة يشتعل.. قرار الصين يحرّك واشنطن ويستفز أوروبا في معركة التكنولوجيا العالمية

الاقتصاد العالمي | بقش

في خطوة قلبت حسابات القوة الجيوسياسية، فرضت الصين قيوداً على صادرات تقنيات المعادن النادرة، ما فجّر رد فعل أمريكي غاضب وأثار قلقاً واسعاً في العواصم الاقتصادية الكبرى. إعلان بكين في أبريل ثم القرار الموسّع في أكتوبر جاء في لحظة تتسارع فيها معالم المواجهة التكنولوجية بين أكبر اقتصادين في العالم، لتتحول المعادن النادرة من مورد خام إلى ورقة ضغط استراتيجية.

واشنطن لم تتأخر في الرد، إذ اعتبر وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت أن الصين ارتكبت “خطأً فادحاً” لأنها كشفت قدرتها على استخدام الموارد الحيوية كسلاح اقتصادي وفق اطلاع بقش على تصريحاته. وجاء التصعيد الكلامي فيما كانت الأسواق تستوعب أثر الضوابط الصينية التي ضربت قلب سلاسل التوريد في الصناعات الحساسة مثل الدفاع والسيارات والرقاقات المتقدمة.

ورغم أن بكين حاولت التخفيف لاحقاً من التوتر عبر تعليق بعض القيود لمدة عام بعد لقاء الرئيسين شي جين بينغ ودونالد ترامب في منتصف أكتوبر، فإن الرسالة الأساسية وصلت: العالم يدخل مرحلة جديدة من سباق السيطرة على المواد التي تشغل محركات الاقتصاد المستقبلي، من الذكاء الاصطناعي إلى الطاقة النظيفة.

الصين تبدأ المعركة: قرارات بأثر عالمي

في 04 أبريل 2025، أعلنت وزارة التجارة الصينية فرض قيود تصدير على سبعة من المعادن النادرة الأساسية للصناعات الدفاعية والإلكترونية. القرار لم يكن مجرد تحرك اقتصادي، بل إعلان صريح بأن الصين مستعدة لاستخدام أدواتها الاستراتيجية في مواجهة الضغوط الغربية.

بعد أشهر، وتحديداً في 09 أكتوبر 2025 حسب متابعات بقش، وسّعت بكين القيود بإضافة معادن وتقنيات مرتبطة بها، مع متطلبات ترخيص لتصدير التكنولوجيا الصناعية المرتبطة بها. القرار دخل حيّز التنفيذ فوراً لبعض البنود، بينما يبدأ التطبيق الكامل لبعض الإجراءات في 01 ديسمبر 2025.

هذه التحركات زعزعت الأسواق وأربكت سلاسل الإمداد الدولية، خاصة مع كون الصين المنتج والمصدّر الأكثر نفوذاً في العالم لهذه المواد. ومع اقتراب موعد التنفيذ الكامل، تسابق الشركات العالمية على تأمين بدائل ومخزونات استراتيجية.

ورغم إعلان بكين في أعقاب لقاء تشي-ترامب منتصف أكتوبر 2025 تعليق بعض القيود لمدة عام، فإن الخطوة لم تُطمئن الغرب، بل أكدت أن المواد الحيوية دخلت مرحلة الاستخدام السياسي المكشوف.

بكين تعرض قيادة الذكاء الاصطناعي العالمي

في اليوم نفسه الذي توسعت فيه الأزمة، أي 18 أكتوبر 2025، وخلال قمة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ، طرح الرئيس الصيني شي جين بينغ مبادرة إنشاء هيئة عالمية لإدارة الذكاء الاصطناعي. المبادرة جاءت كعرض صيني لقيادة الحوكمة التقنية العالمية على حساب النماذج الأمريكية.

شي دعا إلى اعتبار الذكاء الاصطناعي “منفعة عامة عالمية”، وحثّ على فتح تداول التقنيات الخضراء التي تهيمن عليها الصين. واشنطن كانت غائبة عن الجلسة إذ غادر ترامب فور لقائه بشي، لتبدو بكين وكأنها تملأ فراغاً متعمداً في مشهد القيادة العالمية.

