الاقتصاد العربي
أخر الأخبار

سندات البنوك الخليجية تتخطى سقفاً تاريخياً.. أكثر من 60 مليار دولار إصدارات دولارية في عام واحد

الاقتصاد العربي | بقش

تشهد أسواق الدين العالمية واحدة من أكبر موجات التمويل القادمة من منطقة الخليج، حيث تجاوزت إصدارات البنوك الخليجية من السندات والصكوك المقومة بالدولار حاجز 55 مليار دولار حتى منتصف سبتمبر 2025، وسط توقعات قوية بتخطيها عتبة 60 مليار دولار بنهاية العام.

هذا الرقم لا يمثل فقط قفزة مقارنة بالعام الماضي، حين توقفت الإصدارات عند 36 مليار دولار، بل يؤكد أيضاً أن البنوك الخليجية باتت لاعباً رئيسياً في أسواق الدين العالمية، إذ استحوذت على 30% من إجمالي إصدارات بنوك الأسواق الناشئة، وترتفع النسبة إلى 60% عند استبعاد البنوك الصينية.

بحسب تقرير حديث لوكالة فيتش للتصنيف الائتماني، اطلع عليه مرصد بقش، فإن هذه الطفرة التمويلية تعكس خليطاً من الضغوط والفرص: شح السيولة محلياً، مقابل نمو ائتماني قوي ورغبة متزايدة في تمويل مشاريع استراتيجية ضخمة.

السعودية تقود السباق

في صدارة المشهد جاءت البنوك السعودية بإصدارات تجاوزت 28 مليار دولار، لتستحوذ منفردة على نصف الإصدارات الخليجية تقريباً، هذه الأرقام مرتبطة بشكل مباشر بتمويل المشاريع الكبرى لرؤية المملكة 2030، فضلاً عن حاجتها لتعزيز القاعدة الرأسمالية والتحوط أمام لوائح تنظيمية أكثر صرامة.

البنوك الإماراتية حلت في المرتبة الثانية بنحو 11 مليار دولار، معتمدة على وفرة السيولة الخارجية وجودة مراكزها المالية. أما البنوك القطرية فقد طرحت إصدارات بحوالي 8 مليارات دولار، فيما دخلت البنوك الكويتية على الخط بإصدارات قُدرت بنحو 7 مليارات دولار.

اللافت أن الصكوك شكّلت ما يقرب من نصف الإصدارات الجديدة، وهو ما يعكس تنامي جاذبية أدوات التمويل الإسلامية في الأسواق الدولية، خاصة مع الطلب المتزايد من المستثمرين في آسيا وأوروبا.

استراتيجيات متباينة بين دول الخليج

تزامن هذا النشاط الاستثنائي مع توقعات بخفض أسعار الفائدة من قبل مجلس الاحتياطي الفدرالي الأمريكي، وهو ما جعل التمويل بالدولار أكثر جاذبية للبنوك الخليجية. إلى جانب ذلك، تواجه المنطقة استحقاقات ديون كبيرة تبلغ نحو 36 مليار دولار خلال العامين المقبلين، ما دفع البنوك إلى التحرك مبكراً لتأمين احتياجاتها التمويلية قبل أي تقلبات جديدة في الأسواق.

أما في الداخل، فقد ساهم شح السيولة خاصة في السعودية في دفع البنوك إلى الاعتماد بشكل متزايد على الأسواق الخارجية، مع توسعها في إصدار أدوات الدين الثانوية التي قفزت إلى 14.5 مليار دولار، أي أكثر من ضعف العام الماضي.

بينما ركزت البنوك السعودية على الشريحة الثانية من السندات المقومة بالدولار – وهي عودة قوية لهذا النوع من الإصدارات بعد غياب منذ 2020 – اتجهت البنوك الإماراتية والقطرية إلى الديون الممتازة غير المضمونة، مدفوعة بحاجتها إلى إعادة التمويل وتنويع مصادر السيولة.

كما برزت أدوات تمويل جديدة مثل السندات الخضراء والصكوك المتوافقة مع معايير الاستدامة، إضافة إلى الدخول في أسواق متخصصة مثل سوق “فورموزا” في تايوان، بما يعكس تنوعاً لافتاً في استراتيجيات التمويل. في الكويت، ورغم أن حجم الإصدارات كان أقل من جيرانها، فإن البنوك هناك استفادت من تصنيفاتها الائتمانية القوية التي سمحت لها بجمع التمويل بتكاليف تنافسية.

نظرة مستقبلية: بين الفرص والمخاطر

ترى وكالة فيتش أن الزخم الحالي لن يتوقف عند 2025، بل سيستمر حتى عام 2026 على الأقل، مع بقاء استحقاقات الديون مرتفعة واستمرار النمو الائتماني في السعودية والإمارات. لكن الوكالة حذرت في الوقت ذاته من أن السيولة ستظل التحدي الأبرز للبنوك السعودية، ما سيجعل اعتمادها على التمويل الخارجي أمراً شبه حتمي. وتشير التقديرات إلى أن صافي مركز الالتزامات الأجنبية للقطاع المصرفي السعودي قد يبقى فوق 3% من إجمالي الأصول، وهو ما يمثل ضغطاً ائتمانياً محتملاً.

ورغم هذه التحديات، فإن التمويل الأجنبي ما زال يمثل 11.4% فقط من إجمالي التزامات القطاع حتى أغسطس الماضي، وهو مستوى تعتبره فيتش “مقبولاً” مقارنة بالأسواق الناشئة الأخرى.

إلى جانب الاعتماد على الأسواق الدولية، بدأت المملكة في فتح مسار جديد يتمثل في الأوراق المالية المدعومة بالرهون العقارية السكنية حسب متابعات بقش. هذه الخطوة قد تمنح البنوك مصدراً محلياً ضخماً للتمويل بالعملة الوطنية، بالنظر إلى الحجم الكبير لمحافظ الرهن العقاري في السوق السعودية.

مثل هذه التطورات تعني أن البنوك الخليجية، وخصوصاً السعودية والإماراتية، بصدد صياغة نموذج مزدوج للتمويل: خارجي عبر السندات والصكوك، وداخلي عبر أدوات مبتكرة مرتبطة بالأصول. وبذلك تتحول المنطقة من مجرد “مستهلك للتمويل” إلى لاعب مؤثر في صياغة اتجاهات أسواق الدين العالمية.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي المستخدم،

نرجو تعطيل حاجب الإعلانات لموقع بقش لدعم استمرار تقديم المحتوى المجاني وتطويره. شكرًا لتفهمك!

فريق بقش