
كشفت وثائق مسرَّبة عن توجهات خطيرة تُنفذ بقيادة إماراتية لقطع الأرخبيل اليمني الاستراتيجي “سقطرى” مالياً واقتصادياً عن المحافظات اليمنية الأخرى، في مسعىً يُرجَّح أن يكون جزءاً من خطة طويلة الأمد لطمس الهوية الوطنية وفرض سيطرة شاملة على الجزيرة.
الوثيقة الصادرة عن البنك الأهلي اليمني، فرع سقطرى، والموجَّهة إلى وكيل المحافظة المُقيم في الإمارات، أظهرت فرضَ عمولة مالية بنسبة 2% على جميع التحويلات الواردة من المحافظات اليمنية إلى المصارف المحلية في سقطرى، بهدف تقليص التعاملات المالية تدريجياً تمهيداً لإيقافها كلياً، وفق مصادر مطلعة على مضامين الوثيقة.
تفاصيل المخطط: تقييد التحويلات وإحلال العملة الإماراتية
هذه الإجراءات تأتي في إطار سياسة ممنهجة لخنق التعاملات بالريال اليمني، حيث تشير الوثيقة إلى نية استبدال البنوك اليمنية بمؤسسات مالية إماراتية، وإحلال الدرهم الإماراتي مكان العملة الوطنية، في خطوة تعزز الانفصال التدريجي عن النظام المالي اليمني.
وتُكرس هذه الخطوة واقعاً فرضته الشركات الإماراتية العاملة في قطاعات النفط والغاز والمواد الغذائية، والتي باتت تتعامل بالدرهم الإماراتي حصراً منذ سنوات، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار وإفقاد السكان الثقة بالريال اليمني.
لا تقتصر الجهود الإماراتية على الجانب المالي، بل تمتد إلى السيطرة الفعلية على مفاصل الاقتصاد في سقطرى، حيث تُدير أبوظبي بشكل مباشر مفاصل الأنشطة الاقتصادية في الجزيرة بدءاً بالسياحة وفق معلومات بقش، وذلك عبر شركات إماراتية تسيطر على الفنادق والمنتجعات دون تنسيق مع حكومة عدن.
كما تسيطر الدولة الخليجية على قطاع الطاقة في سقطرى بمشاريع طاقة شمسية ووقود تُدار بعيداً عن إشراف السلطات اليمنية.
وتواصل الإمارات احكام سيطرتها على البنية التحتية في الأرخبيل من خلال تنفيذ مشاريع إنشائية دون اعتماد ميزانياتها من السلطات اليمنية المختصة، وعبر شركات إماراتية ليس لها أية مشاريع خارج اليمن.
ويُذكر أن الإمارات عززت وجودها العسكري في الجزيرة منذ 2018 تحت ذريعة “مكافحة الإرهاب”، وسط اتهامات بتحويل الأرخبيل إلى قاعدة استراتيجية تخدم أجندتها الإقليمية.
تداعيات اقتصادية واجتماعية: تحذيرات من انهيار وشيك وسط صمت يمني مقلق
يحذر خبراء اقتصاد من أن سياسة الفصل المالي قد تؤدي إلى عواقب كارثية، أبرزها عزل سقطرى عن النظام المصرفي اليمني، مما يعيق تحويلات المغتربين الذين يُعدون شريان الحياة للعديد من الأسر.
كما يُهدد القرار بانهيار القطاع التجاري المحلي، الذي يعتمد بشكل شبه كلي على الاستيراد من الإمارات، مع ارتفاع تكاليفه بسبب التعامل بالدرهم.
وبينما لم تصدر أي تصريحات رسمية من الحكومات اليمنية “المتعددة” أو السلطات المحلية في سقطرى، يطالب أهالي الجزيرة بتحييدها عن الصراعات، ويشكون من تحولهم إلى “أداة” في صراع النفوذ بين الإمارات والقوى الأخرى.
ومن جهة أخرى، تطالب منظمات حقوقية دولية المجتمعَ الدولي بالتحرك لوقف “الاستنزاف المنظم لموارد اليمن”، بينما تُراقب الأمم المتحدة التطورات دون إصدار مواقف واضحة.
خلفية تاريخية: جزيرة ثرية تتنازعها الأطماع الإقليمية
تتمتع سقطرى، التي تقع عند مفترق طرق بحري بين آسيا وأفريقيا، بأهمية جيوستراتيجية وتجارية منذ العصور القديمة. وتُعتبر موطناً لنباتات فريدة لا توجد في أي مكان آخر في العالم، مما جعلها ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي.
لكن اكتشافات النفط والغاز في مياهها الإقليمية حوّلها إلى بؤرة صراع دولي، خاصة مع تنامي الوجود الإماراتي الذي يُنظر إليه محلياً على أنه محاولة لـ”فرض وصاية” تذوب معها هوية الجزيرة.
وتشير تقارير استخباراتية تابعها بقش إلى أن الإمارات تعمل على خطوات متقدمة لضمان ولاء النخب المحلية، منها منح الجنسية الإماراتية لوجهاء، وتعديل المناهج التعليمية لتعزيز الهوية المنفصلة، وإنشاء مجلس حكم محلي موالٍ لأبوظبي.
في المقابل، تحاول حكومة عدن إعادة توطين موطئ قدم لها عبر تعيين مسؤولين، لكن تأثيرها يظل محدوداً أمام الهيمنة الإماراتية.
وسط هذا المشهد المعقد، يبقى مصير سقطرى معلقاً بين مطرقة النفوذ الخارجي وسندان الأزمة اليمنية المستعصية، في اختبارٍ لموقف المجتمع الدولي في الحفاظ على وحدة الدول وهويّتها.