الموقف الأمريكي بقي ثابتاً: رفض أي هيكل دولي قد يقيد شركات التكنولوجيا الأمريكية. وفي المقابل، تدفع الصين بفكرة “السيادة الخوارزمية” بدعم نماذج محلية مثل DeepSeek لتقليل الاعتماد على شرائح Nvidia الأمريكية.

هذه الديناميكية تُظهر أن معركة المعادن ليست منفصلة عن معركة الذكاء الاصطناعي، بل جزء من مشهد متكامل تشكل فيه المواد الخام والرقاقات والبرمجيات أضلاع القوة الجديدة.

في 16 أكتوبر 2025، اتفقت دول مجموعة السبع بقيادة الولايات المتحدة على توحيد الموقف تجاه قيود الصين حسب مراجعة بقش. وبدأ الاتحاد الأوروبي بدوره دراسة آلية “رسم مماثل” تلزم مصدري الصين بتقديم حصة من المعادن النادرة لمخزونات أوروبا مقابل دخول بضائعهم.

بروكسل لم تكتفِ بالتحذيرات، إذ ناقشت المفوضية الأوروبية خيارات تشمل تقييد صادرات صناعات تعتمد عليها الصين، في مشهد يعكس جهوزية للدخول في اشتباك تجاري إذا لزم الأمر.

القلق الأوروبي يتضاعف بسبب اعتماد قطاع السيارات على رقائق Nexperia. إذ تشير تقديرات أوروبية إلى أن الشركة تزوّد نحو 49% من الإلكترونيات المستخدمة في مصانع السيارات في القارة. أي اضطراب في الإمداد يعني توقف خطوط الإنتاج، وهو كابوس حقيقي لصناعة تواجه تحديات تحوّل السيارات الكهربائية.

الاتحاد الأوروبي يرى أن هذه اللحظة كاشفة: الاعتماد على الصين لم يعد آمناً، والخروج من التبعية بات ضرورة استراتيجية وليس خياراً اقتصادياً.

رقائق Nexperia.. العقدة التكنولوجية الأوروبية

الأزمة اندلعت عندما استخدمت هولندا في أواخر سبتمبر 2025 قانوناً من حقبة الحرب الباردة للتحكم في Nexperia، ما أدى لرد صيني بمنع إعادة تصدير رقائق الشركة. النقص المحتمل أثار حالة طوارئ في قطاع السيارات الأوروبي.

بعد لقاء ترامب-شي في كوريا الجنوبية منتصف أكتوبر 2025، أعلنت بكين إعفاء جزئي لبعض شحنات Nexperia، في خطوة وصفتها مصادر بأنها جزء من تفاهم تجاري مؤقت. لكن رغم ذلك، بقيت الشركات الأوروبية في حالة تأهب خشية تكرار الأزمة.

مصانع السيارات الأوروبية حذرت من توقف الإنتاج إذا حدث أي تعطل إضافي حسب اطلاع بقش على بيانات المصانع. وشركات قطع الغيار مثل OPmobility أكدت أن الرقائق ليست فريدة ويمكن استبدالها تقنياً، لكن العملية تتطلب شهوراً من الاختبار والموافقة، ما يجعل الحلول بعيدة عن أن تكون فورية.

من الواضح أن ملف Nexperia كشف نقطة ضعف خطيرة في اقتصاد بحجم الاتحاد الأوروبي، وأن المستقبل يتطلب إعادة هندسة لسلاسل التوريد الصناعية بالكامل.

المشهد الحالي يؤكد أن المعادن النادرة لم تعد مجرد مواد خام، بل أصبحت سلاحاً جيوسياسياً في صراع طويل بين بكين وواشنطن. ومع دخول أوروبا على الخط وتشكّل تحالفات اقتصادية جديدة، يبدو أن العالم مقبل على إعادة رسم خريطة النفوذ التكنولوجي والاقتصادي.

وبين قيود الصين، وردود أمريكا، واستنفار أوروبا، تتضح ملامح مرحلة جديدة تُقاس فيها القوة بالموارد الاستراتيجية والقدرة على التحكم في مستقبل الصناعات الحساسة، أكثر مما تُقاس بالجيش أو الاقتصاد وحده.

زر الذهاب إلى الأعلى